نساء يمنيات رسمن أعلام البلاد العربية التي تشهد ثورات. من اليسار: اليمن، ليبيا، سوريا، تونس، مصر.

تعددت وجهات النظر حيال تطور الأحداث في المنطقة بعد الثورات الشعبيّة التي عصفت بالحياة السياسيّة في أكثر من بلد. وفي هذا السياق استصرحت quot;إيلافquot; آراء بعض النخب اللبنانيّة ورؤيتها لأحداث وحصاد quot;الربيع العربيquot; حتى الآن.


أطلق ما يسمّى بـ quot;الربيع العربيquot;، مجموعة من الأسئلة، التي راحت تعصف بالحياة السياسية والاجتماعية والثقافية للنخب والشعوب العربية في آن، وتعددت وجهات النظر حيال حقيقة ما يحصل، والمآل الأخير لتطور الأحداث التي تضجّ بها أرجاء الوطن العربي.

هل أن ما يحصل هو مجرد انتفاضات شعبية اندلعت شرارتها بسبب الأوضاع الحياتية القاسية للشعوب العربية، أم إنها ثورة تطيح بكامل المنظومة الثقافية والاجتماعية والسياسية القائمة منذ عقود؟.

ألا يدل حصاد quot;الربيع العربيquot; على وجود مؤامرة لإعادة تفكيك وتركيب البلدان العربية، بما يخدم مصالح الخارج؟ أم إن الوطن العربي قد دخل مسار بناء الدولة الديمقراطية الحديثة كبديل لثنائية (الأنظمة الاستبدادية - الإرهاب الأصولي)؟ وما هو موقع القضية الفلسطينة على ضوء التهميش الذي يطالها في سياق التغير الذي تشهده المجتمعات العربية؟.

تحاول quot;إيلافquot; استطلاع آراء بعض النخب اللبنانية ورؤيتها لأحداث وحصاد quot;الربيع العربيquot; حتى الآن، وتوقعها للاتجاهات التي يمكن أن يسلكها مسار تطوره، والنتائج التي يتوقع أن ينتهي إليها الحراك الشعبي العربي الصاخب، بغضّ النظر عن التسميات والتعريفات التي يتم إطلاقها على ذلك الحراك، والتي تختلف وفقًا لرؤية وتحليل كل كاتب أو مفكر أو باحث.

نصري الصايغ (كاتب في القضايا الفكرية والسياسية)

يقول الكاتب نصري الصايغ quot;إن كل التعريفات تأتي بعد أنتكون الثورة قد أنجزت أهدافها، ناهيك عن أن كل ثورة تختلف عن الأخرى في طبيعتها وأهدافها وزمنها (دينية، قومية، علمية، اجتماعية...) وما يمكن أن يعطى كعنوان لهذه المرحلة من التطور التاريخي في المنطقة، هو الثورة العربية الديمقراطية، والتي هي في خطواتها الأولى، بغضّ النظر عن إمكانية تحقيق هذا الهدف من عدمه، وحيث إن ما يحصل في كل دولة عربية، يختلف عن الأخرى، لكنه يبقى تحت هذا العنوان العام.

وهي ثورة لا تشبه الثورات التي سبقتها، لأنها نتاج التطور الهائل في وسائل الاتصال الجماهرية (الانترنت) وفوجئ الجميع باندلاعها من موقع لم يكن يتوقعه أحد، وهوالشعب الذي قرر إسقاط النظام الاستبدادي، والدخول في حوار حول طبيعة النظام البديل. ويبقى جيل الشباب هو الأقوى في هذه الثورة، والذي كوّن وعيه من عمق المعاناة، وبفعل ثورة المعلوماتية، حيث تلمس الثقافة العالمية الجديدة (حقوق الإنسان، حرية، ديمقراطية) ويعمل بهديهاquot;.

ويتابع quot;إن الخارج كان على مفاجأة باندلاع هذه الثورة، والثابت لديه هو إعادة بناء مصالحه نفسها في سياق التغيير الحاصل، وهي تستند إلى خطط وفقًا للواقع الجديد، والبقاء بالمرصاد لما يجري في المنطقة، وخصوصًا مصر وسوريا، لأنهما تشكلان المفتاح للموضوع الإسرائيلي.

