أصدر بشار الأسد قراراً بتلغيم كل الحدود السورية، في محاولة لمنع تهريب وسائل قتالية إلى بلاده، والحيلولة دون هروب ضباط وجنود جيشه إلى تركيا، وعلّقت مصادر خاصة لـ إيلاف على ذلك، مشيرة إلى أن الأسد يدرك منذ فترة إمكانية مشاركة قوات عربية في عمل مسلح ضد سوريا.


أفراد من حرس الحدود السوري

أصابت الرئيس السوري بشار الأسد حالة من الهلع، إثر تلقي أجهزته الأمنية معلومات، بحسب تسريبات إسرائيلية، تفيد باعتزام قوات عربية المشاركة في عمل مسلح ضد النظام السوري، ربما تقوده قوات حلف شمال الأطلسي الـ quot;ناتوquot; خلال الأيام القليلة المقبلة.

ووفقاً لتسريبات وصفت نفسها بالاستخباراتية، ونشرتها وسائل الإعلام العبرية، عقد رأس النظام السوري اجتماعاً طارئاً ضمّ العديد من الدوائر الأمنية في دمشق، لدراسة إمكانية صدّ الهجوم المرتقب على بلاده، والوقوف على صحة مشاركة قوات عربية فيه.

تشير التسريبات إلى أن الاجتماع الذي يدور الحديث عنه تمخض عن قرارات استراتيجية عدة، جاء في طليعتها إحاطة الأراضي السورية بسياج من الألغام، للحيلولة دون دخول أية قوات إلى الأراضي السورية، والعمل ضد نظام بشار الأسد، إضافة إلى أهداف أخرى، تتقدمها منع عمليات تهريب الأسلحة للثوار السوريين، والحيلولة دون هروب ضباط وجنود الجيش السوري خارج البلاد، فضلاً عن منع تسلل عناصر مسلحة من دول الجوار السوري، خاصة من الأردن وتركيا.

الضفة الشمالية لنهر اليرموك

انطلاقاً من تلك المعطيات، بدأ سلاح الهندسة السوري خلال الأيام القليلة الماضية في تلغيم الحدود السورية مع الأردن وتركيا ولبنان، واستندت التسريبات عينها إلى دوائر عسكرية في تل أبيب، أكدت أنها رصدت جنوداً سوريين، وهم يضعون ألغاماً على طول الضفة الشمالية لنهر اليرموك، الذي يمر عبر الشريط الحدودي الفاصل بين حدود سوريا والأردن.

كما وضع السوريون الألغام في نقاط ملتقى الحدود السورية مع نظيرتها الأردنية والإسرائيلية، ليتصل شريط الألغام السوري الجديد بنظيره القديم، الذي نشرته سوريا في وقت سابق على حدود هضبة الجولان.

كما لغّم السوريون المناطق الشمالية الحدودية مع لبنان، خاصة القرى اللبنانية، التي تعتبر حقل الألغام السوري الجديد، وعلى الحدود التركية وضع السوريون ألغاماً في مناطق إدلب وجبل الزاوية، إذ تعمل في تلك المنطقتين قوات كبيرة يسمّيها النظام السوري بقوات المتمردين، ويتكونون في معظمهم من ضباط وجنود هربوا من الخدمة في الجيش السوري.

ووفقاً لما نقلته صحيفة معاريف العبرية عن مراقبين عسكريين في تل أبيب، تعمقت تركيا بشكل مباشر خلال الآونة الاخيرةفي ما يجري في سوريا، فإضافة إلى نقل المناطق المركزية للقوات العسكرية السورية المتمردة إلى الأراضي التركية، تسمح أنقرة في الوقت الراهن لتلك القوات باستقطاب عناصر جديدة هاربة من الجيش السوري للانقلاب على نظام بشار الأسد.

كما يعكف الجيش التركي على توفير الآليات اللازمة لتلك القوات لخوض تدريبات عسكرية مكثفة، تمهيداً للانقضاض على الأسد في عمق دمشق، وتسمح تركيا إلى جانب ذلك بإيفاد عناصر الجيش السوري المتمردة إلى سوريا، للمشاركة المسلحة في كبح جماح أجهزة الأسد الأمنية.

ووفقاً للتسريبات الإسرائيلية، تزوّد تركيا القوات السورية بالعتاد العسكري اللازم للقيام بتلك المهام، ومن الأسلحة التي يحصل عليها المتمردون السوريون قذائف (آر بي جي)، ومدافع مضادة للمدرعات، وأسلحة أوتوماتيكية وقنابل يدوية، ويحاول النظام السوري وقف هذه التحركات من خلال تلغيم الحدود السورية مع تركيا.

