اعلن البيت الأبيض مؤخرا خططا لارسال وحدة من مشاة البحرية تتمركز في مدينة دارون شمالي استراليا ودعم اتفاقية الشراكة التجارية عبر منطقة المحيط الهادئ ومواصلة تطوير مشروع السلاح الجوي والبحرية بشأن العمليات العسكرية في المنطقة في حال اندلاع نزاع اقليمي. ولاقت هذه الخطط رد فعل شديدا من الصين، في وقت يشدد فيه الرئيس الأميركي باراك اوباما على الأهمية الاستراتيجية لمنطقة آسيا والمحيط الهادئ ،

ويكتسب هذا الموقف الاميركي اهمية مضاعفة إزاء توجه ادارة اوباما لدى مجيئها الى الحكم قبل اقل من ثلاث سنوات الى اقامة شراكة ثنائية مع الصين.

ويوجه تمركز وحدة عسكرية في استراليا اشارة سياسية تتخطى بكثير اهمية الخطوة عسكريا ، وستكون لها اصداؤها الايجابية في كانبيرا وجاكرتا وهانوي ومانيلا وبانكوك ، بحسب مجلة فورين بولسي. وقد تحقق الخطوة ما هو أكثر إذا استمرت اتجاهات الانفتاح الأخيرة في بورما ونجحت زيارة وزيرة الخارجية هيلاري كلنتون في ابعاد النظام العسكري عن بكين.

وإذا خرجت بورما من فلك بكين وأُعيدت الى حظيرة الأسرة الدولية فان من المتوقع ان تشعر الصين بوطأة التحولات الجيوسياسية التي حدثت خلال العامين الماضيين لغير صالحها. ولكن البيت الأبيض سيجهض مبادرته ذاتها إذا تعامل مع هذه الخطوات في شرق آسيا على انها مرتكزات بعيدة عن الشرق الأوسط وجنوب آسيا ، كما ترى مجلة فورين بولسي مؤكدة ان مواقف الولايات المتحدة في منطقة تحدد شكل مصداقيتها وقوتها في مناطق أخرى. وتدرك الهند هذه الحقيقة ومن هنا ترددها في اقامة شراكة مع اميركا التي تخشى انها تتجه الى الانسحاب من افغانستان قبل الأوان. وتدركها ايضا روسيا والصين ومن هنا مساعيهما لتحجيم النفوذ الاميركي باستخدام حق الفيتو مؤخرا ضد قرار مجلس الأمن الدولي حول سوريا وتمييع قرار آخر حول ايران.

وتشكل سوريا بوتقة فرصة استراتيجية على حد وصف فورين بولسي لافتة الى ان الجامعة العربية اعلنت بجرأة ان على الرئيس السوري بشار السد ان يرحل. واستطاع الاتحاد الاوروبي المنشغل بأزمته الاقتصادية ان يستجمع ارادته السياسية لفرض عقوبات قاسية على دمشق. ويواصل الشعب السوري تحدي النظام الذي قتل اكثر من 3500 سوري حتى الآن دون ان ينال من عزيمة السوريين. وحان الوقت لأن تستثمر ادارة اوباما هذا الزخم متعدد الأطراف بقيادة حملة دبلوماسية منسقة لانهاء حكم الأسد quot;الهمجيquot; ، على حد وصف مجلة فورين بولسي.

وفي حين ان الاعتبارات الأخلاقية وحدها تبرر رحيل نظام الأسد فان النتائج الاستراتيجية ستكون بالغة الأثر. إذ ستفقد ايران حليفها الاقليمي الوحيد. وستفقد حماس وحزب الله دولة راعية مهمة. وستُتاح للبنان فرصة لاستعادة سيادته. وستلمس تركيا منافع القيام بدور اقليمي مسؤول. وسيطرأ تحسن على أمن الحدود العراقية. ومن المرجح ان تنتعش حركة المعارضة في ايران لتشكل تحديا جديا في مواجهة حكم آية الله خامنئي. وستفقد الصين وروسيا دولة صديقة ومصداقيتهما الدولية ، وقد يجدد هذا طاقات الاصلاحيين في الصين نفسها.

فان الصين ترى ان ساحة تنافسها مع الولايات المتحدة لا تقتصر على شرق آسيا بل تشمل العالم برمته. وحين تبدو قيادة الولايات المتحدة آفلة في منطقة فان لاعبين آخرين سيتقدمون لملء الفراغ، وإذا تنازلت اميركا عن القيادة في الشرق الأوسط فان ذلك سيضعف موقعها في مناطق أخرى مثل آسيا بدلا من تعزيزه. ولهذا السبب يكون جنود مشاة البحرية في دارون الاسترالية والاصلاحيون المطالبون بالديمقراطية في دمشق لاعبين مهمين على رقعة شطرنج عالمية واحدة.