ويأتي الخطر على تلك الثورة من حاجة الشعوب إلى المساعدة، عندما تجد نفسها بين خياري الموت أو البقاء على قيد الحياة، مما يوقعها في quot;جريمةquot; الاستعانة بالخارج في ظل التناقضات الطائفية والمذهبية، التي نمت في ظل الحكومات الاستبدادية، بعدما أغلقت الأبواب أمام أي تطور اجتماعي وتوحيد الوطن والمجتمع بوساطة قبضتها الأمنية، ولكن تحوّل الشباب إلى قادة فعليين للثورة، سيمنع تحكم طرف بالآخر، سواء كان طائفيًا أو علمانيًا، ولا بد بالتالي من إيجاد صيغة للتعايشquot;.

سليمان الرياشي (المسؤول عن صفحة فكر ورأي في جريدة المستقبل)

من جانبه، يرى الصحافي سليمان الرياشي أن بعض الارتباك الذي استقبلت به النخب العربية ما يحصل من ربيع عربي، يأتي من المفاجأة بسبب ضخامة الأحداث، والملفت أن من يؤكد فكرة المؤامرة هو النظام السوري، وبعض النخب اللبنانية لارتباطات عضوية وتاريخية به، إذ إن الغالبية الساحقة من النخب العربية نظرت إلى الربيع العربي كثورة، وإن لم تتفق على طبيعتها وقواها المحركة ومضمونها.

وقد شكل الشباب دور المفجّر لظاهرة الربيع العربي، واستخدموا وسائل الاتصال الحديثة، وأقبلوا على التحرك بدون عقد، بل وعرفوا كيف يتكاملوا مع الفئات الاجتماعية الأخرى.

ويضيف الرياشي quot;إن ما يحصل في الوطن العربي هو ثورة بلا شك، ولكنها محمّلة بخصوصية كل قطر عربي تجري فيه، وتحمل سمة عامة، هي المطالبة بالحرية والديمقراطية ضد الظلم والاضطهاد واحتكار السلطة والتوريث والفساد، ومحكومة بأن تتطور من داخلها، وأن تتعاطى في الشأن السياسي والاجتماعي والاقتصادي، وأن تكون ثورات سياسية وعدالة اجتماعية، ووفقًا لدرجة تطور كل بلد، ومن خلال تفجير طاقات الشعوب العربية وانخراط كتل شعبية جديدة فيها كل يومquot;.

وتصطدم الثورة العربية بمصالح تشكلت وترسخت منذ عقود، وتديرها مافيا مرتبطة بالسلطة، والتي يصبح جزءًا من طريقة مواجهتها للثورة الحاصلة، هو تحويلها إلى أداة انقسام تصبح أكثر خطورة في مجتمعات لا تسيطر عليها التعددية الاجتماعية، بل تعددية ذات طبيعة إثنية أو مذهبية أو طائفية، وحيث السلطة نفسها هي التي تهدد بالاستعانة بهذه البنى الاجتماعية ما قبل الدولية.

وحول انعكاسات الربيع العربي على القضية الفلسطينية، يقول إن الرأي العام العالمي بات يحسب حساب الرأي العام العربي، وسيشكل الحد الفاصل بين الديماغوجيا السياسية، التي تعيش على الشعارات، وبين الشعوب المدركة وتحت راية الحرية والديمقراطية لتقاطع المصالح ووحدة المعركة الوطنية والديمقراطية في المنطقة، وتقرير الشعب الفلسطيني مصيره على أرضه.

