الحمايات الأمنية للشخصيات في العراق تزعج المواطنين

تشكل السّيارات المظللة المرافقة للمسؤولين العراقيين نقطة جدل حول دورها ومسؤولياتها، فهي تستخدم بهدف البذخ في حين يموت الآلاف جوعاً، كما أن عناصر الحماية متهمون بارتكاب جرائم اعتداء على عناصر الشرطة، الذين يمنع عليهم تفتيش هذه السيارات.


بغداد: يعمل رجل الشرطة حسين كامل (40 سنة ) في نقطة تفتيش فرعية على الطريق الرئيس الذي يربط بين مدينتي بابل (100 كم جنوب بغداد) والديوانية (193 كلم جنوبي بغداد)، والتي تمرّ عبرها سيارات مظللة تصاحبها سيارات الدفع الرباعي العالية وهي تحمل الأسلحة والأفراد المسلحين. ولم يستطع كامل طيلة عمله لمدة ثلاث سنوات من معرفة هويات الأشخاص الذين يستقلون تلك السيارات المظللة، وكل الذي يعرفه ان نقطة التفتيش تتلقى اتصالا فوريا بفسح المجال والانتباه الى مرور شخصية مهمة .

وبحسب كامل، فإن وتيرة مواكب حماية المسؤولين لم تنقطع طيلة السنوات السابقة منذ عام 2003 ، حيث لم يتغير سلوكها الذي يتسم بالمبالغة في المظهر المسلح لقافلة المسؤول، وعدد السيارات المرافقة له، والإجراءات الأمنية المبالغ فيها، بعدما استتب الوضع الأمني إلى حد كبير.

وتشير مصادر إلى ان أكثر من 35 ألف عنصر امني يعملون حاليا ضمن طواقم حمايات الرئاسات وزعماء الكتل السياسية والمنطقة الخضراء في العاصمة بغداد وحدها.

إسراف وقلق واستياء

و يتساءل سعيد القريشي (مدرس) عن النفقات التي يجب ان تتحملها الدولة لحماية هذا المسؤول او ذاك من الذين بمعيتهم عشرات الحمايات المسلحة والسيارات المكيفة للأغراض الأمنية .

وبحسب مصادر وزارة الدفاع العراقية فإن مجموع حمايات كبار مسؤولي الدولة والزعماء السياسيين والوزراء والنواب الحاليين والسابقين يبلغ نحو 12 لواءً يتقاضون رواتبهم من وزارتي الدفاع والداخلية.

ومن جهته يروي ليث سيد شبر (صاحب متجر) من كربلاء (108 كم جنوب غربي بغداد) كيف ان زيارة مسؤول ما إلى المدينة المقدسة تثير قلق واستياء أهالي المدينة والزوار لأنها تحول حياة المدينة العادية الى غرفة عمليات، يتعرض خلالها المواطن الى المضايقة وحتى التعسف في المعاملة، إضافة إلى خنق حرية الحركة .

ويقول سائق التاكسي أمين حسين ان زيارة مسؤول ما إلى المدينة يعني غلق الطرق وتعطيل مصالح المواطنين . ويضيف : في مثل هكذا يوم ، يتوجب الجلوس في البيت لحين انتهاء زيارة المسؤول .

ويضيف: حمايات المسؤولين تعني قطع انسيابية السير ، ورفع حالات الطوارئ ما يشكل عبئا كبيرا على المواطن ، وهذا الامر لم ينقطع رغم ادعاءات المسؤولين أنفسهم بأن الوضع الأمني تحسن كثيرا .

وتمتلك رئاسة الجمهورية العراقية لوحدها نحو 7 آلاف عنصر ضمنهم لواءان من قوات حرس إقليم كردستان (البيشمركة) يتسلمون مرتباتهم من وزارة الدفاع بحسب مصادر رسمية .

وكان مصدر في مكتب القائد العام للقوات المسلحة العراقية وجّه الأسبوع الماضي برفع التجاوزات على الشوارع والأرصفة، خصوصاً المستغلة من قبل المسؤولين و حماياتهم ، ما يوضح حجم المشكلة التي يعاني منها المواطنون حيث نجحت وسائل الاعلام في كشفها لكن الجهات المعنية تأخرت كثيرا في حل المشكلة .

