يعيش العراق أخيرًا على وقع أزمة سياسية تتعقد ساعة بعد ساعة، وتعكس مخاوف السنَّة من التعرّض لتهميش إضافي في فترة ما بعد الوجود الأميركي، بحسب ما يرى خبراء. وتتزامن الأزمة مع صدور مذكرة توقيف بحق نائب الرئيس طارق الهاشمي، وبدء ائتلاف العراقية في مقاطعة جلسات البرلمان والحكومة.


بغداد: تعكس الأزمة السياسية المستجدة في العراق، والمترافقة مع دعوات إلى اعتماد مزيد من الفدرالية، مخاوف السنَّة من التعرّض لتهميش إضافي في فترة ما بعد الوجود الأميركي، بحسب ما يرى خبراء.

ومنذ انسحاب آخر جندي أميركي من العراق صباح الأحد، تعيش البلاد على وقع أزمة سياسية، تتعقد ساعة بعد ساعة، حيث صدرت مذكرة توقيف بحق نائب الرئيس طارق الهاشمي، وبدأ ائتلاف quot;العراقيةquot; مقاطعة لجلسات البرلمان والحكومة.

تزامنت مذكرة التوقيف المفاجئة، التي صدرت على خلفية quot;قضايا تتعلق بالإرهابquot;، مع سعي رئيس الحكومة نوري المالكي إلى إقالة نائبه صالح المطلك من منصبه، بعدما وصفه بـquot;الديكتاتورquot;.

والهاشمي والمطلك هما شخصيتان سنِّيتان من أبرز قياديي قائمة quot;العراقيةquot; (82 نائبًا من بين 325، و9 وزراء من بين 31).

تترافق هذه التطورات المتسارعة مع مطالبة محافظات تسكنها غالبيات سنِّية بالتحول إلى أقاليم مستقلة.

ويقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد إحسان الشمري لوكالة فرانس برس إن quot;الطبقة السياسية تواجه تحديًا كبيرًا في فترة ما بعد الانسحاب الأميركي، يتمثل في التعامل مع شعور العرب السنَّة بالتهميشquot;.

ويضيف quot;أعتقد أن العرب السنَّة مقتنعون بأنهم لن يستطيعوا الوصول إلى السلطة التنفيذية، لذا يحاولون أن يبحثوا في مناطقهم عن سلطة أوسع، ما قد يزيد من تثبتهم بمسألة الأقلمةquot;، أي إنشاء الأقليم المستقلة.

وانضم أعضاء في مجلس محافظة ديالى (شمال شرق)، التي تسكنها غالبية سنِّية في الأسبوع الماضي إلى مطالب محافظات أخرى، بالتحول إلى أقاليم، وأعلنوا أنه جرى جمع تواقيع 15 عضوًا في المجلس من بين 29 للمضي في الإجراءات الرسمية.

وكان مجلس محافظة صلاح الدين (وسط)، التي تسكنها أيضًا غالبية سنِّية أعلن في 27 تشرين الأول/أكتوبر المحافظة إقليمًا مستقلاً إداريًا واقتصاديًا، الأمر الذي رفضته الحكومة المركزية في بغداد.

بدوره، تمكن مجلس محافظة الأنبار (غرب)، أكبر محافظات العراق، من جمع تواقيع 16 عضوًا من بين أعضائه الـ29، وذلك لإجراء استفتاء شعبي حول المطالبة بإعلان المحافظة، التي تسكنها غالبية سنِّية كذلك، إقليمًا مستقلاً.

تنص المادة 119 من الدستور العراقي على أنه quot;يحق لكل محافظة أو أكثر، تكوين إقليم بناء على طلب بالاستفتاء عليهquot;.

وتشير المادة 120 إلى أن الإقليم يقوم quot;بوضع دستور له، يحدد هيكل سلطات الإقليم، وصلاحياته، وآليات ممارسة تلك الصلاحيات، على ألا يتعارض مع هذا الدستورquot;، أي دستور العراق.

ويقول مدير الدراسات العليا في جامعة بغداد حميد فاضل إن quot;الذين يطالبون بالفدرالية هم الأقلية (السنَّة)، وذلك بسبب الخوف، الذي يعتري هؤلاء من تحكم الغالبية بمقاليد الحكمquot;.

ويضيف إن quot;الحكومة، وللأسف، أعطت مبررًا لمحافظات في أن تقدم على مشروع قد لا يكون مستندًا إلى إيمان بالفدرالية، بل إلى رد فعل على تحكم السلطة المركزية بكل الصلاحياتquot;.

وتابع quot;الأمر مرتبط إذًا بعامل الخوف وتصاعد الحديث عن تحكم واستبداد حكومة المركزquot;.

ومع اجتياح الولايات المتحدة للعراق عام 2003، خسر السنَّة، بعدما حكموا البلاد على مدى نحو ثمانين عامًا، السلطة، لمصلحة الشيعة، الذين منحهم نظام المحاصصة الطائفية، منصب رئاسة الوزراء، الموقع الأهمّ في الدولة.

وقبل حوالى عام، توصل القادة العراقيون إلى اتفاق برعاية أميركية، يعكس التقاسم الفعلي للصلاحيات والرئاسات الثلاث، إلا أن معظم السياسيين السنَّة ظلوا يتهمون الرئاسة الشيعية للحكومة بالتفرد بالسلطة.

وتحمل دعوات إنشاء الأقاليم بعدًا طائفيًا، بحسب بعض السياسيين، فيما يرى فيها آخرون حقًا دستوريًا.

وكان نوري المالكي قال إن هذه المطالب يجب أن تتم quot;على أساس الحرص، وليس على أساس أن يكون جزء من العراق فدراليًا على أساس طائفيquot;.

في مقابل ذلك، يعتبر سياسيون كبار، أبرزهم رئيس مجلس النواب أسامة النجيفي وطارق الهاشمي، أن المطالب بتشكيل الأقاليم دستورية، ويدعون إلى تنفيذها.

يشكل هذا الانقسام أحد جذور الأزمة السياسية، التي تشهدها البلاد منذ السبت، وعنوانها quot;رفض التهميشquot;.

دفعت هذه الأزمات رئيس إقليم كردستان العراق مسعود بارزاني الاثنين إلى التحذير من quot;انهيارquot; العملية السياسية، متحدثًا عن أن quot;الشراكة في الحكم أصبحت مهددةquot;.

بدوره قال صالح المطلك في تصريح لفرانس برس إن quot;البلد سيتوجّه نحو كارثة كبيرة إذا استمرت ديكتاتورية السيد المالكيquot;.

ويحذر الشمري من أن quot;الشعور بالتهميش قد يدفع نحو توتر سياسي أكبرquot;. ويضيف إن هذا الأمر quot;قد يتسبب أيضًا باحتقان طائفي جديدquot; في بلاد شهدت حربًا طائفية دامية، بلغت ذروتها عامي 2006 و2007، وقتل فيها الآلاف.