أحمد البعلبكي (أكاديمي وباحث اجتماعي)

بدوره يرى الأكاديمي أحمد البعلبكي أن ما يحصل في العالم العربي هو quot;حراك شعبي وانتفاضة عفوية، حدثت بسبب تراكم التناقضات الاجتماعية والإذلالات القومية، وتبين بعض الأرقام حجم تلك التناقضات، حيث، وعلى سبيل المثال، فإن نسبة الشباب في سوريا أكثر من خمسين بالمئة، ونسب البطالة تزيد على 25%، وتكدس السكان في العواصم والمدن الكبرى، وتدهور المداخيل الزراعية في الأرياف، وكل ذلك في ظل إقفال الطريق نحو أي حياة سياسية ديمقراطية، ولو بشكل متدرج وممتد، وترافقه بتبعية الأنظمة القائمة لمراكز القرار الدولي النيوليبراليquot;.

ويتابع quot;وقد دخل الحراك الشعبي العربي مرحلة الهدم والرفض، ولم يصل إلى مرحلة تبلور البديل، كما هو قائم حتى الآن، ويمكن أن يواجه ثورة مضادة، لكون المرحلة المقبلة ستكون محكومة بوجود التعددية الاجتماعية والسياسية، التي ستفتح الباب على صراعات كبيرة، سيكون المستقبل فيها للحركات الإسلامية كالأخوان المسلمين وغيرهم، والمرجّح أن يكون التموذج التركي هو المثالquot;.

وبرأيه، ستكون القضية الفلسطينية في حال أفضل، لأن الأنظمة العربية القائمة أخضعت الشعوب للإذلال، وقدمت كل التنازلات التي كانت أحد السمات الرئيسة لتلك الأنظمة.

أمين قمورية (كاتب سياسي في جريدة النهار)

الكاتب السياسي أمين قمورية يقول quot;لا شك بأن ما يحدث في العالم العربي هي ثورة بكل معنى الكلمة، انفجرت، ولا مثيل لها في التاريخ، بسبب طابعها الإنساني الكامل، ولا أحد يعرف لها قائد، ولكن يتم تشويهها في ثلاث محطات، وهي إعطاء الطابع الطائفي، وعسكرة الانتفاضة الشعبية في ليبيا، وإعطاء صفة المؤامرة للانتفاضة الشعبية في سوريا، واستخدام القمع الأمني في وجههاquot;.

ويضيف quot;إن التدخل الغربي والتعاطي معه من قبل قادة هذه الثورة، يتم بسبب الحاجة إلى حماية الناس من القتل، وفي ظل غياب أي حماية عربية، لأن الغرب كان آخر من يفكر بدعم هذه الثورات الشعبية، خصوصًا وأن الزعماء كانوا يؤمّنون له مصالحه بأقل كلفة، وهو لا يريد ديمقراطية حقيقية، بل يريدها أقرب إلى الفوضى، لأنه يريد البلاد، إما تحت سيطرة دكتاتور أوعرضة للحرب الأهلية.

ويبقى الشرط الأول للحماية من تدخل الخارج، هو بالتحصين من الداخل، أي تحقيق مطالب الناس، وبكل الأحوال فإن عامل الرفض للغرب، سيكون موجودًا كما كان عامل الرفض للحكام. إن الصراعات الدينية والطائفية في البلاد العربية، هي أشبه بوكر الأفاعي المغطى بحجر، ولا يمكن مواجهته إلا بالديمقراطية الحقيقية، التي هي نقيض الطائفية، لأنها تفسح المجال للأكفاء داخل أي مجتمعquot;.

وحول القضية الفلسطينية، يقول quot;لم تكن فلسطين العنوان الأبرز للثورات العربية، ولكنها في وجدان الثائرين، وهي عنصر الربط الأساسي بين العوامل الداخلية والاقليمية والدولية، حيث لا حل للمشكلات الداخلية في أي بلد عربي من دون حل قضية الشعب الفلسطيني، التي تبقى بوابة أي دور فاعل للقوى الصاعدةquot;.

جورج علم (كاتب ومحلل سياسي)

يقول الكاتب جورج علم quot;تشهد الدول العربية أحداثًا تاريخية، وتعيش تغييرًا جذريًا من خلال إسقاط الحركة الشعبية للأنظمة القائمة، بسبب حاجة الشعوب إلى الحياة الحرة كقيمة إنسانية، ويمكن القول إنها مزيج من الثورة والإنتفاضة، وبالتالي هي أقرب إلى عملية الاحتجاجquot;.

