نغّص إرتفاع أسعار المواشي هذا العام في العراق فرحة العراقيين بعيد الأضحى، حيث ارتفعت الأسعار بشكل جنوني، وانخفضت نسبة استهلاك اللحوم بشكل ملحوظ. هذا الأمر دفع البعض إلى استيراد المواشي من الخارج. في حين يستغل السياسيون الأعياد الدينيّة لأغراض سياسيّة وانتخابيّة.

الأضاحي في العراق

بغداد: مع اقتراب عيد الأضحى المبارك في العراق، ترتفع أسعار لحوم الماشية الى الحد الذي يطالب فيه مواطنون بوضع ضوابط تحول دون استغلال عيد الأضحى من قبل البعض لغرض التربح مستغلين هذه المناسبة الدينية.

ورغم أن مربّي الماشية يعزون ارتفاع الأسعار الى ارتفاع كلف تربيتها وغلاء الأعلاف، الا ان المواطن حسين ساجت يتساءل عن مصادفة ارتفاع أسعارها في المناسبات الدينية فقط. فقد تضاعفت أسعار الخراف مع اقتراب عيد الأضحى المبارك بشكل يبعث على الدهشة، حيث بلغ سعر الخروف الصغير نحو 250 الف دينار، ويبلغ سعر الخروف الكبير نحو 400 الف دينار.

تكاليف عالية لتربية الماشية

ويقول ابو محمد العتبي وهو من صغار المستثمرين إنه لن يستطيع الصمود أمام الغلاء المكلف لتربية الماشية، وانه يتوجب عليه رفع الأسعار من الآن فصاعدا وليس في عيد الأضحى فحسب.

وفي الأيام العادية، فان الأسعار تنخفض مقارنة بالفترات التي تسبق الأعياد، وخلال العام 2011 فان معدل سعر الخروف العراقي يتراوح ما بين مائة وخمسين الى مائتين وخمسين ألف دينار عراقي. ويهدد ارتفاع الأسعار وعدم ترشيد الدعم الحكومي وعدم استغلاله بصورة صحيحة من قبل الحاصلين عليه، يهدد باختفاء صغار المستثمرين، مع ازدياد كميات اللحوم المستوردة من خارج العراق.

سوق اللحوم في العراق

وينظر القصاب ابو حلمي من كربلاء (108 كم جنوب غربي بغداد) بقلق الى سوق اللحوم في العراق، فعلى مدى السنين الماضية كان معدل الذبح يتجاوز المئتي راس ماشية قبل عيد الأضحى، أما الآن فلم يتجاوز الاستهلاك الخمسين رأسًا فقط.

ويعزو معنيون الامر الى التضخم الاقتصادي وارتفاع أسعار السلع رغم الزيادة الكبيرة التي طرأت على رواتب موظفي الدولة. وأدى انحسار البساتين والمزارع الى ارتفاع أسعار الأعلاف التي تلعب دورا رئيسا في ارتفاع أسعار اللحوم.

وفي محاولة لرفع الكفاءة الانتاجية للثروة الحيوانية اطلقت وزارة الزراعة العراقية عام 2011 حملة لترقيم الأبقار والجاموس ثم الاغتنام بغية تحديد الكميات الضرورية من العلاف والعلاجات البيطرية.

لحوم مستوردة

وتتوفر السوق العراقية على لحوم مستوردة مذبوحة على الطريقة الإسلامية من الهند وإيران والدول العربية المجاورة إضافة الى تركيا وهي تنافس في أسعارها لحوم الماشية المحلية المرغوبة من قبل المواطن.ويعزو فوزي تركي من مديرية زراعة بابل (100 كم جنوب بغداد) استيراد اللحوم الى انتاج العراق الضعيف منها قياسا الى حجم الاستهلاك حيث ينتج العراق 25 بالمائة من حاجته الفعلية من اللحوم الحمراء.

وكحل لمشكلة أضاحي العيد يقترح التاجر ابو مدحت استيراد أغنام حية تذبح في المجازر العراقية بدلا من استيراد اللحوم المجمدة التي تلقى قبولا ضعيفا من قبل المستهلك. وفي الوقت الذي يقلص المربي كاظم عيسى اعداد الماشية في مزرعته فانه يتجه الى فتح متجر لبيع اللحوم المجمدة بدلا من ذلك ما يشير الى اليأس الذي ينتاب المربين من الاستمرار في تجارة غير مربحة.

