خلق قرار المجلس الأعلى لتفسير الدستور الأردني أزمة سياسية داخلية، تمثلت في استقالة وزراء ونواب في البرلمان وأعضاء في مجلس الأعيان، وهو ما يفتح الباب أمام العديد من السيناريوهات، التي قد تشهدها المملكة في الوقت القريب.


مبنى مجلس النواب الأردني

عمّان: فجّر قرار المجلس الأعلى لتفسير الدستور بإسقاط عضوية العديد من الوزراء والنواب والأعيان الذين يحملون جنسيات أجنبية، وحظر عليهم تولي أي منصب في مؤسسات الدولة الأردنية المختلفة، أزمةً حقيقةً، كاشفًا عن تخبط وارتباك وعدم حساب كلفة وتداعيات هذا القرار على الواقع السياسي الأردني.

القرار الذي اتخذ بعد التعديلات الدستورية حرم أي مواطن أردني يحمل جنسية أجنبية الترشيح لمجلسي الأعيان والنواب أو التعيين كوزير، ودخل حيز التنفيذ منذ بداية الشهر الحالي، تشرين الأول/ أكتوبر.

حاصر قرار المجلس الأعلى للدستور الحكومة الأردنية وأسقط طوعًا وزيرين (المياه، والثقافة)، ورغم تخلّي وزير الثقافة جريس سماوي عن جنسيته الأميركية بعد يوم واحد من نفاذ التعديلات الدستورية، إلا أنه بات خارج الحكومة. وهناك توقعات بإسقاط المزيد من الوزراء، في ظل تردد معلومات عن وجود وزراء يحملون جنسيات، وكذلك خمسة أعيان قدموا استقالاتهم من دون تخليهم عن جنسياتهم.

لكن عدد النواب لا يزال غير معلن، في انتظار الإفصاح عنه بعد استكمال الإجراءات الخاصة في هذا الشأن من قبل رئاسة المجلس والحكومة، التي وفق الدستور هي الجهة المخوّلة بتنفيذ إحكام الدستور.

في كل الأحوال، تواجه كل من السلطتين التشريعية والتنفيذية، أزمة حقيقية بعد الاستقالات الطوعية، فيما الخيارات المتاحة المتوقعة إزاء المشهد الحكومي، وفق محللين، هي إجراء تعديل على الحكومة بعد موافقة الملك عبد الله الثاني.

والمبرر، بحسبهم، اقتراب موعد انطلاق أعمال الدورة العادية 12 في 26- 10- 2011، إلى جانب أن الحكومة الحالية يقع على عاتقها استكمال منظومة التشريعات الإصلاحية كقانون الانتخاب والأحزاب والهيئة المستلقة للإشراف على الانتخابات وإجراء انتخابات بلدية في نهاية العام.

وخيار التعديل المطروح يتوقع المحللون أن يتم خلال الفترة القليلة المقبلة، لكن بعد حسم ملف بعض الوزراء والاعتراف بالجنسيات الأخرى، خصوصاً في ظل شكوك إزاء ثلاثة وزراء وفق مصادر حكومية.

واستبعد المحللون خيار رحيل الحكومة، رغم حالة الضعف وتصاعد الحراك الشعبي المناوئ للحكومة الحالية، وقدوم أخرى جديدة، ستواجه أزمة ثقة مع النواب والشارع، وتتحمل أعباء المرحلة ومنظومة التشريعات (...).

الخيار الآخر، كما يعتقد المحللون، هو رحيل حكومة الدكتور معروف البخيت، وتكليف حكومة جديدة لتواجه أزمة أعباء المرحلة، وتستكمل منظومة القوانين الإصلاحية، وحسم مصير الحكومة بيد الملك عبد الله الثاني.

لكن في ما يتعلق بالقراءة البرلمانية، يعتقد رئيس اللجنة القانونية في البرلمان الأردني، عبد الكريم الدغمي، أن إسقاط المجلس الأعلى لتفسير الدستور لعضوية الوزراء والنواب والأعيان جاء ليخلق أزمة في مؤسسات الدولة لأنه عند إقرار المادة 75 من التعديلات الدستورية الحديثة لم نتوقع أن تسري على أعضاء الحكومة والنواب والأعيان الحاليين. معترفاً بوجود حالة من التخبط وغياب الحسابات الدقيقة لتداعيات هذا القرار.

ويقول لـquot;إيلافquot; إن آثار هذا القرار تتجلى في مأزق يلقي بظلاله أولاً على الحكومة، وتعدّ أكثر الأطراف تضرراً. مضيفًا أن quot;الحكومة الحالية غير قادرة على حلّ الأزمة، وأنها عاجزة عن وضع خارطة طريق، تتضمن إستراتيجية حلّ الأزمات، خصوصًا أن قراراتها انفعالية، وتستند إلى ردود أفعالquot;.

تعليقاً على قرار إسقاط خمسة من أعضاء مجلس الأعيان بفعل تفسير المجلس الأعلى للدستور، يعتقد النائب الدغمي أن الخيار الوحيد هو إعادة تشكيل مجلس الأعيان، قبل انطلاق أعمال الدورة العادية الثانية لمجلس النواب المقررة.

وحول آثار هذا القرار على مجلس النواب، يؤكد أن أقل الجهات التي تضررت من هذا القرار المربك هم النواب، والسبب كما يقول إن عدد النواب الذي يحملون جنسية أجنبية لايزال غير محدد، تنتظر الإعلان عنه من قبل رئاسة المجلس.

بدوره، استبعد النائب الدغمي إجراء انتخابات تكميلية فرعية، لأنه وفق التعديلات الدستورية يجب أن تنشأ بقانون هيئة مستقلة تشرف على العملية الانتخابية النيابية، وتديرها في مراحلها، وهذه تحتاج إلى مصادقة وقانون وإقرار من قبل البرلمان، لكنها تستغرق سنة لإتمامها.

ويختم قوله إنه بعد إقرار التعديلات الدستورية أصبح من المستحيل حل مجلس النواب، غير أن النائب أصرّ على أن قرار المجلس الأعلى للدستور أدخل مؤسسات الدولة في الحائط وأزمة سياسية.

ويرى مراقبون أن نشوب الأزمة السياسية الداخلية في الأردن سببه قرارات عشوائية، تغيب نتائجها عن ذهنية من يتخذها، وهو ما يطرح تساؤلات عديدة، ومنها كيف أقرّ النواب والأعيان والحكومة التي أرسلت التعديلات الدستورية الى البرلمان بعد استكمال عمل اللجنة الملكية الخاصة بتعديل الدستور هذه المادة، التي حرمت وفق الارقام الرسمية 800 الف مواطن اردني يحملون جنسيات اجنبية من تولي مناصب أو التعيين في الأعيان والترشيح للنواب؟..

وكيف يتم سريان قرار المجلس بأثر رجعي مندون إعطاء فرصة لتصويب أوضاع المسؤولين؟، إضافة إلى أنه هل يعقل أن أجهزة الدولة الأردنية الرسمية تجهل أن عددًا من الوزراء والنواب والأعيان الحاليين وغيرهم يعملون في مواقع رسمية، ويحملون جنسيات أجنبية؟.