يتخوف علم من quot;موت فكرة القومية العربية في ظل بروز ثلاث قوى في الشرق الاوسط (إيران تركيا وإسرائيل)، خصوصًا وأن الانتفاضات الشعبية في العالم العربي، وإن كان يقوم بها الشباب المثقف، فقد أيقظت كل الهواجس والمخاوف التاريخية، والتناقضات الطائفية والمذهبية والعشائرية والقبلية، وعدم امتلاك الثقافة الديمقراطيةquot;.

ويضيف quot;إن الشعب الفلسطيني يقوم بإعادة تموضع جديدة، بعدما فقدت القضية الفلسطينية الإجماع العربي، وعدم احتلالها الأولوية لدى الشعوب العربية، والثابت هو أن القضية الفلسطينية لا تموت على المستوى التاريخي، وقد تكون أمام الحاجة إلى مشهد دموي أكثر فأكثر لانتزاع الشعب الفلسطيني حقوقهquot;.

سعد محيو (محرر الشؤون العربية في مركز كارنيغي للسلام في الشرق الأوسط)

في حين يرى سعيد محيو quot;أن ما يجري في البلاد العربية، هي ثورات شعبية بغضّ النظر عن التسمية، وتشبه زلزالاً تحركه قيمة الحرية، وهو تكرار لما حدث في أواخر القرن التاسع عشر مع بدء سؤال النخب العربية حول أسباب تقدم الغرب وتأخر العرب، وكان الجواب: الحرية قبل كل شيء، من دون أن تتجسد تلك الثورة حينها، بسبب مستوى التطور الاجتماعي والاقتصادي، خصوصًا وأن الديمقراطية ليست مجرد نظام، بل هي مرحلة انتقالية من الإستبداد إلى منظومة اجتماعية كاملة، يتوجها نظام سياسي، يستند إلى سلطة الشعب، وتمر بالكثير من التعرجات والإنتكاسات، ويبقى الأهم فيها هو استعادة الشعوب العربية كلمتها، واستلام زمام أمورها بنفسهاquot;.

حول مخاطر الاستبداد الاسلامي يقول محيو quot;هي مجرد فزاعة وتهويل تمارسها الأطراف المتضررة من الربيع العربي، ولكن هذا لا يعني أن لا يكون هناك دور للحركات الإسلامية، ولكنه سيكون مشروطًا بالقبول بالديمقراطية، وتداول السلطة والحريات العامةquot;.

ويعتبر أن quot;الجديد هو أن الناس أصبحت في الشوارع، ولم يبق لديها أي استعداد لتلقي الأمر من أي جهة، وعليه فلا خوف من عودة الإستعمار الغربيquot;.

برأيه فإن الربيع العربي يبدو وكأنه يهمّش القضية الفلسطينية، ولكن الشعوب العربية ستبقيها حية، لأن لها علاقة مباشرة بالهوية والتاريخ العربيين، وسيؤدي التحول الديمقراطي إلى فقدان إسرائيل أهم أوراقها، من خلال تقديم نفسها كديمقراطية وحيدة في المنطقة، وستجد نفسها للمرة الأولىفي أزمة وجودية.

أحمد جابر (كاتب سياسي في جريدتي السفير والحياة)

الكاتب أحمد جابر يرى أنه quot;إذا أخذنا أي تجربة تحت عنوان ثورة في التاريخ، نجد أن ما يحصل في البلاد العربية هو أقرب للإنتفاضة الشعبية، لأن الثورة تعني فكرًا محددًا، يقود الحركة اليومية، ويقدم تصورًا كاملاً على المستويات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، أي قلب الوضع القائم جذريًا، بينما لم يحصل في البلدان العربية التي شهدت الانتفاضات، سوى تغيير رأس النظام، وبقاء القوى وأصحاب المصالح نفسهاالتي كانت تتحكم بالنظام، وبالتالي يجب عدم إسقاط مفاهيم مسبقة على تلك الحركة الشعبيةquot;.