وشمل الأمر عدم قطع الطرق لمواكب المسؤولين وعدم تشغيل الصفارات إلا في الحالات الضرورية ، وإجراء تفتيش دقيق على مواكب المسؤولين دون استثناء.

الشرطة تظل عاجزة

لكن ضابط الشرطة حميد كامل (33 سنة ) من المحمودية ( 15 كلم جنوب بغداد) يقول ان الشرطة تظل عاجزة عن محاسبة الحمايات الخاصة التي ما زالت تعتبر نفسها فوق القانون والمواطن،
وعلى الرغم من ان وكيل وزارة الداخلية لشؤون القوى المساندة، اللواء احمد علي الخفاجي أعلن عن مشروع قانون لتنظيم عمل حماية الشخصيات، حيث تمت بالفعل الموافقة على القانون في مجلس الوزراء الذي يقضي بتحديد عدد أفراد حماية الشخصيات بدءا من رئيسي الجمهورية والوزراء وباقي المسؤولين، إلا ان العقيد في الداخلية سلام حسين يرى ان القانون ربما سينفذ على الورق فقط بسبب تداخل الصلاحيات وانعدام السياقات التي تنطبق على الجميع على حد سواء .

ويتابع: أمر واحد من زعيم كتلة سياسية او شخصية سياسية مهمة يلغي التعليمات والسياقات والأوامر والقوانين المتبعة .

وكان قرار حول مشروع (الحمايات) جرى طرحه ويتضمن تخصيص 30 عنصراً لحماية الوزير، و20 لوكيل الوزير، إضافة الى تحديد ثمانية أفراد لحماية المستشارين وخمسة لكل موظف بدرجة مدير عام، ومثل العدد لعضو مجلس المحافظة.

ويقول الخبير الأمني ( عقيد متقاعد ) سعد الشريفي انه حتى هذه الأعداد التي يتضمنها المشروع الجديد ، مكلفة وتستهلك الكثير من ميزانية الدولة العراقية .

ويمتلك زعيم كتلة سياسية بارزة فوج حماية من 1200 عنصر يرافقونه في تنقلاته داخل وخارج بغداد.

الأخطاء الفادحة

ولا تتورع أفراد الحمايات عن ارتكاب الأخطاء الفادحة بحق العراقيين، ففي اللطيفية ( 40 كلم جنوب بغداد) أصيب الشاب سعد احمد (20 سنة ) بجروح خطيرة بعد إطلاق النار عليه من قبل أفراد حماية مسؤول عام 2008 ، وعلى الرغم من ان التحقيقات أثبتت الخطأ الفادح الذي ارتكبته أفراد الحماية بإطلاق النار عليه، الا ان سعد لم ينجح في الحصول على تعويض ومحاسبة المتسببين في الحادث.

وتثير الخروقات بحق المواطنين من قبل حمايات المسؤولين، النقمة بين أوساط المجتمع، وتفقد ثقة المواطن بالدولة والحكومة.

ويقول الملازم كريم شعب من نقطة تفتيش جنوب بغداد ان السيارات الحكومية المظللة التي لا تحمل أرقاما ما زالت تشكل لغزا محيرا للمواطن ونقاط التفتيش على حد سواء. ويتابع : يشعر رجل الأمن العادي ان هناك أجندة متداخلة تخلط الأوراق يتعذر معها ضبط الأمن.

ويضيف: لا يمكنك التعرف إلى هوية أولئك الأشخاص الذين يرتكبون اخطاء ويستقلون سيارات (شبحية) مجهولة الهوية. ويقول ان عام 2007 شهد تعرض ضابط عراقي الى الإهانة من قبل حماية مسؤول كبير لانه حاول إيقاف قافلة سيارات لم يتمكن من تحديد هويتها .

والى الآن فان الكثير من نقاط التفتيش لا تستطيع إيقاف سيارات المسؤولين و حماياتهم حتى وان كانت بلا أرقام .

ويدعو العميد المتقاعد رحيم كامل (60 سنة ) الى إعادة النظر في الحمايات بعدما بلغت النقمة الشعبية اعلى مستوى لها، في ظل مظاهر بذخ واضحة، بينما يتضور الكثير من الناس جوعا.

