لم يكن بإمكان الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي تسويق صورته كأب لمولود أنثى من عقيلته المطربة كارلا بروني بالطريقة التي قد يكون خطط لها في ردهات الإليزيه، وذلك لتزامن الحدث مع مجموعة من الأنباء التي كان لقوة ضجيجها الإعلامي القدرة على منافسة خبر الولادة والتغلب عليه.


كارلا بروني ساركوزي مغادرة المصحة وهي تحتضن رضيعتها

باريس: العديد من المراقبين ينظرون إلى الظروف الداخلية وحتى الدولية على أنها أقوى ضجيجا إعلاميا من صدى حدث يبقى بالنسبة إلى الفرنسيين خاصا بالرئيس.

رغم أن مناسبة مثل هذه مرتبطة في ثقافتهم بالفرح والسعادة، إلا أن دوي الأزمة الاقتصادية والفضائح السياسية والمالية التي شهدتها فرنسا خلال المدة الأخيرة، تبدو أكبر من ذلك بكثير.

كما أن من أبرز نجاحات تمهيديات الاشتراكيين أنها حوّلت الأنظار تجاهها، لأن الوضع الحالي يفرض على المواطن الفرنسي إرهاف السمع لمن يتحدث في ما يهم مستقبله الاقتصادي والاجتماعي على الخصوص.

في هذا السياق، يقول المحلل السياسي مصطفى طوسة:quot;لو جاء هذا الحدث في أجواء سياسية هادئة quot;وطبيعة quot;لكان من المرتقب أن يستغل الفريق الانتخابي، الذي يكون حاليا تحت جنح الظلام، هذه القيمة المضافة لشخصية عرفت طوال سنوات الولاية الأولى بتقلب مزاجها، ويحاول بذلك هذا الفريق بلورة رسالة إلى الفرنسيين مفادها أن الرجل تغير تحت وطأة الأحداث العالمية على خلفية الأزمات الدولية الحادة، التي يحاول ساركوزي إيجاد حل لها، وأحداث شخصية عبر معايشة أبوة جديدةquot;.

لكن تأتي الرياح بما لا يشتهيه الإليزيه، وquot;حالت أحداث غير متوقعة دون ذلكquot;، بحسب طوسة،quot;أولها سلسلة الفضائح المالية السياسية التي انهالت على محيط نيكولا ساركوزي، والحدث الثاني هو النجاح الذي حققته تمهيديات الحزب الاشتراكيquot;.

محاولة تسويق صورة أخرى للرئيس

رغم تهافت وسائل الإعلام على المصحة التي وضعت فيها كارلا بروني، فالحدث لم يظهر بالقوة التي يمكن أن ينجذب نحوها الفرنسيون، ولم تعمر هذه الصورة التي ظهرت بها السيدة الأولى في فرنسا وهي تضم مولودها إلى صدرها مغادرة المصحة في ذاكرة الفرنسيين إلا لفترة زمنية ضيقة، ولم يكن بوسعها أن تحمل مكاسب سياسية لرئيس يعاني لأجل إعطاء دفعة جديدة لشعبيته.

يذكر المحلل السياسي مصطفى طوسة الأجواء الإعلامية التي أحاطت بهذا الحدث قائلا: quot;في الحقيقة كانت أجواء يطبعها نوع من الهستيريا لسببين رئيسين: الأول أنها سابقة في تاريخ الجمهورية الفرنسية الخامسة أن يأتي مولود خلال فترة الرئاسة لسيد قصر الاليزيه، فمثل هذا الحدث أحيا بطريقته النزعة الملكية الدفينة عند الفرنسيين، والسبب الثاني أن هذا الحدث جاء في ظرف سياسي يستعد فيه نيكولا ساركوزي لإطلاق حملته للتربع على ولاية ثانية وكون استطلاعات الرأي كانت كلها تؤكد انهيار شعبية الرئيس وفقدانه ثقة غالبية الفرنسيين فيهquot;.

ويتابع طوسة: quot;وبالتالي، فالفريق الرئاسي كان يعول على هذا الحدث العائلي السعيد لصياغة استراتيجية جديدة يكون هدفها الأسمى استقطاب الفرنسيين وإقناعهم بأن ساركوزي لايزال قادرا على الاستمرار في قيادة هرم السلطةquot;.

ويضيف: quot;الهدف الأساسي إذن، هو محاولة تغيير صورة الرئيس لدى شرائح واسعة من المجتمع الفرنسي والتي بدأت تعبر عن نفورها من شخصيته ولا تعتبره أهلا لثقة تسمح له بالتجديد والتمديدquot;.

مخطط إعلامي بطريقة مقلوبة

ظل الإليزيه يردد أن الحدث خاص ولا يعني إلا الزوجين، إلا أن الخرجات الإعلامية للدائرة المقربة منهما كشفت عكس ذلك، برأي ملاحظين، مبرزة منهجية quot;اتصالاتيةquot; أخرى في كسب قلوب الفرنسيين، وذلك بترك تسويق الصورة المطلوبة إعلاميا لجهات مقربة من الرئاسة.

في هذا الإطار سبق لوالد نيكولا ساركوزي أن أكد قبل أشهر أن كارلا بروني تنتظر مولودا من ابنه الرئيس الفرنسي الحالي.

وحتى يجر أنظار الفضوليين نحو ملاحقة أخبار الزوجين الرئاسيين، أضفى على كلامه نوعا من التشويق بعدم كشفه لجنس الجنين.

زيادة على محاولات لنساء ورجالات الأغلبية الحكومية في تدخلاتهم الإعلامية بعد وضع كارلا بروني ساركوزي، محاولات توخت منح شيء من الحياة للصورة الجديدة التي أرادوا جميعا أن يعطوها للرئيس، إلا أن ألوانها تلاشت بسرعة ولم تحدث اهتماما كبيرا من طرف عموم الفرنسيين.

لكن لا يمكن اعتبار الخطة الإعلامية لتسويق صورة الرئيس الفرنسي سياسيا فاشلة بالمرة بحسب مراقبين، وإنما كانت هناك عوامل طارئة أخفقت هذه العملية إلى حد ما، لكن الأشهر القادمة ستأتي بمعطيات جديدة يمكن أن يظهر فيها الرئيس الفرنسي كذلك الأب الحامي للأسرة الصغيرة والكبيرة أي الأمة كما يفسر ذلك محللون.

بالتالي، تطرح إمكانية أن يعود الإليزيه لإخراج هذه الورقة من جديد مع اقتراب موعد الرئاسيات، لكن بصورة أكثر مواظبة يحاول من خلالها فريقه المكلف بالشق الإعلامي في الحملة الرئاسية تقليص الهوة بين الفرنسيين والرئيس الحالي، وكذلك بأمل توسيع هوامش تحركه بشكل أكبر وهو ما قد يتيح له جذب اهتمام عدد مهم من الفرنسيين.