الصمت السوري إزاء مقتل القذافي

تشير المعطيات عينها إلى أن تلغيم الحدود السورية، وحالة الصمت السوري إزاء أحداث مقتل الرئيس الليبي معمّر القذافي، تؤكد مخاوف رأس النظام السوري من أن تمهد عمليات تهريب الأسلحة عبر الحدود السورية من تركيا والأردن ولبنان إلى ضلوع عربي مسلح بتأييد من قوات حلف الـ quot;ناتوquot; في دعم الثورة السورية، وهو السيناريو الذي حدث في ليبيا.

واستشهدت التسريبات الإسرائيلية على ذلك بالتصريحات التي أدلى بها للمرة الأولى في السابع والعشرين من شهر تشرين الأول/ أكتوبر الجاري قائد أركان الجيش القطري حمد بن علي العطية، والتي أكد فيها أن آلاف من الجنود القطريين لا يزالون في ليبيا، وأنهم حاربوا إلى جانب الثوار الليبيين لإسقاط نظام معمّر القذافي، إلا أن المسؤول القطري - بحسب التسريبات - لم يذكر في تصريحاته كيف وصلت قواته إلى ليبيا ومن نقلهم إلى هذا البلد.

على الرغم من ذلك، لم يستبعد معدّو التقارير الإسرائيلية أن تكون الطائرات العسكرية الأميركية التابعة لقوات الـ quot;ناتوquot; قد شاركت في نقل الجنود القطريين إلى ليبيا، وربما يكون قائد الأركان القطري قد نصب على الأراضي الليبية قاعدة لإدارة المعارك المناوئة لنظام القذافي.

وكشفت التسريبات العبرية النقاب للمرة الأولى عن أنه شارك القوات القطرية في العمل ضد القذافي قوات أردنية، الأمر الذي لم تكشف عنه حتى الآن مصادر رسمية في عمّان.

وفي تعليق على تلك المعطيات، أشار الخبير الاستراتيجي أحمد عز الدين في تصريح خاص لـ quot;إيلافquot; إلى أن هواجس النظام السوري من مشاركة قوات عربية أو على الأقل دعم قوات الـ quot;ناتوquot; في توجيه عمل مسلح ضد سوريا ليس جديداً، إذ إن آصف شوكت صهر بشار الأسد قام قبل أيام بزيارة سرّية إلى الأردن، هدد خلالها الأردنيين بأنه في حال مشاركة الأردن في أي عمل، وصفه بـ quot;الجنونيquot; ضد دمشق، سينجم من ذلك عواقب وخيمة، ربما تصل إلى توجيه الصواريخ السورية صوب كل المدن الأردنية.

تؤكد هذه المعلومات، بحسب الخبير أحمد عز، أن نظام بشار الأسد بات مدركاً أنه قاب قوسين أو أدنى من السقوط، إن لم يكن على أيدي الثوار السوريين، فعلى أيدي قوات الـ quot;ناتوquot;، وتشارك قوات من دول عربية في إطار هذه القوات، خاصة أن الممارسات القمعية من قبل النظام السوري ضد شعبه قد تضاعفت إلى حد يحول دون بقاء الأسد على مقعده.

منع تهريب الوسائل القتالية

أما الدكتور طارق فهمي، أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة، فلم يستبعد قيام الجيش السوري بنشر ألغام على طول حدوده مع دول الجوار، إلا أنه اعتبر في حديث خاص لـ quot;إيلافquot; أن عمليات التلغيم لن تحول دون دخول قوات عربية إلى الأراضي السورية للمشاركة في عمل مسلح ضد نظامها، خاصة أن القوات القطرية التي تحدثت عنها التقارير العبرية، دخلت إلى الأراضي الليبية محمولة جواً، الأمر الذي يؤكد أن نشر الألغام الذي يدور الحديث عنه يستهدف منع تهريب وسائل قتالية إلى داخل الأراضي السورية، ومنع عناصر الجيش السوري الهاربة من الخدمة من التسلل خارج الأراضي السورية والاستقواء بالجيش التركي ونظام رجب طيب أردوغان، ثم العودة إلى سوريا لخوض معارك مسلحة ضد نظام الأسد.

وأضاف الدكتور فهمي في حديثه لـ quot;إيلافquot;: quot;لاشك أن الصورة الدراماتيكية التي أنهت حياة الرئيس الليبي معمّر القذافي، أصابت رأس النظام السوري بحالة من فقدان السيطرة، وعدم القدرة على اتخاذ قرارات سياسية واضحة المعالم، إذ إنه لا يعتمد حالياً سوى القرارات العسكرية، معتقداً أنها الوحيدة التي يمكن عن طريقهاحماية نظامه من السقوط.

ويرفض الأسد انطلاقاً من هذا المنظور تبني مبادرات سياسية لامتصاص ردود أفعال الجماهير السورية الثائرة، كما تكتفي الدوائر المحيطة به بترديد مفردات لغوية لا تنقذ نظاماً، مثل المؤامرة والأجندات الخارجية وغيرها، وربما تزيد هذه الاستراتيجية من زيادة ارتباك بشار الأسد، وتجبره على اتخاذ قرارات، تضاعف من اصطدامه بالشباك المعقدة.