رغم النجاحات التي حققتها سابقا ما يعرف بـquot; الوحدة الإسرائيلية (8200)، فإنّ خبراء ومحللين للشأن العسكريّ الإسرائيلي شكّكوا في إفادات لـquot;إيلافquot; في مصداقيّة التقارير الإعلامية الغربيّة التي أضفت قدرات أسطوريّة على محطّة التنصت الإسرائيلية في صحراء النقب والموجّهة لمنطقة الشرق الأوسط وإفريقيا والدول الأوروبية.
المنظومة الاستخباراتية الإسرائيلية (8200) تجسست سابقا على مصر، وحصلت من جهازها التعليمي على الأسئلة والاجوبة النموذجية لامتحانات الثانوية العامة في عهد جمال عبد الناصر، وقامت ببثها على راديو إسرائيل الناطق باللغة العربية. |
القاهرة: قلل خبراء في الشأن الإسرائيلي من قيمة التقارير التي نشرتها صحيفة quot;لوموند ديبلوماتيكquot; الفرنسية مؤخراً، والتي تشير إلى اكتشافها محطة تنصت في صحراء النقب الإسرائيلية، تدور مهمتها حول التجسس على البريد الالكتروني، والتنصت على اتصالات الهاتف الخلوي في منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا والدول الأوروبية، وأكد الخبراء أن نشاط المحطة 8200 الاستخباراتية متواضع للغاية، إذا ما قورن بآليات جمع المعلومات المتطورة لدى الدولة العبرية، أو غيرها من دول ومنظمات إقليمية ودولية أخرى.
رغم ذلك لم ينف الخبراء بشكل قاطع بعض التقارير الصحافية، التي تحدثت عن تمكن المنظومة الاستخباراتية الإسرائيلية (8200) من التجسس على دوائر صنع القرار في الدول العربية، ومنها مصر وسوريا خلال فترة معينة، نظراً لما حوته الوحدة الإسرائيلية من خبراء على أعلى مستوى في مجال الاتصالات والتنصت، ولعل ذلك قد بات معلناً، عندما تمكنت منظومات التنصت الإسرائيلية من التجسس على مصر، وحصلت من جهازها التعليمي على الأسئلة والأجوبة النموذجية لامتحانات الثانوية العامة، وقامت ببثها على راديو إسرائيل الناطق باللغة العربية، وعندما علم الرئيس المصري آنذاك جمال عبد الناصر بهذه الواقعة، أصدر قراراً بإلغاء الامتحانات، وصياغة أسئلة أخرى غير التي تمكنت إسرائيل من تسريبها، بحسب الدكتور طارق فهمي رئيس وحدة إسرائيل في المركز القومي لدراسات الشرق الأوسط.
ولم يستبعد الدكتور طارق فهمي صحة التقارير العبرية، التي أشارت إلى تنصت إسرائيل على اتصال الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر بالعاهل الأردني الملك حسين في ثاني ايام حرب 6 تموز/ يونيه عام 1967 إذ كانت وسائل الاتصالات العربية غير مؤمنة ضد التجسس حتى وقت قريب.
ولعل ما حدث في هذه الواقعة لا يختلف كثيراً عما حدث في ثمانينات القرن الماضي، عندما اخترقت أجهزة التنصت الإسرائيلية الاتصالات الجارية على متن طائرة مصرية، كانت تقل مجموعة فلسطينية معروفة بـــ quot;مجموعة ابوعباسquot;حيث أقلعت طائرة حربية أميركية تابعة لقوات حلف الـ (ناتو) من قاعدتها الجوية، إثر معلومات تلقتها من أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية بوجود الفلسطيني ابوعباس ومجموعته على متن الطائرة المصرية، فأجبرت المقاتلة الأميركية ربان الطائرة المصرية على الهبوط في ايطاليا، لإلقاء القبض على ابوعباس ومجموعته.
معلومات عبرية مضللة
من جانبه يرى الخبير المصري سامح سيف اليزل، رئيس دار الجمهورية للدراسات الأمنية، أن عمليات التجسس والتنصت التي مارستها إسرائيل ضد الدول العربية، تندرج في إطار ما يُعرف بالحرب المعلوماتية.
وهي رافد لا يقل أهمية عن روافد المعارك القتالية التقليدية، بل إنها تقود أي عمل عسكري.
غير أن الحديث عن القدرات الفائقة للوحدة الاستخباراتية الإسرائيلية 8200، ينطوي على مبالغة إعلامية، ساهمت في تعزيزها معلومات عبرية مضللة، فأين كانت قدرات هذه الوحدة الاستخباراتية، عندما قرر المصريون والسوريون خوض حرب السادس من تشرين الأول/ أكتوبر عام 1973 ضد إسرائيل؟
فنجاح القاهرة ودمشق في مباغتة الدولة العبرية بساعة الصفر، اقوى دليل على ضعف إمكانيات المحطة التي يدور الحديث عنها، أو على انتباه الدول العربية لنشاط إسرائيل الاستخباراتي والعمل ضده.
لاسيما انه مدعوم بتكنولوجيا وتقنيات متطورة من دول عظمى في مقدمتها الولايات المتحدة، اما في ما يتعلق بالوقائع التي نجحت فيها عمليات التنصت الإسرائيلية سواء من خلال الوحدة 8200 او غيرها، فكانت بسبب افتقار الحكومات العربية في الماضي إلى آليات اتصالات متطورة ومؤمّنة ضد التجسس، الأمر الذي يختلف كلياً وجزئياً في الوقت الراهن.
