يبدو أن ثورة الياسمين في تونس، والإضطرابات التي بدأت تنتشر في دول عدة خاصة في شمال أفريقيا، ستجبر الأوروبيين وخصوصاً الفرنسيين على إعادة النظر في مواقفهم، لا سيما ان العديد من الأصوات الداخلية بدأت تتعالى وسطمطالبات بإحداث تحول أو تغيير في السياسة التي يتم انتهاجها.

جاء سقوط نظام الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي، ليأخذ الإتحاد الأوروبي على حين غرة ويعري سياسة فرنسا المتناقضة. وقد بدأت تلوح في الأفق تهديدات بأن تنتشر حمى الإضطرابات في دول أخرى في شمال إفريقيا، مع نشوب مزيد من الإحتجاجات. ويشعر الأوروبيون الآن أنهم مجبرون على إعادة النظر في مواقفهم، وتحددياً بما إن كان عليهم الضغط من أجل نشر الديمقراطية أو الاستقرار.

وحول التصريحات التي أدلى بها مؤخراً الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، بشأن مشاعر اليأس والمعاناة والشعور بالإختناق وحجم الفساد الذي كان مستشرياً في تونس بصورة لا تطاق، رأت مجلة دير شبيغل الألمانية أن ساركوزي اختار اللجوء إلى وضعية يمكنه من خلالها أن يفرض سيطرته على ما لحق ببلاده من أضرار.

ولما لا؟ ففرنسا والإتحاد الأوروبي يتوددان على مدار سنوات للديكتاتور السابق زين العابدين بن علي، ما أسفر عن إلحاق أضرار بسمعتهما من جراء تلك العلاقة الحميمة. حيث أكدت المجلة في هذا الشأن، أنهما بحثا عن المصالح الأمنية والإقتصادية، وتجاهلا الملف الخاص بحقوق الإنسان.
ويكفي أن المواطنين التونسيين عندما خرجوا إلى الشوارع من أجل التظاهر والاحتجاج، لم يكن بوسعهم أن يرتكزوا على أي دعم من أوروبا. إضافة إلى ذلك الموقف المنحاز لصالح الرئيس المخلوع الذي التزمته الحكومة الفرنسية قبل بضعة أيام فقط من هروبه من البلاد.

ونقلت المجلة عن دانيال كوهين بينديت، رئيس حزب الخُضر في البرلمان الأوروبي، قوله :quot; لقد فعل الأوروبيون ما كان يرغبه الفرنسيون. حيث اعتقدوا أن بن علي سيكون حصناً ضد الإرهاب، ولهذا السبب تعين عليهم أن يتقبلوا ديكتاتوريتهquot;. وبعد هروب بن علي، اقتصر دور الاتحاد الأوروبي على مراقبة الوضع عن بًُعد.

وقد بدأت تتزايد الآن أصوات منتقدة داخل الاتحاد الأوروبي، وسط مطالبات بإحداث تحول أو تغيير في السياسة التي يتم انتهاجها. وقال رينر ستينر، الخبير في شؤون السياسة الخارجية لدى الحزب الديمقراطي الحر في البرلمان الألماني، إن دعم الأنظمة الاستبدادية كان خطأ.
كما اعترف روبريخت بولينز، المتحدث باسم السياسة الخارجية في البرلمان نيابة عن حزب الإتحاد الديمقراطي المسيحي المحافظ الخاص بالمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، بأن المخاوف من الإسلاميين أدت إلى انتهاج السياسات الخاطئة بالنسبة لمنطقة شمال إفريقيا. وتابع: quot;نحن بحاجة إلى إستراتيجية تعزز الحرية وسيادة القانونquot;.

ورغم أن تأسيس الإتحاد الأوروبي جاء بناءً على قيم مثل الديمقراطية وسيادة القانون وحقوق الإنسان والحريات الأساسية التي تركزت جميعها في معاهدة لشبونة، وهي ذات المبادئ التي ارتكزت عليها إستراتيجية الإتحاد الأوروبي تجاه دول شمال إفريقيا، إلا أن المجلة رأت أن المشكلة تكمن في أن الاتحاد لم يُطَبِّقُها بحزم.

وأوضحت أنيغريت بينديك خبيرة السياسة الخارجية للإتحاد الأوروبي في المعهد الألماني للشؤون الأمنية والدولية انه quot;على الإتحاد الأوروبي أن يسأل نفسه ما إن كان يرغب في العمل مع تلك الدول التي تتردى بها الأوضاع الخاصة بحقوق الإنسان أم لا. وأرى أنه من الضروري بالنسبة للإتحاد أن يكون أكثر تصميماً في نهجهquot;.

ثم تابعت المجلة بقولها إن الإتحاد الأوروبي من الممكن أن يواجه اختباره المقبل عما قريب، حيث تختمر الآن الاضطرابات أيضاً في الجزائر، لا سيما بعد أن أضرم رجل النار في نفسه يوم الأحد الماضي، على غرار حادثة الشاب التونسي محمد بوعزيزي، التي كانت بمثابة الشرارة التي انطلقت عبرها الإنتفاضة التونسية. بما يتزامن مع الإحتجاجات التي تقوم بها أحزاب المعارضة هناك منذ عدة أسابيع، للمطالبة بالديمقراطية ورفع حالة الطوارئ التي تفرضها السلطات الجزائرية منذ العام 1992.

ثم لفتت المجلة إلى التظاهرات التي تشهدها اليمن في هذه الأثناء، بعد أن انطلق الآلاف في العاصمة صنعاء، مطالبين برحيل الرئيس علي عبد الله صالح، الذي يحكم البلاد منذ 32 عاماً. وكذلك تلك التظاهرات التي شهدتها مؤخراً الأردن في العديد من المدن، حيث يطالب المحتجون بإسقاط الحكومة. ومع هذا، قالت المجلة إنه من غير الواضح ما إن كان يحظى الاتحاد الأوروبي بالقوة السياسية التي تؤهله لممارسة الضغط على كثير من البلدان الموجودة في المنطقة أم لا.