يقول جابر quot;الإرهاب الأصولي استخدم كفزاعة، لأن الشباب المتعلم والمدني هو الذي يقود الانتفاضات الحاصلة، وحيث لم تظهر لافتة تقول إن الإسلام هو الحلّ، ولكن الأكثر خطورة هو تحول الإنتفاضة الشعبية السلمية إلى مواجهات مسلحةquot;.

ويرى أن quot;التدخل الغربي يبقى أمراً بديهياً كي يضمن مصالحه في المنطقة، وهو ما تقوم عليه العلاقة بين الدول، ولكن ما سمح لهذا الغرب بالتدخل ويستدرجه لذلك هي الأنظمة الإستبدادية، التي تقدم نفسها كضامن لمصالح الغرب، ولكن الجديد هو أن الغرب نفسه، بات يعتبر بقاء هذه الأنظمة أكثر كلفة من ذهابهاquot;.

ويعتبر أن quot;الانتفاضات العربية لم تطرح حتى الآن موضوع الصراع العربي الإسرائيلي، ربما لأسباب تكتيكية، مما يعني أنه ستكون هناك إعادة صياغة لموقع القضية الفلسطينية، بعد أن ترسو الإنتفاضات الشعبية على حال معينة، خصوصًا في مصر وسوريا، اللتين تشكلان المفتاح في هذا المجالquot;.

ميشال نوفل (مسؤول القسم العربي في جريدة المستقبل)

ويرى الصحافي ميشال نوفل أننا quot;أمام زلزال كبير يطال كل المنطقة، وينعكس في كل مكان حسب الأوضاع الخاصة بكل بلد، ولم نشهد مثيلاً له منذ 50 عامًا عندما تم التخلص من الإستعمار القديم، ولكن اصطدمت حينها تلك التحولات بوافد جديد، هو الولايات المتحدة الأميركية والحرب الباردة، التي تبدو الآن في مرحلة انكفاء إلى درجة كبيرة، بسبب ظاهرة الإنحطاط، التي تطرأ على على هذه القوة العالمية، وهو ما بدأ يلغي دور العامل الخارجي، الذي كان يؤمّن الغطاء للأنظمة الدكتاتورية، وحتى لو حصل فهو سيكون محدودًا (تجربة التدخل الأطلسي في ليبيا)quot;.

ويضيف نوفل quot;يمكن القول إننا انتقلنا من الثورات القومية والتقدمية والإسلامية إلى الثورة الوطنية الديمقراطية، في ظل أوضاع خارجية جديدة، لم يعد لقواها القدرة على عرقلة ما يحصل، بعد فشل مشاريعها في المنطقة، ولكن يمكن حصول تراجعات وانتكاسات في مسار هذه الثورة الوطنية الديمقراطية، لأنه لا بد، ومع تفكك النظام الإستبدادي، من أن تظهر عوامل كانت نائمة (طائفية، مذهبية، عشائرية، وقبلية)quot;.

ويعتبر أن استعادة مصر لموقعها هو بالتعريف نقيض لاتفاقية كامب ديفيد، التي عطلت دورها في المنطقة، وهو لا بد أن ينعكس في نهاية المطاف إيجابًا على القضية الفلسطينية، بل وفي نهاية المطاف فإن وجود الديمقراطية في أرجاء الوطن العربي، يلغي القيمة المضافة لإسرائيل، التي تحاول أن تتميز بها، وخصوصًا في ظل الأهمية المتزايدة لمبدأ حقوق الإنسان، إذا ما استمرت إسرائيل في خرقهquot;.

