الرئيس السوداني عمر البشير

تجري، ضمن موجة الربيع العربي، استعدادات في السودان لإنهاء فترة حكم الرئيس عمر البشير، الحاكم منذ 22 عاماً، سواء عن طريق المفاوضات، أو عن طريق السلاح. ولكن من الواضح أن البشير مازال ممسكاً بزمام الأمور إلى حد كبير.


القاهرة: وقعت أول انتفاضة مدنية ضد ديكتاتور عسكري في العالم العربي قبل 47 عاماً في دولة السودان. وهي الواقعة التي بدأت في الحادي والعشرين من تشرين الأول/ أكتوبر عام 1964، حين قام عشرات الآلاف من الأطباء والمحامين والطلبة والعمال بمسيرات على مدار أيام عدة في شوارع الخرطوم، متحديين عصي ونيران الشرطة، حتى وافق في نهاية المطاف الجنرال إبراهيم عبود على تسليم السلطة إلى حكم مدني.

غير أن الاحتفال السنوي بتلك المناسبة، التي تعرف في السودان بـ quot;ثورة أكتوبرquot;، لم يحظ بأي اهتمام رسمي في الشهر الماضي. وذلك في الوقت الذي يواجه فيه الرئيس السوداني، عمر البشير، ذلك القائد العسكري الذي يحكم البلاد منذ 22 عاماً، اتهامات من قِبل المحكمة الجنائية الدولية ذات صلة بالإبادة الجماعية، حيث اتخذ قراراً في هذا الصدد يقضي بمنع كل محاولات الاحتفال بتلك المناسبة لسبب وجيه.

بالتزامن مع موجة الربيع العربي، التي تجتاح المنطقة العربية في هذه الأثناء، ونجاحها في الإطاحة حتى الآن بثلاثة من الزعماء، منهم اثنان كانا قادة في الجيش، أشار تقرير نشرته اليوم مجلة فورين بوليسي الأميركية إلى أن هناك استعدادات تتم الآن في السودان، تهدف إلى إنهاء فترة حكم الرئيس عمر البشير، سواء عن طريق المفاوضات، كما حدث في حالة الجنرال عبود، أو عن طريق السلاح، كما اقتضت الضرورة لإنهاء حكم العقيد الليبي معمّر القذافي في دولة الجوار ليبيا.

وتابعت المجلة حديثها بالقول إن السودان يبدو مرشحاً بشكل كبير للسير على خطى تونس ومصر وليبيا واليمن، في أعقاب المغامرة المحفوفة بالمخاطرة التي خاضها البشير في تموز/ يوليو الماضي، بسماحه للربع الجنوبي من بلاده بأن ينفصل سلمياً، ليأخذ معه 75 % من ثروة البلاد النفطية.

ولفتت فورين بوليسي في الإطار عينه إلى أن سكان الشمال مازالوا يعيشون حالة من الصدمة، ويلومون البشير لإساءته تقدير نوايا الجنوب، وعدم اتخاذه التدابير المناسبة لمواجهة الأزمة الاقتصادية الناشئة.

في مقابل ذلك، يبدو واضحاً أن البشير مازال ممسكاً بزمام الأمور إلى حد كبير، بعد نجاحه في سحق سلسلة من التظاهرات الطلابية في مطلع العام الجاري. لكن الأمور قد تتبدل بشكل سريع، وفقاً للمجلة، في ظل وجود العشرات من أحزاب المعارضة، وحوالى ست حركات شبابية، وثلاث جماعات مسلحة، تسعى إلى الإطاحة به من الحكم.

ومضت المجلة تقول إنه في حالة حدوث ذلك، ستتولد مخاوف من سيناريوهات تتكهن بأن يشهد السودان صراعاً عنيفاً على السلطة، قد يتطور إلى حرب أهلية، وربما إلى تفكك شمال السودان. وهي المخاوف التي دفعت إدارة أوباما إلى التأكيد على الهدف الحالم لدولتين قابلتين للعيش في سلام مع بعضهما البعض، كما جاء على لسان المبعوث الأميركي الخاص للسودان، برينستون ليمان.

أما ما تخشاه واشنطن في الأساس هو أن يتمخض تجدد الحرب بين الشمال والجنوب عن دولتين فاشلتين، يبثان موجات من عدم الاستقرار في كل أنحاء دول الجوار الأفريقية والعربية.

هذا وتتفق إدارة أوباما مع أنصار تغيير النظام في السودان على أن الجيش السوداني ما زال يتورّط في انتهاكات خطرة لحقوق الإنسان في مناطق حرب جديدة، مثل جنوب كردفان وولايات النيل الأزرق في شمال السودان، حيث ترفض عصابات موالية لجيش تحرير جنوب السودان أن تلقي سلاحها، وتتفق على مطالبة البشير بأن يرفع الحظر الذي يفرضه نظامه على تسليم المساعدات الإنسانية إلى لاجئي الحرب.

إلى هنا، واصلت المجلة حديثها بالقول إنه منذ انفصال جنوب السودان في شهر تموز/ يوليو الماضي، والرئيس عمر البشير يحاول أن يحمي نفسه من أعداء في الداخل وفي الخارج، بحثِّه العديد من أحزاب المعارضة على تشكيل ما يطلق عليها quot;حكومة واسعة النطاقquot; قبل صياغة دستور جديد، من المحتمل أن يزيد من التأكيد على الهوية العربية والإسلامية للنظام. وهو ما أثار مخاوف الأفارقة والمسيحيين المتبقين في الشمال، والذين تتراوح أعدادهم ما بين 500 ألف إلى مليون شخص.

ونوهت المجلة كذلك بتكوين المعارضة في السودان ائتلافًا أطلق عليه quot;قوات التوافق الوطنيquot; بقيادة فاروق أبو عيسى، وزير خارجية سابق، الذي صرح للمجلة قائلاً quot;ندعو إلى القيام بانتفاضةquot;، مشيراً إلى أن السودان سبق أن شهد ثورتين ناجحتين، وأنه قد سبق له أن لعب دوراً بارزاً في ثورة أكتوبر عام 1964.

ثم تحدثت المجلة عن المعارض البارز الآخر صادق المهدي، رئيس حزب الأمّة، الذي سبق له أن أشرف على المفاوضات، التي مهدت لرحيل الجنرال عبود، حيث قالت إن هناك محادثات متقطعة تجري مع الرئيس البشير. وقال المهدي إنه عرض على البشير quot;خروج آمنquot;، ما يعني تسليمه السلطة إلى جهة حكم مدنية عبر التفاوض.

غير أن البشير لم يبد اهتماماً بذلك العرض حتى الآن، وهو يراهن على قدرته على الإبقاء على خصومه منقسمين، واستمرار وقوف الجيش إلى جواره. لكن المجلة واصلت حديثها في هذا الشأن بإلقائها الضوء على الصعوبات التي يواجهها نظام البشير في الخرطوم في ما يتعلق بتصاعد موجة السخط الاقتصادي والسياسي.

وقالت إن الأوضاع الاقتصادية في الشمال متردية، خاصة بعد انخفاض عائدات صادرات النفط هناك، بعد انفصال الجنوب، من 6.2 مليار دولار عام 2010 إلى 1.5 مليار دولار عام 2011، وهو ما أدى إلى حدوث فجوة في ميزانية هذا العام بقيمة تقدر على الأقل بـ 2 مليار دولار، وعجز محتمل بقيمة 4 مليار دولار في العام المقبل.