قد تكون باريس نقدت الموقف، كما يقال، وانخرطت جديًا في ترميم جسور الثقةمع شعب quot;ثورة الياسمينquot;، بعد أن تلكأت كثيرًا في الخروج بموقف واضح من الأحداث، وهي تغلق على بن علي ومحيطه صنبور الماء بقرار من الإليزي الذي دخل في قطيعة شخصية مع الرئيس المخلوع.لمتابعة آخرأخبارتونسأنقر على الصورة
باريس: كان ممكنا أن تمر عملية حرق شاب تونسي لنفسه بعد أن احترقت كل آماله في العيش الكريم ببلده، في صمت، ودون أدنى ضجيج، إلا أن الشعب التونسي مل سياسة تكميم الأفواه، فتمرد على ظلم نظام نجح في كسب تعاطف دولي غير مفهوم لصالحه.
لقد وجد النظام التونسي نفسه في وضعية لم يكن مهيئا لها، بحسب تفسير ممثلة مراسلين بلا حدود سوازيغ دولي، في حديث لإيلاف، ولا يتوفر على المفاتيح الحقيقية للخروج منها، نظرا لاختناق اجتماعي وسياسي يعيشه البلد، منذ سنوات، فيما ظل يسوق خارجيا صورة أخرى عن نفسه.
وتساقط ضحايا يوميا في شوارع المدن التونسية لم يؤد إلا إلى إذكاء هذه المظاهرات الشعبية، وتقوية الدعم من حولها شعبيا أوروبيا، بخلاف الحكومات الأوروبية التي ظهرت خجولة في التعبير عن موقفها من هذه الأحداث، خصوصا باريس، الأقرب تاريخيا وثقافيا للمنطقة.
حرج باريس
لقد أبدت باريس الكثير من الاحتشام في تعاطيها مع الإنفجار الشعبي التونسي،وكانت مواقف وزرائها خجولة استغرب لها العديد من المتتبعين، لكونها لم تكن ترقى للقيم التي تقول فرنسا إن تدافعها عنها من حرية وديمقراطية وحقوق الإنسان وغيرها.
و لم تتردد المعارضة اليسارية في انتقاد هذا الوضع في أوج quot;ثورة الياسمينquot;، كما أطلق عليها، داعية على لسان العديد من قياداتها، وفي مقدمتها الأمينة العامة للحزب الاشتراكي مارتين أوبري، بأن تدين الحكومة بوضوح القمع والتقتيل الذي عرفته المظاهرات الشعبية.
وتلكأت باريس كثيرا في التعبير عن رأيها في الوضع، مكتفية بالدعوة إلى quot;التهدئةquot;، بل أن وزيرة الخارجية الفرنسية فاجأت الجميع عندما قدمت عرضا غير مفهوم لكل من الجزائر وتونس، بدعم قواتها الأمنية في استتباب الأمن، مستعرضة quot;خبرة الأمن الفرنسي في مثل هذه الأوضاعquot; على حد تعبيرها.
المصالح أولا
كان باديا من خلال الخطاب الأخير للرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي أن سيد قصر قرطاج سابقا، كان يعلم في سريرته أنه على مشارف موته السياسي على رأس تونس، وكان يحاول أن يستجمع قواه وهو يتضور ألما من الضربات القاتلة التي تلقاها على يد التونسيين، بأن يخرج من هذه المعركة الخاسرة محافظا على ماء الوجه.
لكن عزيمة هذا الشعب كانت أقوى من نوايا رئيسه المغضوب عليه، وأصر على طرده من بلد ملك لكل التونسيين، وليس له ولزوجته فقط، شر طردة، أدهشت المتابعين الأوروبيين، بما فيهم الفرنسيين، وفسر بعض المراقبين أن رهان باريس على استمرار نظام بن علي، رغم كل الذي حصل وقتها، كان خاسرًا.
