أحيا مئات المسيحيين العراقيين يوم الإثنين في كاتدرائية السريان في بغداد ذكرى المجزرة التي وقعت في هذه الكاتدرائية وسط تدابير امنية مشددة بوجود عدد من رجال الدين المسيحيين وقد تناولت الخطابات بأغلبها حالة المسيحيين العراقيين وضرورة تماسكهم.

إحياء ذكرى مجزرة سيدة النجاة في بغداد

فيما دعا قادة مسيحيون عراقيون ولبنانيون الحكومة العراقية إلى العمل على اعادة المسيحيين المهجرين وتوفير الحماية والعمل لهم ووقف الحملة التكفيرية المعادية لهم فقد اكد مسؤولون عراقيون حرصهم على إفشال الفتنة التي تستهدف مسيحيي البلاد الذين دعوهم الى الصمود في أرضهم مشددين على ان الهوية الاسلامية للعراق لا تلغي صفته التعددية .

وخلال اجتماعه مع رئيس مجلس البطاركة الكاثوليك في الشرق الأوسط البطريرك مار بشارة الراعي يرافقه عدد من مطارنة العراق ولبنان، اكد رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي ان من مسؤولية حكومته الحفاظ على الأمن والإستقرار والوحدة الوطنية في البلاد حيث ان الأديان السماوية كلها تنبع من مصدر واحد وهو نشر المحبة والتسامح والسلام والأخوة.

وأضاف quot;إن الآفة التي تهددنا جميعا هي آفة التطرف التي تستبيح قتل الإنسان ولا تستثني طرفا معينا وأملي وثقتي كبيران بأن أتباع الديانات الحقيقيين سيواجهون موجة التطرف من خلال رسالة السلام والتسامح التي تحملها الأديان جميعاquot;.

ومن جهته، أكد رئيس مجلس البطاركة الكاثوليك في الشرق الأوسط ضرورة توفير الرعاية والاهتمام بالمسيحيين العراقيين وتحقيق مطالبهم أسوة بمكونات الشعب العراقي الأخرى مثمنا خطوات الحكومة العراقية في هذا المجال كما نقل عنه بيان رسمي .

ومن جانبه، أكد رئيس مجلس النواب اسامة عبدالعزيز النجيفي خلال اجتماعه مع بطريرك الموارنة اللبناني بشارة الراعي ومرافقيه من المطارنة، ان الاعتداءات التي تطال المسيحيين في العراق تهدف الى تمزيق البلاد وتفتيت النسيج الاجتماعي ومحاولة لزرع بذور الفتنة وعرقلة المسار الديمقراطي. وأكد بالقول quot;ان العراق بحاجة اليوم الى التعاون والتكاتف وتقوية الاواصر التاريخية التي طالما جمعت ابناء الشعب في السراء والضراءquot;.

واشار النجيفي الى ان هناك ارادة قوية لدى ابناء العراق في بناء بلدهم مؤكدا ان هذا البناء لن يتم الا بتعاضد جميع ابنائه من كل المكونات وعودة كل العقول والطاقات التي هاجرت الى الخارج للاسهام في بناء عراق ديمقراطي يحظى الجميع فيه بالحقوق والامتيازات ذاتها .

ومن جهتهم، اكد اعضاء الوفد المسيحي ضرورة العمل من اجل عودة كل العراقيين المهاجرين خارج البلد بمن فيهم المسيحيون وتوفير الحماية وفرص العمل لهم وشددوا على ان هذا اجراء يقع على عاتق الدولة.

وقبل ذلك، دعا نائب الرئيس العراقي طارق الهاشمي مسيحيي العراق الى الصمود والتمسك بأرضهم .

واكد خلال اجتماعه مع الوفد المسيحي برئاسة مار أغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الأنطاكي الذي يزور العراق للمشاركة في المراسم الخاصة بإحياء الذكرى السنوية الأولى للهجوم على كنيسة سيدة النجاة في بغداد ان الهوية الاسلامية للعراق لاتلغي صفته التعددية. واضاف ان quot;أبناء الطائفة المسيحية ليسوا ضيوفا على العراق بل هو وطنهم منذ القدم وأن أغلبية الشعب العراقي المسلمة تضعهم في حدقات عيونها، وتحافظ عليهم مثلما تحافظ على نفسهاquot;.

واوضح خلال الاجتماع الذي شارك فيه أيضا مار بطرس بشارة الراعي بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للموارنة وعدد من المطارنة ورئيس ديوان أوقاف المسيحيين والديانات الأخرى في العراق رعد عمانؤيل والقائم بالأعمال اللبناني هزاع شريف أن من حق المسيحي أن يكون في سهل نينوى وأن يكون في عين كاوا وأن يكون في الكرادة وأن يكون في البصرة كما نقل عنه مكتبه الاعلامي.

وأشار الهاشمي الى ان ما تعرضت له كنيسة سيدة النجاة وغيرها من أماكن العبادة قد quot;أحزنت العراقيين جميعاً وهو دليل على أن الإرهاب لا يفرق بين مسلم أو مسيحي فهو لا ينتمي إلى دين أو مذهب معين بل هو في جهة وبقية مكونات الشعب العراقي في الجهة الأخرى وعلينا جميعاً مسؤولية الوقوف بوجهه وإفشال المخطط الذي يستهدف وحدة العراقquot;.

