تتدفق الآليات العسكرية الأميركيةضمن موكب طويل من قاعدة في وسط العراق تسدل معها تلكالقوات الستار على وجودها في العراق.


بغداد: تسلم العراق الجمعة آخر قاعدة من القوات الاميركية في مدينة الناصرية (جنوب)، في خطوة تعد اساسية على طريق تحقيق الانسحاب الكامل من البلاد بعد تسع سنوات من اجتياحها.

ووقع ممثل رئيس الوزراء العراقي في تسلم القواعد العسكرية حسين الاسدي، مع الممثل عن الجيش الاميركي الكولونيل ريتشارد كايزر، على اوراق تسليم قاعدة الامام علي الجوية في الناصرية (305 كلم جنوب بغداد).

وقال الاسدي عقب التوقيع داخل القاعة الضخمة التي تزينها الاعلام العراقية والاميركية quot;نعلن وبكل فخر للشعب العراقي استلام آخر قاعدة للجيش الاميركيquot;.

واضاف quot;اليوم نطوي الصفحة الاخيرة للاحتلالquot;.

واشار الاسدي الى ان quot;الجنود الاميركيين سيغادرون هذه القاعدة خلال 72 ساعة، وآخر تواجد للجنود الاميركيين في العراق سينتهي قبل 25 كانون الاول/ديسمبرquot;.

وقبيل كلمة الاسدي، قام ضابط عراقي برتبة ملازم برفع علم العراق داخل القاعة، ثم تحدث آمر القاعدة العميد الطيار حكيم عبود قائلا quot;هذا يوم الاحرار والوفاء ونعاهد على البقاء مخلصين لجيشنا وعراقنا والعمل من اجل وحدتهquot;.

والقى بعد ذلك عدد من الجنود العراقيين قصائد تناولت quot;صمود العراق في مواجهة الارهابquot;.

وتقع القاعدة العسكرية في جنوب غرب الناصرية.

ويشير مسؤولون عسكريون اميركيون الى ان حوالى 15 الف جندي كانوا يتواجدون فيها عام 2007 وانها تعرضت الى اربع هجمات خلال الاشهر الستة الاخيرة من دون ان يؤدي ذلك الى وقوع ضحايا.

ويشكل تسليم القاعدة القريبة من مدينة اور مسقط رأس النبي ابراهيم على ما ورد في الانجيل، خطوة اساسية نحو تحقيق الانسحاب الكامل من البلاد، وهي عملية يفترض ان تكتمل قبل نهاية العام الحالي.

وسلمت القوات الاميركية الى نظيرتها العراقية 505 قواعد عسكرية، وهو العدد الكامل للقواعد التي سبق ان تواجد فيها الاميركيون.

وتقول القوات الاميركية ان هناك حوالى اربعة آلاف جندي لا يزالون في البلاد حاليا.

وقال الكولونيل ريتشادر كايزر لفرانس برس انه quot;قبل اسابيع، كان لدينا 12 الف جندي هنا، واليوم لم يتبق الا عدد قليل منهمquot;.

واضاف quot;لقد كنت قائدا للقوات هنا لحوالى سبعة اشهر، واليوم اشعر بالفخر جراء العمل الذي انجزناه في هذه القاعدةquot;.

وتابع quot;انه شرف كبير ان اكون قائد هذه القاعدة، وان اكون آخر الموقعين على تسليم آخر قاعدة في العراقquot;، مشيرا الى ان quot;الولايات المتحدة وعدت بالانسحاب من العراق بحلول 31 كانون الاول/ديسمبر، والولايات المتحدة تفي بوعودهاquot;.

وياتي تسليم قاعدة الامام علي التي كان يشغلها الاميركيون منذ عام 2003، بعد يوم من احتفال القوات الاميركية في بغداد باسدال الستار على تسعة اعوام من حرب دامية لم تتوقف فصولها منذ اجتياح البلاد لاسقاط نظام صدام حسين.

وقال وزير الدفاع الاميركي ليون بانيتا خلال الاحتفال في مركز بمطار بغداد الدولي ان quot;العراق سيواجه اختبارات في الايام المقبلة من قبل الارهابيين والاشخاص الذين يعلمون على تقسيمهquot;.

واستدرك quot;لكن الولايات المتحدة ستبقى الى جانبه حين يواجه هذه التحدياتquot;.