وشُرح تراخي الحكومة الفرنسية في إظهار صرامة خاصة تجاه النظام التونسي المندحر، إبان الانتفاضة الشعبية، على أنه تريث فرضته:
أولا: العلاقات القوية التي ظلت بين البلدين، حتى أن الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي في زيارته الأولى لتونس سنة 2007، لم يدخر جهدا في الدفاع عن نظام بن علي، على أنه يشهد تحسنا في حقوق الإنسان.
والجانب الثاني في سر إدارة ظهر باريس لمطالب انتفاضة شعبية، ربطه خبير فرنسي بوضعية مصالح فرنسا اليوم في العالم، والتي توجد في وضعية وصفها quot;بالصعبةquot;، وبالتالي تجنبت فرنسا أن تدفع في اتجاه يطيح بالنظام بشكل نهائي لأنه ستخسر حليفا ظل يحافظ على مصالحها هناك منذ سنوات.
كما أن الأوضاع في كل من ساحل العاج، النيجر بالإضافة إلى تونس يقلق أصحاب القرار في باريس، لأنها هذه المناطق بأكملها، بحسب المراقبين، نقاط مهمة جدا في شبكة المصالح الفرنسية في القارة السمراء، ويوصي متابعون فرنسيون اليوم باريس بالإنتقال إلى منظور جديد في التعاطي مع الوضع حفاظا على هذه المصالح.
باريس تحفظ ماء وجهها
كان على باريس أن تتدارس بما فيه الكفاية طلب الرئيس التونسي، وهو يتجه نحوها لأجل احتضانه كرئيس منفي شاءت إرادة الشعب أن تخرجه عنوة من المربع التونسي، ولم تتخد قرار رفضه هكذا، بل أن بن علي عندما كان يطير في السماء يبحث عن موطأ قدم على اليابسة، كان ساركوزي في اجتماع خاص مع وزيره الأول يتباحثان وضعية لم يستعدا لها.
quot;من حسن الحظ أن باريس رفضت استقبال بن عليquot; قال إعلامي فرنسي، لأن عكس ذلك، يعني quot;ارتكاب الحكومة الفرنسية لخطأ جسيمquot; بحسب تعليق نائبة أوربا إيكولوجيا في البرلمان الأوروبي والقاضية السابقة إيفا جولي، كما أن صحافي لموند، المتخصص في قضايا البلدان المغاربية جون بيير توكوا، لم ير أنه كان ممكنا بالنسبة لفرنسا القبول بالرئيس التونسي الفار على أراضيها، لأن هناك منظمات ستتحرك لمحاكمته.
وطورت باريس موقفها مع تسارع الأحداث في الشارع التونسي بعد عدم قبولها بالرئيس الفار على أراضيها، حيث تبين أن موقفها هذا أخد فعلا اتجاها آخر في علاقتها مع نظام بن علي المنحل، واتضح بجلاء أن الرئيس السابق لتونس لم يعد مرحب به بباريس من طرف ساركوزي إعلانا منه عن قطيعة شخصية بين الرجلين.
ولم تتردد الحكومة الفرنسية هذه المرة في الانحياز لما عبرت عنه quot;بالإرادة الشعبيةquot; بدعمها لاختيار الشعب التونسي للتغيير، والانخراط في مرحلة ما بعد زين العابدين بن علي، ملحة على إجراء انتخابات حرة و نزيهة، في أقرب وقت ممكن، زيادة على تجميدها لأرصدة بنكية تونسية تفاديا لتحركات مالية مشبوهة.
وكانت هذه التدابير التي اتخدتها فرنسا ضد بن علي ورموز نظامه إعلانا جديدا لعلاقة من نوع آخر مع الشعب التونسي، تبحث فيها عن بناء جسور الثقة معه، ليس للمساعدة الأمنية هذه المرة، وإنما لأجل مرافقة هذه الثورة الشعبية في تحقيق الانتقال الديمقراطي في أسرع وقت ممكن.
التعليقات