ووفقاً للخبير المصري سيف اليزل تشير المعطيات الرسمية إلى تأمين كافة المؤسسات والدوائر المعنية بصناعة القرار في الدول العربية ضد تجسس أو تنصت اية جهة معادية، بل على العكس من ذلك ndash; والمقارنة هنا ليست بين إسرائيل والحكومات العربية ndash; وإنما بين إسرائيل والمنظمات المعروفة بـ(المنظمات الشاردة) مثل حزب الله في الجنوب اللبناني، وحماس والجهاد الإسلامي في قطاع غزة، إذ نجحت هذه التنظيمات في ما يعرف بـ (التجسس المضاد) عندما كلفت فرقاً داخل تنظيماتها باختراق الأنظمة الحكومية الإسرائيلية، والحصول منها على معلومات بالغة الحساسية، على الرغم من الحرص الشديد الذي توليه الأجهزة الأمنية في تل ابيب لتأمين أجهزتها الحكومية.
تشير المعطيات الإسرائيلية الى ان المناطق العسكرية كلهافي القدس الغربية، وغيرها من المناطق العسكرية الواقعة على خطوط التماس العربية، تستخدم كوابل اتصال الكترونية خاصة بكل منطقة على حدة، وان هذه الكوابل تتغير بين الفينة والأخرى، ولجأت إسرائيل الى هذا الأسلوب بعد الفضائح التي هزت أجهزتها الأمنية، في ظل نجاح منظمة حزب الله في التجسس على إسرائيل، بل وتمكن الحزب من زرع جواسيس له في العمق الإسرائيلي وربما داخل الأجهزة الأمنية نفسها.
مهمة مقتصرة على التجسس
حرب التجسس الإسرائيلي ضد الدول العربية - بحسب الخبير الاستراتيجي المصري احمد فخر، رئيس مركز الدراسات المستقبلية، لم يعد مختزلاً في نشاط وحدة الاستخبارات الإسرائيلية 8200، التي تتحدث عنها وسائل الإعلام العبرية او الأجنبية، فما قالت صحيفة quot;لوموند ديبلوماتيكquot; الفرنسية انها كشفت عنه في صحراء النقب الإسرائيلية، لا يعدو كونه مجرد محطة تابعة للاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، لا تقارن في قدراتها بقمر تجسس اصطناعي إسرائيلي واحد، من المشروع الإسرائيلي الضخم المعروف بـ (افق)، وهو عبارة عن مجموعة من الأقمار الاصطناعية(9 أقمار) خصصت تل ابيب 2 منها فقط لإجراء التجارب، بينما اضحت مهمة الأقمار الأخرى مقتصرة على التجسس، وتصوير المواقع المختلفة في الدول العربية وغيرها بغرض جمع المعلومات.
وتدور أقمار التجسس الإسرائيلية حول الكرة الأرضية مرة واحدة كل 90 دقيقة تقريباً، وتعتبر تكنولوجيا مشروع الأقمار الاصطناعية الإسرائيلية (افق) الأكثر تقدماً على مستوى العالم، ويكثف المشروع نشاطه على جمع المعلومات، وتصوير أهداف بعيدة عن الدولة العبرية، يأتي في مقدمتها البرنامج النووي الإيراني، بالإضافة إلى المواقع العسكرية في الصحراء السورية.
وتنفرد أقمار المشروع الإسرائيلي quot;أفقquot; بأنها الوحيدة من نوعها على مستوى العالم التي تنطلق في الاتجاه الغربي، او بعبارة أخرى عكس دوران الكرة الأرضية، ما يقلل من قدرة حمل الصاروخ عند إطلاق القمر الاصطناعي إلى الفضاء، وتخالف هذه الطريقة الأساليب الهندسية والاقتصادية المتبعة عالمياً، غير ان إسرائيل تضطر إلى إتباعها بسبب حيزها الجغرافي الضيق، وتفادياً لسقوط القمر على الكتل السكنية، إذا ما فشلت عملية الإطلاق، فلا تجد إسرائيل أمامها سوى البحر الأبيض المتوسط لإطلاق أقمارها ناحيته، بحسب الموسوعة العبرية.
ووفقاً لتقارير عبرية متخصصة، تطلق الدوائر الأمنية المتخصصة في تل أبيب اسم (وحدة جمع المعلومات المركزية) على الوحدة الاستخباراتية التي كشفت عنها صحيفة (لوموند ديبلوماتيك) الفرنسية مؤخراً، وكانت تلك الوحدة في الماضي تحمل رقماً كودياً هو (515)، ثم تطورت بشكل تقني لتحمل الرقم (848)، وبعد حرب تشرين الأول/ أكتوبر عام 1973، أطلقت الدوائر المعنية في إسرائيل على تلك الوحدة رقماً كودياً جديدا ظلت معروفة به حتى الآن (8200)، وهو الرقم الكودي للبريد العسكري للوحدة آنذاك.
وبحسب التقارير ذاتها تعتبر هذه الوحدة من أهم وحدات الجيش الإسرائيلي، ويتولى قيادتها ضابطٌ يتمتع بإمكانيات عسكرية واستخباراتية خاصة، لا تقل رتبته عن عميد، ويحظر بموجب بروتوكولات وقوانين المؤسسة العسكرية في تل ابيب الكشف عن هويته، ويدور نشاط الوحدة حول تولي المسؤولية عن العمل الاستخباراتي، الذي يقوم به عدد ليس بالقليل عن القواعد الاستخباراتية في إسرائيل.
التعليقات