الرئيس العراقي جلال طالباني

فيما تتفاعل قضية إعلان محافظة صلاح الدين إقليماً مستقلاً وتوجه محافظات أخرى لإجراءات مماثلة مع كل ما يمكن أن يفجره هذا من تداعيات خطرة حالياً على وحدة العراقيين وأوضاعهم السياسية الهشة أصلاً، فقد أعلن في بغداد اليوم عن طرح الرئيس جلال طالباني على مجلس النواب مشروعاً لتغيير الحدود الإدارية لمحافظات البلاد تنفيذا للمادة الدستورية 140 حول المناطق المتنازع عليها وسط توقعات بأن تفجر هذه الخطوة تداعيات خطرة بين المحافظات نتيجة تمسك كل منها بحدودها الحالية ورفضها التنازل عن مناطق ضمّت إليها اثر استقطاعها من محافظات مجاورة في أوقات سابقة.


بعث الرئيس العراقي جلال طالباني مشروعا الى مجلس النواب اليوم حول تغيير الحدود الادارية للمناطق المشمولة بالمادة 140 من الدستور والمسمّاة بالمتنازع عليها. وقال مصدر في رئاسة الجمهورية إنquot; طالباني قدم مشروعا خاصا الى مجلس النواب يتضمن تغيير الحدود الإدارية لمحافظات العراق المشمولة بالمادة الدستورية 140quot; من دون الإفصاح عن معلومات اخرى.

ومن جهته أشار رئيس كتلة التحالف الكردستاني في مجلس النواب فؤاد معصوم إلى أنه لم يطلع بعد على تفاصيل مشروع القانون لكنه قال إن تلك الخطوة كانت قد أرجئت بسبب اعتراض أحد أعضاء مجلس الرئاسة عليها يعتقد انه طارق الهاشمي.

جدلية المادة الدستورية 140

وكان من المفترض الانتهاء من تطبيق المادة الدستورية 140 من خلال تطبيع الأوضاع وإجراء الاحصاء السكاني والاستفتاء على مصير المناطق المتنازع عليها المشمولة بها قبل اربع سنوات لكن خلافات سياسية وفنية منعت لحد الان تطبيقها، الامر الذي دفع عددا من القوى وخاصة التركمانية الى القول إنها قد انتهت دستوريا فيما يصر التحالف الكردستاني على ان المادة ما زالت نافذة ولم ينته العمل بها.
وتنص المادة 140 من الدستور العراقي الدائم الذي صوت عليه العراقيون في 15 تشرين الاول (أكتوبر) عام 2005 على:

اولاً: تتولى السلطة التنفيذية اتخاذ الخطوات اللازمة لاستكمال تنفيذ متطلبات المادة (58) من قانون ادارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية، بكل فقراتها.

ثانياً: المسؤولية الملقاة على السلطة التنفيذية في الحكومة الانتقالية، والمنصوص عليها في المادة (58) من قانون ادارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية، تمتد وتستمر الى السلطة التنفيذية المنتخبة بموجب هذا الدستور، على أن تنجز كاملةً (التطبيع، الاحصاء، وتنتهي باستفتاء في كركوك والمناطق الاخرى المتنازع عليها، لتحديد إرادة مواطنيها) في مدةٍ أقصاها الحادي والثلاثون من شهر كانون الاول سنة الفين وسبعة.

لكن عراقيل عدة أدّت إلى تأخير تنفيذ بعض البنود الأساسية في هذه المادة لأسباب يقول السياسيون الاكراد إنها سياسية في حين تقول بغداد إن التأخر غير متعمد علماً انه سبق للجنة الوزارية المختصة بتطبيق المادة أن نفذت بعض فقراتها مثل تعويض المتضررين، فيما لم يجر تنفيذ أهمها وهو الاستفتاء على مصير كركوك.

كركوك كبرى المشاكل

وتتخوف مصادر عراقية من أن يؤدي مشروع طالباني الى تفجر نزاعات بين المحافظات العراقية المتجاورة حيث يطالب اقليم كردستان بضم مدينة كركوك الشمالية الغنية بالنفط الى محافظاته الثلاث التي يحكمها منذ عام 1991 اضافة الى مناطق اخرى في محافظات نينوى وصلاح الدين وديالى كما تطالب محافظة كربلاء quot;الشيعيةquot; بمناطق تقول انها انتزعت منها وضمّت الى محافظة الانبار quot;السنيةquot; في زمن النظام السابق إضافة الى مطالبة محافظة بغداد بمدن بلد والدجيل وسامراء التي سلخت منها وألحقت بمحافظة صلاح الدين في زمن ذلك النظام ايضا.

