أذهلت إدانة الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك حتى خصومه السياسيين، وتتمثل المفارقة في أنّه أُدين في وقتٍ يتمتّع فيه بدرجة إستثنائية من تعاطف الرأي العام الفرنسي.

الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك

أذهلت إدانة الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك حتى خصومه السياسيين. وأُدين شيراك بتهمة اختلاس المال العام حين كان عمدة باريس إبان التسعينات وصدر بحقه حكم بالسجن عامين مع وقف التنفيذ. وهو أول رئيس سابق في الجمهورية الخامسة يُحاكم، ناهيكم عن كونه أول رئيس يُدان في محكمة جنائية.

وتتعلق القضية بما أصبح معروفاً بفضيحة quot;الوظائف الوهميةquot;. فإن عدداً من الموظفين الذين كانت بلدية باريس تدفع رواتبهم كانوا في الواقع يعملون لحزب شيراك الديغولي يوم كان عمدة باريس وهو موقع قوي استخدمه شيراك نقطة وثوب إلى الرئاسة الفرنسية في عام 1995. وأُدين آلان جوبيه، وزير الخارجية الحالي ومساعد شيراك الأيمن وقتذاك، بالإرتباط مع القضية نفسها في عام 2004. وأُدين خلال الأيام الماضية سبعة من أصل تسعة متهمين في القضية.

وللذين فقدوا الأمل في تقديم شيراك إلى العدالة، فإن الإدانة تعتبر حكماً استثنائياً لا سيما وأن قضاة التحقيق نبشوا كل ما يتعلق بالرئيس السابق، من فواتير بقاليته المضخَّمة إلى مقاولات في قطاع السكن الشعبي. ولكن هذه القضايا كلها تقريباً وضعت على الرّف وفي أدراج المكاتب. وخلال رئاسة شيراك من 1995 الى 2007 كان الدستور يحميه من الملاحقة القانونية. وبعد انتهاء رئاسته انتهت صلاحية العديد من القضايا المرفوعة ضده بحكم التقادم الذي يقره القانون الفرنسي.

وحتى القضية التي أُدين بها شيراك بدت وكأنها دخلت طريقاً مسدوداً. إذ حدثت تأخيرات إجرائية لا حصر لها. وفي العام الماضي دفع شيراك والحزب الحاكم الذي ورث حزبه الديغولي 2.2 مليون يورو الى بلدية باريس بالإرتباط مع فضيحة quot;الوظائف الوهميةquot;. وبالمقابل، انسحبت بلدية باريس التي يسيطر عليها الإشتراكيون حاليا من القضية بوصفها مدعياً مدنياً. وحتى المدعي العام طلب تبرئة شيراك.

وأصرّ شيراك من جهته، رغم ما أعاده من أموال الى بلدية باريس، على أنه لم يرتكب مخالفة جنائية أو أخلاقية. وتمكّن محاموه هذا العام من إقناع المحكمة بإعفاء الرئيس السابق (79 عاما) من المثول أمامها متعلّلين بضعف قواه العقلية. وطلب المحامون من قاضي المحكمة أن يأخذ في الاعتبار تأثير الحكم على موقع شيراك في التاريخ.

وتتمثل المفارقة في أن شيراك أُدين في وقت يتمتع فيه بدرجة إستثنائية من تعاطف الرأي العام الفرنسي، في حين أنه لم يكن يتمتّع بشعبية في نهاية رئاسته. ولكنه في سنوات تقاعده أصبح أشبه بالشيخ الوقور يُنظر إليه بشغف وكان يتصدر بانتظام الإستطلاعات التي تتناول شعبية الشخصيات الفرنسية.

ويعاني شيراك الآن من فقدان الذاكرة، وشعر حتى بعض خصومه بتبكيت الضمير إزاء محاسبته في محكمة جنائية. وبالتالي فإن من المرجح أن يتعامل الفرنسيون مع إدانته بمشاعر متناقضة، وحتى بقدر من الأسف، كما تتوقع مجلة الإيكونومست البريطانية.

ولكن إدانة شيراك توجّه رسالةً قويةً إلى الطبقة السياسيّة الفرنسية. وهي قد تكون حتى مقدمة لإنهاء ثقافة الحصانة التي يتمتّع بها من يتبوّأ منصباً رسمياً في فرنسا. وإلى جانب إدانة شيراك وجوبيه فإن التحقيق مستمر في قضية اعتداء جنسي متهم فيها وزير سابق وتحقيق آخر في تمويل حزب سياسي بصورة غير قانونية ترتبط بالمليارديرة ليليان بتنكور وريثة إمبراطورية لوريال لمستحضرات التجميل، وتحقيق ثالث في التنصّت على صحفيين. وهناك لأوّل مرّة احساس بأن السياسيين الفرنسيين يُعاملون معاملة المواطن الاعتيادي، بحسب مجلة الايكونومست.