تنفس سكان جنوب افريقيا الصعداء مع الإعلان عن تحسن صحة نيلسون مانديلا الذي شعر مؤخرا بمتاعب صحية، فيما يحاول المسؤولون في هذا البلد توظيف سحر مانديلا لخدمة مصالحهم واضافة البريد إلى انفسهم.


من الرئيس جاكوب زوما الى ضباط المجالس البلدية... كلهم في جنوب أفريقيا يوظفون سحر نيلسون مانديلا إما لإضافة شيء من البريق الى أنفسهم أو لتشجيع آخرين على نوع الإبداع السياسي الذي ميّز أحد أشهر الرجال في التاريخ.

ويأتي كل هذا بالطبع على ظهر الجزع الذي أبدته جنوب افريقيا - والعالم ربما - مع خبر نقل مانديلا الى المستشفى بعلة في صدره قبل ان يتنفس الناس الصعداء مع خبر تحسن صحته وعودته الى داره يوم الجمعة.
والواقع ان المخاوف على صحة laquo;ماديباraquo;، كما يُلقب، بدأت منذ امتناعه عن حضور الحفل الافتتاحي لمنافسات كأس العالم الأخيرة التي استضافتها بلاده، إذ قهره حزنه على فقد عائلي. وبعدما رضخ لضغوط هائلة أجبرته على حضور حفل الختام، صُدم العالم إذ بدا ضعيفا لا يقدر على الحركة الا بمساعدة زوجته غراثا.

وبحلول نوفمبر / تشرين الثاني الماضي أعلنت laquo;مؤسسة نيلسون مانديلاraquo; الخيرية التي أقامها إنه يتلقى أكثر من 4 آلاف رسالة كل شهر من مختلف أرجاء العالم ترجوه إما التدخل في هذا الجزء من العالم أو ذاك لحل نزاع خطر، أو أن يعلن وقوفه الى جانب هذه القضية أو تلك.
وربما كان مانديلا نفسه مسؤولا عن هذا الوضع. فرغم إعلانه في 1999 أنه يريد التقاعد من السياسة وlaquo;مشاكلهاraquo;، فقد تطوع بأن يدخل غمار المعركة الدبلوماسية بين ليبيا وبريطانيا حول حادثة لوكربي، فأقنع القذافي بتسليم المتهمين الليبيين الى القضاء.
وبعد أربع سنوات أعلن بيتر هين، السياسي البريطاني وأحد المناضلين ضد نظام laquo;الأبارتيدraquo;، إنه اتصل بمانديلا لإقناعه بتوجيه نيرانه الى توني بلير بشأن قراره خوض غمار حرب العراق مع حليفه الرئيس الأميركي جورج بوش.

وفي بلاده لم يستطع مانديلا نيل الراحة لأن مشورته كانت أغلى ما يطمح اليه الساسة يمنة ويسرة. ولم يكن له أن يهنأ بتقاعده خاصة مع نشوب الحرب داخل laquo;المؤتمر الافريقي الوطنيraquo; بين خلفه ثابو مبيكي ومنافسه (الرئيس الحالي) جاكوب زوما. وقيل إن المساعي لمعرفة رأيه في تلك الحرب وإلى مَن مِن الخصمين ينحاز بلغت حد أن منزله زُرع بأجهزة التنصت. وهذا أمر حسمه مانديلا نفسه لاحقا بإعلانه في آخر تجمعات حزب laquo;المؤتمرraquo; بأنه يقف خلف زوما.
لكن المراقبين يقولون إن مشاركة مانديلا الشخصية والمباشرة في المجريات السياسية في بلاده والعالم والتأثير على نتائجها وصلت، بإعلان مرضه الأخير، الى نهايتها. وتبعا لما نقلته laquo;ديلي تليغرافraquo; البريطانية عن البروفيسير بيتر لورو، مدير جامعة laquo;ويسترن كيبraquo;، فإن مانديلا لم يكن في وقت من الأوقات راغبا في دوره كصانع للحكّام أو أن يكون القوة المحركة وراء كراسي السلطةraquo;.

لكن للرجل سحر يختلف عن كل شيء شهده تاريخ العالم الحديث. وهذا هو نوع السحر الذي يريد الرئيس جاكوب زوما أن يحلّق على جناحه. ويقول لورو: laquo;إذا كان لزوما الحصول على مراده هذا فليفكر بذكاء. مانديلا لن يبقى على قيد الحياة الى الأبد. وفي حال وفاته فعلى زوما أن يترك بقعة الضوء لشخص مثل الأسقف ديزموند توتو ليقود موكب المراثي. وهذا بحد ذاته سيضيف الى مكانته كرئيس للدولة يتمتع بالكرامة الرئاسية... وهكذا يستمر سحر مانديلا في العمل حتى بعد وفاتهraquo;.