ملف: التونسيون يقطفون ثمار ثورتهم

شهدت الإنتخابات التونسية، التي جرت يوم الأحد، إقبالاً كثيفاً فاق التوقعات. ويُشكّل إنتخاب المجلس التأسيسي الذي شهد منافسة بين الإسلاميين والعلمانيين أكبر دليل على أن القوى السياسية الجديدة تحاول أن تبني نظاماً جديداً على أنقاض نظام زين العابدين بن علي البوليسي السابق.


إعداد عبدالاله مجيد: يقدر أن نسبة الذين أدلوا بأصواتهم في الانتخابات التونسية زادت على 80 في المئة من الذين يحق لهم الاقتراع، بمشاركة أكثر من 100 حزب، لتكون ذروة تنفيس عاطفي إلى جانب مغزاها السياسي.

تبدت مظاهر احتفال التونسيين بحريتهم في إطلاق أبواق السيارت والتلويح بالعلم التونسي في كل مكان. ويأتي انتخاب جمعية تأسيسية، الذي شهد منافسة حامية بين الإسلاميين والعلمانيين، أبلغ مؤشر إلى أن الأصوات والقوى السياسية الجديدة تبني نظاماً جديداً على أنقاض الدولة البوليسية السابقة.

ونقلت صحيفة لوس انجيليس تايمز عن الناخب محمد غزلاني أمله بأن يكون نجاح هذه الانتخابات رسالة إلى بقية العالم العربي. وأضاف إنه يريد أن تكون الحكومة الجديدة quot;موزاييك من الأحزاب من دون أن يهمين طرف بمفرده، وإلا فإننا سنعود إلى الأساليب القديمة للحزب الحاكمquot;.

وكان أول دستور تونسي أُقرّ في عام 1959، بعد ثلاث سنوات على استقلال تونس وإنهاء السيطرة الفرنسية. ولكن بصيص الديمقراطية، الذي لاح في تلك الحقبة، سرعان ما انطفأ بإقامة حكم الفرد، وما أدى إليه من سخط شعبي، انفجر في وجه الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي في ثورة هذا العام.

وقال الناخب سوسي لطفي، الذي رتق حذائه بخيط الإسكافي، إن هناك قوة داخلية تقود التونسيين الآن quot;ولن يُقال لنا بعد الآن ما ينبغيعلينا أن نفعله. سنحتجّ، ولن يكون هناك ديكتاتور آخر أبدًا. إننا مستعدون للتغييرquot;.

ويتوقع كثيرون أن يأتي التغيير من حركة النهضة الإسلامية، التي يُقدر أن تحصل على نحو 35 في المئة من مقاعد الجمعية التأسيسية. ويخشى العلمانيون، الذين يؤيد كثير منهم الحزب الديمقراطي التقدمي، أن تدفع مثل هذه النتيجة تونس الجديدة نحو إقامة حكم ديني، وتفشل في معالجة المشاكل الاقتصادية المتفاقمة، وتلبية تطلعات الشباب.

وكان بائع الخضر المتجول الشاب محمد البوعزيزي فجّر بحرق نفسه احتجاجًا على انعدام فرص العيش الكريم، الثورة التونسية في كانون الأول/ديسمبر الماضي. وقالت والدته لوكالة رويترز يوم الأحد إن الانتخابات انتصار لولدها quot;الذي مات وهو يدافع عن الكرامة والحريةquot;. وأعربت عن الأمل في أن يتمكن الحكام الجدد من أن يضعوا هذه الرسالة نصب أعينهم.

هذه الرسالة تسندها ثقة التونسي بأن له صوتًا يُحسب حسابه للمرة الأولى، هي التي حملتهم، أصحاب مدونات وسجناء سياسيين سابقين وسلفيين وعلمانيين، على الانتظار في طوابير منتظمة أمام مراكز الاقتراع.

وقال طبيب العيون والمراقب الانتخابي بن شيخ العربي حامد إن يوم الانتخابات عيد وطني بعدما أدلى بصوته في أحد الأحياء الراقية على جبهة البحر. وأشار إلى أن هذه أول مرة يصوّت فيها تونسيون في الخمسينات والستينات من العمر، بمن فيهم هو.

وأكد أن أحدًا لم يكن يهتم بالانتخابات في عهد بن علي، الذي فاز بنسبة 89 في المئة من الأصوات عام 2009، لأن النتيجة كانت معروفة سلفًا.

وأضاف حامد لصحيفة لوس انجيليس تايمز إن لدى غالبية التونسيين quot;وجهة نظر أكثر اعتدالاً من الإسلاميين. فنحن بلد عربي، ولكننا أنشأنا مجتمعًا مدنيًا، يمتد تاريخه إلى عقد الأربعيناتquot;. وأكد أن التونسيين سيكونون مستعدين للتصدي إلى التطرف بكل تلاوينه إسلاميًا كان أم يساريًا.

ومن حي الدكتور حامد الراقي إلى حي شعبي يسكنه الناخب منذر كاوكي، الذي أشهر فاتورة الكهرباء، مؤكدًا أن دفعها سيحرم عائلته من خروف العيد. وكان حديث الإيديولوجيات السياسية والمجتمع المدني غائبًا بين أهل الحي، حيث شكت أمهات محجبات من التضخم والضائقة المالية وغياب الخدمات الاجتماعية. وأعرب شيوخ عن استيائهم، فيما أبدى شبان قلقهم بشأن انعدام فرص العمل. وكان الدخان يتصاعد من النفايات، التي لم تُجمع منذ أسابيع، فبادر السكان إلى حرقها.

وقالت عواطف حناشي، التي وقفت في طابور النساء أمام مركز الاقتراع، إن الفواتير باهظة، وحتى عندما تُدفع فاتورة الكهرباء لا تشتعل الأضواء. وابتهلت أن يكون quot;الرجل الذي سيحكم البلد رجلاً صالحًاquot;.

ورددت دعاءها نساء أُخريات، لا يعرفن من الحكم بعد عقود من العيش في ظل حكم بن علي إلا شكله الفردي. ولم يكنَّ متأكدات من دور الجمعية التأسيسية ومعنى الديمقراطية الناشئة، ولكنهن كنّ من مؤيدي حركة النهضة الإسلامية.

وقال السائق حسين يوسفي إن الأوضاع تحسنت سياسيًا منذ الثورة، ولكن الحياة ما زالت صعبة، مشيرًا إلى quot;أن المواد الغذائية والسكر والخدمات كلها أعلى كلفة الآن منها في زمن بد عليquot;.

وقال quot;سأدلي بصوتي ولن يتغير شيءquot;. في غضون ذلك، واصل منذر كوكي تقدمه في الطابور نحو مدخل مركز الاقتراع ملوّحًا بفاتورة الكهرباء، التي وصلته عشية يوم الانتخابات.