وكان عيسى يبيع في السابق نحو أربعين الى ستين راس غنم مع اقتراب عيد الأضحى، لكنه هذا العام لم يبع سوى عشرة رؤوس.

انحسار ذبح الأضحية

ويحجم بعض العراقيين من أصحاب الدخل المحدود عن الأضحية بسبب ضيق ذات اليد، فمنذ أعوام أحجمت أم تركي عن ذبح الأضحية بسبب دخلها المحدود الذي لا يتجاوز المئتي دولار شهريا. وتشير ام تركي الى الارتفاع الجنوني في أسعار اللحوم ما أرغم بعض العوائلعلى الإحجام بشكل شبه نهائي عن شرائها.

وكحل لظاهرة الغلاء هذه، عكف البعض على الاشتراك في شراء راس غنم يكون بمثابة أضحية لأناس يبلغ عددهم نحو العشرين شخصا يتحملون تكاليف ذلك. لكن بعض الأسر الغنية ما زالت تحرص على ذبح خروف العيد، وهي عادة يتبعها الكثير من العراقيين تبركا بعيد الأضحى.

وبحسب احصائية المسح الوطني للثروة الحيوانية لعام 2008 فإن أعداد الأبقار الإجمالية يبلغ حوالى مليونين ونصف رأس، ويبلغ عدد الأغنام حوالى ثمانية ملايين رأس. ويقول مربي العجول ابو محسن ان تسمين عشرة عجول يكلف شهريا مئات الدولارات، وهو بالتالي لا يحقق أرباحا، ما تسبب في انحسار أعداد المربين.

أغراض سياسية وانتخابية

وفي الوقت الذي كان فيه الماضي يحفل بالمحسنين الذين يتصدقون على الفقراء باللحوم في عيد الأضحى الا ان هذه الظاهرة انحسرت الى حد كبير. ويرجع كريم الأسدي ذلك الى ضعف الروابط الاجتماعية وتسارع وتيرة الحياة، إضافة الى ارتفاع تكاليف المعيشة.

ويقول الأسدي ان الظاهرة التي يلمسها المواطن العراقي اليوم هو استخدام الحسنات وتوزيع اللحوم على الناس لأغراض سياسية وانتخابية كما حدث في الانتخابات الماضية. وتثير ظاهرة مساعدة الفقراء لأغراض سياسية وانتخابية من قبل بعض الأحزاب التي تستغل الاعياد الدينية للدعاية لبرامجها، تثير استياء الكثير من العراقيين.

وكدلالة على الوجاهة الاجتماعية، يشرع بعض أصحاب النفوذ بذبح العجول والماشية والخراف أمام مقارهم وبيوتهم، في إشارة واضحة إلى الأغراض الاجتماعية والسياسية التي يسعى هؤلاء وراءها .

لكن المدرس حميد كامل من الديوانية يستهجن التعاطي السياسي مع حاجات العراقيين. وتدل الدعايات السياسية للأحزاب وبعض السياسيين والنواب في أيام الأعياد والمناسبات الدينية، على اسلوب رخيص لكسب الأصوات بحسب بعض العراقيين ممن التقتهم quot;إيلافquot;. ويقول الحاج كامل الحسني ان حاجته تدفعه الى التعامل مع ذلك بغية قضاء حاجته.

واعتاد اغلب العراقيين توزيع الأضحية عبر تقسيمها الى أجزاء متساوية تقريبا تمنح الى الفقراء والمعوزين. وبحسب الجزار ابو محسن في بابل فان معدل لحوم الأضاحي في العراق كان في سنوات quot; الخيرquot; يتعدى الخمس وعشرين كيلوغراما للفرد، اما اليوم فان الأمر لا يتجاوز الكيلو الواحد كمعدل عام.

الدعم لأعلاف الماشية

ويطالب الجزارون وأصحاب الماشية في العراق بحل مشكلة ارتفاع الأسعار عبر تقديم الدعم لأعلاف الماشية وعدم وجود مراعٍ طبيعية كافية في البلد، ودعم أسعار الأعلاف ومحاربة الفساد في الحصول على الدعم، وخلق موازنة بين الاستيراد والتصدير لحماية سوق اللحوم المحلية ومحاربة الاحتكار الذي هو من سمات بعض التجار في المناسبات الدينية والاجتماعية حيث يرفعون الأسعار لزيادة ارباحهم على حساب المستهلك.

وفي محاولة لتجنب الغلاء المتوقع، يلجأ مواطنون إلى شراء الأضاحي مبكرا، حيث تلمس في بعض الأحياء بعض المواشي المربوطة قرب البيوت.