بعد مرور 15 عاماً على تعاونه مع النظام الإيراني، تبيّن أنّ عالم السلاح السوفييتي فياشيسلاف دانيلينكو لعب دوراً محورياً في برنامج إيران النووي الغامض.


القاهرة: حين انتهت فجأة الحرب الباردة عام 1991، كان يحتاج عالم السلاح السوفييتي فياشيسلاف دانيلينكو إلى مجال عمل جديد. وفي وقت كان يبلغ فيه من العمر 57 عاماً، بات لديه خبرة على مدار 3 عقود بداخل إحدى المفاعلات النووية السرية، وكان أهم ما يتميز به هو قدرته على جعل الأشياء تنفجر في غضون جزء ضئيل من الثانية.

وقد واجه دانيلينكو صعوبات كي يصبح رجل أعمال، حيث سافر في جميع أنحاء أوروبا وكذلك إلى الولايات المتحدة من أجل الترويج لفكرة استخدام المتفجرات في تصنيع ماس اصطناعي. ثم عاد في الأخير إلى إيران، هذا البلد الذي يُقدِّر تماماً المزيج الخاص الذي يتميز به صانعو القنابل والذي يتكون من الخبرات العريضة والمواهب.

وبعد مرور 15 عاماً على تعاونه مع النظام الإيراني، أماطت اليوم صحيفة واشنطن بوست الأميركية النقاب عن أن دانيلينكو لعب دوراً محورياً في برنامج إيران النووي الذي مازال يكتنفه الغموض حتى الآن.

وكان التقرير الذي أصدرته الوكالة الدولية للطاقة الذرية الأسبوع الماضي بخصوص ملف إيران النووي قد ألقى الضوء على الدور الذي لعبه أحد الخبراء الأجانب، الذي كشف دبلوماسيون غربيون قريبون من الوكالة التابعة للأمم المتحدة أنه دانيلينكو، في الجهود التي تبذلها إيران بغية الحصول على الخبرة في التخصصات الضرورية لبناء رؤوس حربية نووية.

ومع هذا، أشار دبلوماسيون إلى عدم قيام إيران بتصنيع قنبلة نووية، وإن كانت المساعدة التي تتلقاها إيران من جانب علماء أجانب من أمثال دانيلينكو قد مكنتها من تجاوز العقبات التقنية التي كانت ستحتاج لسنوات كي تتغلب عليها، وفقاً لما ذكره في هذا الشـأن مسؤولون أمميون حاليون وسابقون ودبلوماسيون غربيون وخبراء أسلحة.

كما لفتت الصحيفة إلى أن مثل هذه المساعدات كشفت أيضاً عن العديد من الأدلة التي تبين أن محققي الوكالة الذرية كانوا قادرين في وقت لاحق على المتابعة.

وأوضح المسؤولون والخبراء أن مجموعة وثائق ومستندات أخرى ومقابلات (كما في حالة دانيلينكو) ستتيح لمحة نادرة بداخل برنامج غاية في السرية مختبئ بداخل جامعات إيرانية ومؤسسات مدنية.

وقال آرت كيلر، محلل السي آي إيه السابق المتخصص في الشأن الإيراني quot; يبدو الأمر كعالم فلك يقوم بدراسة الثقب الأسود : فأنت تكتشف وجود الثقب الأسود من خلال مشاهدة ما يقع بداخله. وفي ظل وجود برامج سرية، تقوم كذلك بمراقبة تدفق المواد الخام والخبرات الخارجيةquot;.

بيد أن العملية لم تكن ناجحة، والأدلة كانت تتسم غالباً بالغموض، فنفس التكنولوجيا قد تحظى أحياناً بتطبيقات سلمية وأخرى عسكرية. وفي حالة دانيلينكو، قدمت نشاطاته الخاصة بالماس الاصطناعي تفسيراً مقبولاً لاتصالاته الواسعة مع علماء إيرانيين كبار على مدار نصف عقد. لكنه دائماً ما كان ينفي مساعدته إيران عن علم ودراية.

وقال في تعليقات أدلى بها لصحافي روسي الأسبوع الماضي:quot; أنا لست أباً لبرنامج إيران النوويquot;. بينما لم يرد على أسئلة أرسلتها له واشنطن بوست عن طريق البريد الإلكتروني.

ويرى محققو الأمم المتحدة أن النفوذ الروسي كان واضحاً في تصميم واختبار مُفجِّر غير عادي على شكل نصف دائرة أنجزه الإيرانيون قبل ثمانية أعوام، وذلك بعد فترة قصيرة من مغادرة دانيلينكو للجمهورية الإسلامية.
فيما أوضح خبراء سلاح أن المفجرات من النوعية التي طورتها إيران ليس لها إلا غرض واحد معلوم هو الضغط على قطعة يورانيوم عالية التخصيب لبدء سلسلة من ردود الفعل النووية.

ومضت الصحيفة تنقل في الإطار ذاته عن دافيد ألبرايت، مفتش سابق بالأمم المتحدة سبق له تتبع الاستقصاء الخاص بالعالم الروسي على مدار عديد السنوات، قوله :quot; لم يعد سوى دانيلينكو كي يوضح الدور الذي ساعد من خلاله إيران. فعلى أقل تقدير، لابد وأن دانيلينكو يعرف على وجه الخصوص سر اهتمام إيران ببحوثه وخبراته. ومعلومات الوكالة الدولية للطاقة الذرية تشير إلى أنه أمدهم بأكثر مما اعترف بهquot;.

بعدها، مضت الصحيفة الأميركية تسرد وتعدد المهارات الخاصة التي تميز بها دانيلينكو، منذ بداياته في خمسينات وستينات القرن الماضي، ولفتت في السياق عينه أيضاً إلى ذلك التقرير الذي أعده معهد العلوم والأمن الدولي، والذي أشار إلى أن الخبرات التي اكتسبها دانيلينكو على مدار ما يقرب من 30 عاماً في مجال المتفجرات وديناميات الغاز ساهمت في تصميم واختبار مفجرات صغيرة عالية الدقة يمكنها إنتاج موجة صادمة متناظرة تماماً لازمة لضمان حدوث سلسلة من ردود الفعل النووية.

وتابعت الصحيفة بتأكيدها أنه حين انتهت الحرب الباردة، بدأ يواجه الآلاف من العلماء المتخصصين في صناعة السلاح خياراً قاسياً: فإما أن يواصلوا عملهم بمعاهد السلاح ويتقاضون رواتب متدنية للغاية أو يعيدوا اكتشاف أنفسهم في الاقتصاد الرأسمالي في مرحلة ما بعد انهيار الاتحاد السوفييتي. أما الخيار فقد كان واضحاً بالنسبة لدانيلينكو، وهو الماس الناتج عن المتفجرات الذي يعرف بـ quot;الماس الدقيقquot;.

وختمت الصحيفة حديثها بالقول إن عمل دانيلينكو في إيران تركز بالأساس على برنامجه الخاص بتصنيع الماس. لكن طوال علاقة استمرت على مدار 6 أعوام، خلص محققو الأمم المتحدة لاحقاً إلى أن أنه أمد إيران بخبرات ستساعدها على تحقيق ثمة شيء أكبر في القيمة. وأوضح معهد العلوم والأمن الدولي أن إنتاج الماس الاصطناعي من غير المرجح أن يكون من أولويات إيران، رغم دوره الواضح كستار.