نبيه البرجي (كاتب ومحلل سياسي)

ويرى المحلل السياسي نبيه البرجي أن ما تشهده البلاد العربية quot;ظاهرة تاريخية بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، وهي بدء مرحلة الديمقراطية، والتي ليست وصفة طبية، بل تحول تاريخي يحتاج عددًا من السنوات كي يتبلور، حيث يكون التخلص من الاستبداد الداخلي مشروطًا بالتحرر من إستبداد الاستعمار، وهي عملية جدلية متطورة، وكل ذلك يمثل بداية تحقيق الحلم العربي، الذي سيحتاج عقودًا لإعادة هيكلة البنية الداخلية للمجتمعات العربية، ولا أحد يمكنه الوقوف في وجه ذلك بسبب تطور تكنولوجيا التواصلquot;.

ويقول quot;إن ظاهرة الإنقسام الطائفي والمذهبي، وإن كانت موجودة في الأصل، في المؤسسات اليهودية المنتشرة في العالم والشديدة الفعالية، تعمل منذ العام 1923 على المزيد من تفتيت البلاد العربية، بل وقبل ذلك، أي منذ وعد بلفور في العام 1917عندما بدأ الغرب يدعم أنظمة تضمن بقاء الانقسامات الطائقية والمذهبية والقبلية والعشائرية، بغية تفتيت المنطقة، وبسبب استمرار وجود هذا العامل داخليًا وتغذيته من الخارج الغربي لاستمرار ضمان مصالحه في الحصول على نفط المنطقة وغازها، ويبقى الرهان على مصر، لأن كل شيء يحدث فيها يترك انعكاساته على المنطقة، سواء سلبًا أو إيجابًا، وخصوصًا لجهة بناء نموذج ديمقراطي يحتذى بهquot;.

ويعتبر البرجي أنه quot;لم يعد هناك من موقع وازن للقضية الفلسطسنية، بسبب ترهل المجتمع الفلسطيني في الداخل، وتحويل الفلسطينيين هناك إلى كائنات اقتصادية تلهث وراء الخبز والمال، وبالتالي فإن هذه القضية قد وضعت في ثلاجة، لأنها بحاجة إلى جهود كل العالم العربي، الذي ينكبّ على ترتيب أوضاعه الداخليةquot;.

حبيب فياض (أكاديمي وباحث استراتيجي)

الأكاديمي حبيب فياض يعتبر أن الارتباك في أوساط النخب العربية، حيال تشخيص طبيعة ما يحصل في البلدان العربية من حراك شعبي يعود إلى أننا quot;أمام معادلة مقلوبة، لأننا كنا نقرأ بأن الفكر هو الذي يحكم مسار الواقع، كما حصل سابقًا في الثورتين الإيرانية والشيوعية على سبيل المثال، ولكننا الآن أمام حالة مختلفة، حيث الواقع هو الذي ينتج أفكارًا لم تتبلور حتى الآن، على شكل نظرية متكاملة ومحددة، لكن يمكننا القول إن ما يحصل هو نوع من الانتفاضات الشعبية، التي لم ترق إلى مصاف الثورة، لكونها تحتاج ثلاثة عناصر، أي القيادة والفكر والإرادة الشعبية، حيث إن كل ما هو موجود من مقوماتها حتى الآن هو مجرد إرادة شعبية، ما يفسح المجال أمام الاختلاف الكبير في توصيف ما يجري من أحداث، ناهيك عن أنه لا يمكن وضع كل الساحات العربية، بل وكل حركة شعبية عربية، ضمن خانة واحدة، أو أن نطلق عليهاكلها حكمًا عامًا واحدًاquot;.

ويرى quot;أن الخطورة بالنسبة إلى مستقبل الانتفاضات الشعبية العربية تأتي من أنها ستكون مناسبة لحصول تجاذب حاد بين ما هو وطني وما هو أجنبي، والاختلاف حول أولوية التخلص من الإستبداد الداخلي أو الإستعمار الخارجي، علمًا أن المهمة الأصعب للانتفاضات الشعبية العربية ستأتي بعد قلب أنظمة الحكم، والتي لا بد من أن تبقى خاضعة لحالة الامتداد الثوريquot;.

ويرى أنه quot;لا بد للحراك الشعبي العربي، الذي يضع كرامة الإنسان هدفًا رئيسًا له، من أن يجدد محورية القضية الفلسطينيةquot;.