وحلت الاثنين الماضي الذكرى السنوية الأولى لحادثة كنيسة سيدة النجاة في منطقة الكرادة وسطبغداد والتي راح ضحيتها العشرات من القتلى والجرحى غالبيتهم من المسيحيين بعد اقتحامها من قبل مجموعة مسلحة .

ومن جهته، فقد عبر بطريرك الموارنة اللبناني بشارة الراعي عن قلقه من تزايد عمليات استهداف المسيحيين على خلفية الانتفاضات الشعبية التي اجتاحت اكثر من دولة عربية هذا العام وقال انه يخشى ان تمهد هذه الانتفاضات الطريق امام المتشددين للوصول الى السلطة وبالتالي نشوء انظمة حكم اكثر تشددا.

وكان الراعي قد وصل الى بغداد الاثنين حيث شارك في مراسم احياء الذكرى الاولى لتعرض كنيسة سيدة النجاة في وسط بغداد لهجوم مسلح ادى الى مقتل 47 من المصلين المسيحيين واصابة نحو مئة بجروح.

والقى الراعي كلمة حث فيها العراقيين على التكاتف والوحدة ونبذ الفرقة بينهم ودعا ماتبقى من المسيحيين العراقيين الى الصبر وعدم الهجرة كما عبر عن قلقه المتزايد جراء استمرار عمليات استهداف المسيحيين في الدول التي شهدت انتفاضات شعبية عرفت اعلاميا باسم quot;الربيع العربيquot;.

وقال الراعي مساء الليلة الماضية في المكان نفسه الذي شهد مقتل عشرات المسيحيين العام الماضي quot;انا أخاف على المجتمع العربي ان يفقد دوره ... اذا تحول كله الى لون واحد سيفقد كل معانيه.quot;

وفي رده على سؤال فيما اذا كان يخشى على مستقبل المسيحيين في منطقة الشرق الاوسط بسبب الاحتجاجات التي تشهدها بعض الدول العربية قال الراعي quot;انا مع الربيع على ان يكون ربيعا لا ان يكون شتاء.quot;

وأضاف quot;ينبغي ان يصار الى التغيير في كل البلدان العربية. الانظمة العربية لا يمكن لها ان تعيش اليوم. نحن بحاجة الى الديمقراطية والى تداول السلطة والى حقوق الانسان الاساسية وحريات الانسان العامة بما فيها حق التعبير وحق المعتقد وحق العبادة.quot; وهذه هي الزيارة الاولى للعراق التي يقوم بها الراعي الذي انتخب بطريركا لكنيسة الموارنة في لبنان في مارس اذار الماضي.

وكان المسيحيون في العراق عرضة للكثير من الهجمات المسلحة الدموية خلال الفترة التي اعقبت الاحتلال الاميركي للعراق عام 2003 حيث تعرضت الكثير من الكنائس خاصة في بغداد والموصل حيث يتواجد اغلبية المسيحيين الى العديد من الهجمات التي كان يشنها تنظيم القاعدة وراح ضحيتها الكثير من المسيحيين. وقد تسببت تلك الهجمات بإرغام اعداد كبيرة من المسيحيين على الهجرة الى مناطق الاقليم الكردي في شمال العراق فيما هجرت اعداد كبيرة اخرى الى خارج العراق .

وطالب الراعي الحكومة العراقية باتخاذ اجراءات لحماية المسيحيين quot;لان هناك من الخطب والكتابات ما يحرض ضد المسيحيين .. ونحن نطالب الحكومة العراقية بأن تكمم هذه الافواه وتعمل من اجل ان لا يستمر هذا التكفير للمسيحيين والى عدم خلق هذا التيار المعادي للمسيحية.quot;

وكان مئات المسيحيين العراقيين قد احيوا الاثنين في كاتدرائية السريان الكاثوليك في بغداد ذكرى المجزرة التي وقعت في هذه الكاتدرائية . واتخذت تدابير امنية مشددة مع انتشار عناصر من القوات الخاصة في الشرطة العراقية حول كاتدرائية سيدة النجاة وعلى سطحها واسطح المنازل المحيطة بها.

وترأس رتبة الصلاة عن ارواح الضحايا بطريرك السريان الكاثوليك اغناطيوس الثالث يونان وشاركه فيها بطريرك الطائفة المارونية في انطاكية وسائر المشرق بشارة الراعي الذي انتقل من لبنان الى بغداد خصوصا لاحياء هذه الذكرى وشارك في الذكرى ايضا عدد كبير من المسؤولين المسلمين.

وقد اغلق الشارع المؤدي الى الكاتدرائية بحواجز اسمنتية ورفعت عليه صور ضحايا الهجوم بالاضافة الى لافتات كتب عليها quot;ندين قتل المسيحيين العراقيينquot; وquot;اين صوت الاسرة الدولية؟quot;. وفي داخل الكنيسة ازدان المذبح بالزهور ورفع على جانبيه رداءا الكاهنين اللذين قتلا في الهجوم في وقت لا تزال جدران الكاتدرائية تحمل اثار الرصاص.