القاهرة: في قاعة مظلمة خلف مستشفى القصر العيني القديم تكدس الاثنين عشرات المواطنين الذين هبوا للتبرع بالدم تضامنا مع ضحايا الانتفاضة الشعبية غير المسبوقة التي تشهدها مصر منذ ستة ايام. ويقول حسن وهو شاب في العشرين وقد جلس على مقعد خشبي طويل في بنك للدماء اقيم على عجل في فناء هذا المستشفى الجامعي الكبير في وسط القاهرة quot;نحن هنا من اجل اخواننا في الشارعquot;.

ويؤكد حسن وحقنة مغروسة في ذراعه تسحب منه السائل الاحمر وتضخه في كيس بلاستيكي ليستخدم بعد ذلك في اسعاف جريح من ضحايا المواجهات الدامية بين قوات الامن والمتظاهرين quot;انها المرة الاولى في حياتي التي اتبرع فيها بالدمquot;.

وحتى الان اوقعت هذه التظاهرات الشعبية الحاشدة 125 قتيلا على الاقل والاف الجرحى. وتقول رقية الشابة المحجبة quot;جئت الى هناك لان هناك ضحايا. لم يصب احد من اهلي لكنني جئت من تلقاء نفسي للتبرع بالدمquot; في حين يقول باسم وهو طبيب شاب ملتح quot;اريد ان اساهم بايجابية فيما يحدث لذلك اتبرع بدمي. التحطيم شيء سلبي لكن التبرع بالدم شيء ايجابيquot;.

وبعد المواجهات العنيفة التي جرت الجمعة حيث اطلقت الشرطة النار على المتظاهرين توافد المئات على مستشفيات القاهرة للتبرع بالدماء. وبسعادة يقول اشرف محمود حاتم المدير العام للمستشفى في مكتبه الواسع الذي توجد على احد جدرانه صورة كبيرة للرئيس حسني مبارك quot;الكثير من الجرحى فقدوا كمية كبيرة من الدماء .. في المعتاد لدينا 400 متبرع يوميا لكن الان لدينا 1500 متبرعquot;. وداخل هذا المستشفى القديم يختلط رجال معممون بضحايا على نقالات او نساء محجبات.

اسر الجرحى كانت اول من جاء للتبرع بالدماء الا ان السلطات الصحية لم تكن في حاجة للكثير من الدعاية للحصول على متبرعين من باقي السكان. ويوضح مدير المستشفى انه استقبل العديد من المتظاهرين المصابين برصاص مطاطي في الراس لكن كان هناك ايضا المصابون بالرصاص الحي او الذين يعانون من مشاكل نتيجة استنشاق الغاز المسيل للدموع.

ويضيف quot;المشكلة الرئيسية لدينا هي اصابات العيون. عادة نستقبل حالتين او ثلاثة من هؤلاء لكن الان لدينا 68 حالة. وعلينا ان نجري العلميات خلال يوم او يومين والا فقد المصاب البصرquot;. وحتى عصر اليوم كان العشرات يقفون في صف طويل للتبرع بدمائهم في هذا المستشفى الذي لا يبعد كثيرا عن ميدان التحرير الذي شهد اعنف المواجهات.

لكن المستشفى توقف فجاة عن اخذ الدماء وطلب من المتبرعين العودة بعد يومين: فقد امتلأ بنك الدم ولم يعد هناك مكان لحفظ المزيد. ويقول حاتم quot;نشعر بالخوف من استمرار اعمال العنف وتصاعدها لانه اذا ما تطور الوضع لن يكون لدينا ما يكفي من اكياس لجمع التبرعاتquot;.