وهذا الأمر من شأنه ان يثير نزاعات خطيرة داخل كركوك نفسها بين مكوناتها التركمانية والكردية والعربية والمسيحية حيث يؤيد الاكراد بقوة تنفيذ المادة 140 فيما يعارض التركمان والعرب فيها ذلك،لخوفهم من احتمال ضم المحافظة الغنية بالنفط إلى إقليم كردستان العراق بعد اتهامهم للأحزاب الكردية بجلب مئات آلاف السكان الاكراد الى المدينة لتغيير هويتها السكانية.

وكان الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في العراق مارتن كوبلر قال امس عقب اجتماعات مع كبار المسؤولين المحليين في كركوك الشمالية التي تشكل مقدمة المناطق المتنازع عليها quot;هذه زيارتي الأولى إلى كركوك لكنها لن تكون الأخيرة بالتأكيد فكركوك وغيرها من المناطق الداخلية المتنازع عليها تعد إحدى الأولويات الرئيسة بالنسبة لنا والأهم من ذلك، كان طلب كافة المحاورين الذين التقيتهم لغاية الآن أن نساعد في إيجاد طريقة للمضي قدما لمعالجة المسائل العالقة التي تحتاج إلى حلول.quot;

وحذر من أن تأجيل إيجاد الحلول في قضية كركوك لن يكون في مصلحة احد مؤكدا أنه ناقش القضايا العالقة وأبرزها التعداد السكاني والانتخابات مع ممثلين عن مكونات المحافظة. وأشار الى أن الانسحاب الأميركي نهاية هذا العام سيفرض على العراق والأمم المتحدة تحديات جديدة.

ومناطق يطالب بها الاكراد في محافظات ديالى ونينوى وصلاح الدين وواسط

وإضافة الى كركوك يطالب الاكراد بمناطق في محافظة ديالى المجاورة لها جنوبا مثل مناطق خانقين ومندلي وبلدات اخرى في المحافظة التي تعتبر نموذجا لعراق مصغر حيث يسكنها مواطنون ينتمون إلى مختلف طوائف وقوميات العراق.

وفي الاتجاه نفسه يطالب الاكراد بمناطق من محافظة نينوى الشمالية التي لها حدود طويلة مشتركة مع اقليم كردستان وهو امر ترفضه المحافظة بشدة. وكان مدراء نواحٍ في المحافظة من الاكراد قد اعلنوا خلال العامين الماضيين عصيانا على الحكومة المحلية في المحافظة مطالبين بضمها الى اقليم كردستان واصطدموا مع محافظها اثيل النجيفي الامر الذي ادى الى خروج تظاهرات متقابلة من طرفي النزاع يدعو كل منهما إلى مطاليبه.

ويطالب الاكراد بما يقولون انها مناطق استقطعت من اقليم كردستان في سهل نينوى إلى اقليم كردستان تشمل قضاءي تلكيف وقرقوش وناحيتي بعشيقة وبرطلة والمناطق التابعة لها إدارياً. وتضم منطقة سهل نينوى الواقعة شمال شرق الموصل ثلاثة أقضية هي الحمدانية والشيخان وتلكيف وهي ذات غالبية مسيحية وكردية إيزيدية وشبكية وتعتبر من المناطق المتنازع عليها والمشمولة بالمادة 140 من الدستور العراقي. لكن مجلس محافظة نينوى يؤكد ان المحافظة متمسكة بحدودها الإدارية لعدم صدور أي قرار أو تشريع قانوني يتعلق بالموضوع. كما تمتد مطالب الاكراد الى محافظة واسط الجنوبية التي يريدون انتزاع مدينتي بدرة وجصان منها والتي يقولون انها كردية الاصل ويجب ان تعود الى اقليم كردستان.

وكربلاء تطالب بصحراء النخيب من الرمادي

ومن جهتها تطالب محافظة كربلاء ببادية وقضاء النخيب وناحية الرحالية من محافظة الانبار المجاورة الامر الذي اثار مشاحنات كلامية بين المسؤولين في المحافظتين وخاصة بين محافظ كربلاء والشيخ ابو ريشة احد زعماء العشائر والصحوات السنية في الانبار الذي عارض ذلك.