ويذكّر الكاتب العراقي أحمد السعد أصحاب الشأن بحادثة المركز الامتحاني في (سبع ابكار) في بغداد حين أطلق أفراد الحماية النار على الطلبة العزل.

ويتابع: الشعارات التى يسوقها الساسة سقطت تحت أحذية أفراد حماياتهم الذين أطلقت أيديهم ومنحوا الإذن بالقتل لأي إنسان بمجرد الشك أو الارتياب.


المصادر الرسمية

وليس المواطن وحده من يطلق الاتهامات بما تفعله (الحمايات) بل المصادر الرسمية الحكومية نفسها، فقد كشفت وزارة الداخلية العراقية عام 2011 ، عن تورط عناصر حمايات لمسؤولين وشركات أمنية أجنبية في عمليات الاغتيال التي استهدفت الضباط والمسؤولين بكواتم الصوت وأكدت في هذا الصدد أن أوامر صدرت الى القطعات الأمنية بالتشدد في تفتيش أرتال المسؤولين والشركات.

وبحسب الناطق باسم وزارة الداخلية العراقية اللواء عادل دحام فإن من بين الذين ألقي القبض عليهم من المتورطين بعمليات الاغتيال بالكواتم، أشخاصاً يستخدمون سيارات تابعة لمؤسسات حكومية وأخرى مظللة كانت تمارس القتل بالأسلحة الكاتمة وغيرها من عمليات الاغتيال.

ويشير المفوض في شرطة بابل عادل السلطاني إلى انه تعرض للتوبيخ والنقل، بعدما فتش عن غير قصد سيارات حماية تابعة لمسؤول محلي ، حيث استدعي بعد ذلك ونقل من مكان عمله .

ويقول اغلب العاملين في الجيش والشرطة العراقية ان أفراد الحمايات ما زالوا يتصرفون كأوصياء على المواطن ورجل الشرطة والجيش، وإنهم فوق القوانين التي توجب تفتيش كل السيارات والمركبات المارة.

التحقيقات غامضة

ويعتقد المحامي صابر الدليمي من بغداد، ان التحقيقات في الأخطاء التي ترتكبها الحمايات كانت في اغلبها غامضة وبلا نتائج ملموسة ما افقد المواطن الثقة بأجهزة الدولة .

ويتابع: ثمة إحساس ينتاب المواطن الآن وهو ان المسؤول استغل الفوضى الأمنية لتعزيز سلطاته ومركزه ليحول نفسه الى شخص يجلس في برج عاجي انفصمت علاقاته بالناس. ويضيف: الذين يخرقون القوانين اليوم، هم المسؤولون أنفسهم، بعجلاتهم الرسمية التي أصبحت رمزا للطغيان واستغلال السلطة، حيث سخّروا ظروف الفوضى الأمنية لتحقيق مصالح شخصية فحسب.

خبير: الضرورات الأمنية هي ذريعة السياسيين

وبحسبحديثالخبير الأمني رياض هاني بهار لـquot; ايلاف quot; فإن معظم السياسيين والإداريين يتذرعون بـ laquo;الضرورات الأمنيةraquo; لطلب رفع عديد عناصر قوى الأمن المرافقين لهم، فيما التجربة تؤكد أن عدد العناصر لا يحول دون الاستهداف، كما أن كثرة عدد المرافقين لا تُسهم في خفض منسوب الخطر المحيط بالشخصية المستهدفة ، وان الهوس بالأمن الشخصي مستمد من الأنظمة الشمولية .

و يتابع : وبسبب ذلك تولدت عدوى سلوكيات عنفية تنتقل بسهولة إلى الأجيال المتلاحقة مع عدم وجود صوت راصد وناقد لمثل هذه السلوكيات...

ويرى بهار ان الأحزاب السياسية المتنفذة تتولى حماية مسؤوليها ونوابها وزعماء أحزابها وغالبا ما يكون انتماء أفراد الحمايات لأبناء الطائفة ذاتها، وان الكثير من المسؤولين يميلون الى المظاهر والفخفخة والتباهي وأصبح عدد أفراد حمايتهم وعدد السيارات التي تضمها مواكبهم دلالة على أهمية هذا الشخص عن سواه.