بين ما تكشفه الوثائق التي استولت عليها القوات الأميركية في العراق أن الصحافي البريطاني الإيراني الأصل فرزاد بازوفت، الذي أعدمه نظام صدام حسين في 1990، بعد إدانته بالتجسس لإسرائيل وبريطانيا، دفع حياته ثمنًا للعبة سياسية أملاها الفخار الزائف وحده.


فرزاد بازوفت

صلاح أحمد: القرار الخاص بإعدام الصحافي البريطاني الإيراني الأصل فرزاد بازوفت اتخذ في اجتماع التأم في منتصف الليل وترأسه ndash; بمزاج عكر للغاية في ما يبدو ndash; صدّام حسين نفسه. لكن القرار ساعد على الإسراع في وضع نظام بغداد في لائحة الدول المنبوذة غربيًا على الأقل.

وقد أتى كل هذا في وثائق وأشرطة صوتية استولت عليها القوات الأميركية بعيد غزو العراق، وأفرجت عنها الآن laquo;جامعة الدفاع القوميraquo; في واشنطن، وتثبت هذه الوثائق بما لا يدع مجالاً للشك أن الأمر الذي أصدره صدام شخصيًا بحق بازوفت في 1990 كان يتعلق بإلصاق تهمة التجسس لإسرائيل وبريطانيا به زورًا، والحكم بإعدامه بناء على ذلك، ولكن فقط انطلاقًًا من الفخار الزائف. وتوضح الوثائق نفسها أن حكومة مارغريت ثاتشر كان بوسعها ndash; ربما - إنقاذ حياة الصحافي الشاب، لو أنها لم تتلكأ بالتحرك في هذا الاتجاه.

عندما جاء الالتماس البريطاني أخيرًا للرأفة بالصحافي، الذي كان يعمل لصحيفة laquo;أوبزيرفرraquo; في لندن، لم يفعل أكثر من إثارة حفيظة صدّام. وبرغم الإدانات الدولية، التي كانت تنهمر على بغداد في هذا الشأن، فقد استدعى صدام وزارءه إلى قصره في إحدى ليالي في ربيع 1990، وأصدر قراره بتنفيذ حكم الإعدام في أسرع وقت ممكن laquo;عقابًا لمارغريت ثاتشر على عنجهيتهاraquo;.

ونقلت laquo;تايمزraquo; عن محضر ذلك الاجتماع قول صدام في تمام الدقيقة الخامسة بعد منتصف الليل: laquo;كم يستغرق الوصول إلى لحظة الإعدام نفسهاraquo;. وعندما قيل له إن الأمر قد يستلزم وقتًا ليس قصيرًا، أبدى تذمره وقال: laquo;لا بد من إعدامه قبل رمضانraquo;. وكان هذا ما حدث، إذ أعدموه في 15 مارس/آذار 1990، في وقفة شهر الصوم وقبل خمسة أشهر من غزو الكويت.

ويقول صدام عن ثاتشر: laquo;يبدو أنها تعتقد أن العراق قطعة من الكعك، تلتهمها متى حلا لها. لا شك في أنها تظن أن بوسعها التدخل في شؤوننا متى أرادت، والخروج بنوع الناتج الذي يصبّ لمصلحتها في الانتخاباتraquo;.

قبره يحمل رسالة تحثّ العالم على التعرف إلى حقيقة ما حدث

وكان بازوفت في الحادية والثلاثين من عمره عندما اعتقل في مطار بغداد الدولي. وكان هذا بعدما أجرى تحقيقًا صحافيًا حول خبر عن انفجار في مصنع للصواريخ في جنوب بغداد. وكانت في حوزته صور للمصنع وعينة من التربة حوله. على أن هذا كان كافيًا لتوجيه تهمة التجسس إليه.

ووقتها احتجّ رئيس تحرير ابزيرفر، دونالد تريفورد، مؤكدًا براءة بازوفت، وقال إن كل ما فعله هو المتوقع من تحقيق صحافي من النوع الذي كان يقوم به.

لكن الأهم من هذا هو أن كبير المحققين العراقيين اعترف لاحقًا ndash; بعد الغزو الأميركي ndash; بأنه توصل إلى اليقين بأن بازوفت لم يكن جاسوسًا، وإنما صحافي بريء من التهمة الموجّهة إليه laquo;بعد دقائق من بدء التحقيق معهraquo;. لكن صدام أصرّ على انتزاع اعتراف بالتجسس منه، عبر تعذيبه في سجن أبو غريب الشهير. وبالطبع فلم يكن بوسع كبير المحققين أو غيره تغيير هذا الأمر على أي نحو كان.

جاء في الوثيقة نفسها قول صدام إن بازوفت laquo;ظهر على التلفزيون العراقي، وقال إنه لم يتعرّض للتعذيب، وكرر هذا أثناء محاكمتهraquo;. ويكشف تسجيل صوتي أيضًا أن ما أغضب صدام هو laquo;التلكؤ في طلب العفو عنه، فكأن القضاء ليس مستقلاً، وإن بوسعي التأثير عليه متى ما أردتraquo; على حد قوله.

كما يتهم صدام حكومة ثاتشر بأنها هي التي نظمت الحملة الدولية على نظامه، ويوحي بأن الأمور laquo;ربما اتخذت منحى مختلفًا لو أن بريطانيا اختارت لغة تصالحية منذ البدايةraquo;. وقال وكأنه يخاطب ممثلاً لبريطانيا موجودًا معه في الغرفة نفسها: laquo;لقد بددتم الفرصة في تدخل الرئيس العراقي واستخدام سلطاته في حال أراد ذلكraquo;.

بعد هذا، يسمع صوت وزير الإعلام وقتها، طارق عزيز، وهو يتحدث في الهاتف إلى جهة ما في وزارة الخارجية العراقية، ويوجّه إليها تعليمات بالاتصال بالسفير البريطاني لإبلاغه بأن حكومته laquo;بددت فرصة العفوraquo;، وأن laquo;زمن العفو هذا قد ولّىraquo;. ويسمع عزيز وهو يمضي قائلاً: laquo;لو أن وزيرًا بريطانيًا (على الأرجح دوغلاس هيرد وزير الخارجية البريطانية وقتها) زار العراق في إطار مشترك، وناقش أمر السجين البريطاني مع سيادة الرئيس، لأصدر (صدّام) عفوه عنهraquo;.