ويؤكد محافظ كربلاء أمال الدين الهر أن لدى الحكومة المحلية في كربلاء العديد من الوثائق التي تثبت عائدية النخيب لمحافظة كربلاء.. موضحا ان مدينة النخيب كانت تابعة لقضاء عين التمر التي تبعد نحو 70 كم إلى الغرب من كربلاء.

وقد تسببت عائدية مدينة النخيب من الناحية الجغرافية والادارية بأزمة بين محافظتي كربلاء والرمادي بما ينذر ببروز مشكلة مشابهة لقضية كركوك. ويقول مسؤولون في محافظة الانبار ان النخيب هي قضاء تابع الى المحافظة ولم تكن في العقود الماضية سوى مخفر صغير يسمى مخفر النخيب وهناك وثائق تؤكد عائدية النخيب إلى الرمادي حيث اقر ذلك الزعيم عبدالكريم قاسم واكده الرئيس العراقي الاسبق احمد حسن البكر عام 1973 وان حدود النخيب مرسومة بوضوح ومنشورة في جريدة الوقائع العراقية وهي الجريدة الرسمية لجمهورية العراق.

وما يؤجج الصراع بين المحافظتين حول هذه المنطقة هو ما تؤكده مصادر نفطية وجيولوجية عراقية من ان الاستكشافات الاخيرة اكدت ان النخيب مدينة صحراوية لكنها عائمة على بحيرة من النفط حيث قدرت المسوحات الاولية ان هناك احتياطيا نفطيا فيها يصل الى اكثر من ملياري برميل وهو الامر الذي دفع الاطراف السياسية الى التنازع على المدينة لاستثمار خزينها النفطي.

ويتوقع نواب عراقيون ان تتسبب قضية ترسيم الحدود بين محافظتي الانبار وكربلاء بأزمة خطيرة بين الفرقاء السياسيين الذين ما زالت تلفهم دوامة مشكلة كركوك وما زالوا عاجزين عن الخروج منها حتى الآن. ويذكر ان قضاء النخيب الخاضع إداريا إلى محافظة الرمادي استحدث سنة 1961 من القرن الماضي وكان يتبع إداريا محافظة كربلاء قبل أن يلحق مطلع السبعينات بمحافظة الأنبار.

وبغداد تطالب ببلدات من محافظة صلاح الدين

يضاف الى كل هذه النزاعات ايضا ما تطالب به محافظة بغداد باستعادة بلدتي الدجيل وبلد اللتين تقول المحافظة انهما انتزعتا منها وألحقتا بمحافظة صلاح الدين ابان عهد النظام السابق. كما ان هناك مناطق اخرى انتزعت من بغداد والحقت بمحافظة ديالى شمالها. ورغم ان مطالبة بغداد بهذه المناطق لم تأخذ بعدا تصعيديا بعد الا انه يتوقع انها ستثير مسألتها في حال تم الشروع بتغيير الحدود الادارية لمحافظات اخرى.

صعوبات برلمانية ومخاطر داخلية وخارجية

وإزاء كل هذه التداعيات يتوقع العراقيون ان يلاقي مشروع القانون صعوبة وسجالا بين الكتل السياسية بسبب حساسية الموضوع خاصة في الوقت الحالي وسط دعوة العديد من المحافظات لإنشاء الأقاليم.

ويخشى العراقيون أن يثير مشروع اعادة ترسيم الحدود الإدارية للمحافظات مشاكل جديدة تهدد وحدة البلاد واستقرارها خاصة مع التفاعلات الحالية حول اعلان بعض المحافظات التحول الى اقاليم مستقلة اداريا واقتصاديا وما تفرزه من تصعيد يومي في الخلافات بين القوى السياسية والحكومات المحلية وحكومة بغداد المركزية.

واضافة الى هذه التحديات الخطيرة هناك ايضا العامل الخارجي الذي يؤثر في تطورات الاوضاع العراقية ومثال ذلك الموقف التركي الرافض بشدة لالحاق مدينة كركوك التي تسكنها اغلبية تركمانية بالاقليم الشمالي الكردي. ويدعم تركمان وعرب المدينة جعل محافظتهم إقليمآ فيدراليآ محايدآ يجمع القوميات التركمانية والكردية والعربية اضافة الى المسيحيين ولايخضع لسلطة الأكراد.