وراى بانيتا ان quot;الوقت حان للعراق ليتطلع الى المستقبلquot;، داعيا في الوقت ذاته العراقيين الى عدم نسيان quot;التضحياتquot; التي قدمها الاميركيون في العراق، وبينها الجنود القتلى الذين بلغ عددهم حوالى 4500.

ووصف الانسحاب الاميركي بانه quot;احد اكثر المهمات اللوجيستية تعقيدا في تاريخ الجيش الاميركيquot;.

وشكل هذا الاحتفال الرمزي الفصل الاخير في قصة دامية بدات باقتناع الولايات المتحدة بان اسقاطها لنظام صدام حسين سيجعلها تفوز تلقائيا بقلوب وعقول العراقيين.

الا ان الوضع اتخذ منحى مختلفا عندما قتل عشرات آلاف العراقيين بعدما مهدت القوات الاميركية الطريق امام تمرد مسلح اثر حل الجيش خصوصا، وفشلت في منع حرب اهلية دامية بين السنة والشيعة.

ويغادر الجنود الاميركيون العراق تاركين قوات تبدو جاهزة للتعامل مع التهديدات الداخلية، الا انها عاجزة عن حماية الحدود البرية والجوية والمائية، بحسب ما يقول مسؤولون عسكريون وسياسيون عراقيون واميركيون.

ورغم انخفاض معدلات اعمال العنف بشكل كبير في السنوات الاخيرة، الا ان العراق لا يزال يشهد اعمال عنف شبه يومية.

وهناك مخاوف اضافية من ان العراق يمكن ان يتاثر بقوى اقليمية مثل ايران، عدوة واشنطن.

كما يخشى عدد من المراقبين الاميركيين من عودة اعمال العنف الطائفية، ويشككون في قوة المؤسسات السياسية في العراق التي باتت تقوم على المحاصصة الطائفية، في وقت يستشري الفساد في معظم الادارات الرسمية.

المهمة الأخيرة

وتتدفق الآليات العسكرية ضمن موكب طويل من قاعدة في وسط العراق، حاملة على متنها 99 جنديا اميركيا في مهمة اخيرة عنوانها: بلوغ الكويت بسلام.

على الطريق السريع المؤدي الى الحدود العراقية الكويتية، يحافظ الجنود المتمركزون في آلياتهم التي تحمل عبارة quot;مضادة للالغام، محمية من الكمائنquot;، على استنفارهم الكامل.

ويتناقل هؤلاء الجنود عبر اجهزة البث الاذاعي تفاصيل امور قد تشكل تهديدات محتملة، مثل السيارات المشتبه فيها.

وتبقى الاضواء مطفأة داخل العربات، فيما تبدو الرؤية محدودة بسبب ضيق النوافذ، وهو امر ينسحب على المساحة المخصصة للجنود انفسهم، الذين يتحركون في مساحة صغيرة جدا ضمن رحلة يزيد من صعوبتها ارتداء هؤلاء الجنود للدروع والقبعات المضادة للرصاص والشظايا.

ورغم ذلك، فان جل ما ينشغل به جنود كتيبة الدعم 115 المنتمية الى لواء القتال الاول، هو المضي في هذه الرحلة الاخيرة من دون التعرض لاي حادث، ما يجعلهم يتفقدون بشكل مستمر معداتهم واسلحتهم.

ويقول النقيب ماكفرين ماكدونالد لوكالة فرانس برس quot;احافظ على حذري طوال الوقت لان احتمال التعرض لحادث امر محتمل، الا انني ابقي على حماستي ايضاquot;.

ويضيف فيما يتفقد امتعته داخل احدى العربات quot;ادعو الله كي لا يصيبنا اي مكروه، رغم انني مستعد لمواجهة امر مماثل ان حدث. من المثير التفكير في ان هذه آخر مهمة لناquot;.

من جهته يعبر الرقيب ستيفن بوير عن quot;شعور جيد، الا انني كنت اتمنى لو ان هذا الامر (رحلة الانسحاب) حدث في وقت سابق لان خسائرنا البشرية كانت ستكون اقلquot;.

ويقول بوير وماكدونالد وآخرون انهم يشعرون بالسعادة كونهم خدموا في العراق حيث يتواجد الجيش الاميركي منذ تسع سنوات.

ويوضح بوير الذي خدم مرتين في العراق quot;اشعر اليوم وكأن مهمتي الاولى في العراق لم تكن مضيعة للوقت كما كنت اظن في السابقquot;.

ويروي انه خلال مهمته الاولى التي استمرت 15 شهرا بين عامي 2006 و2008 quot;كنت اشعر بان الامور لا تسير بشكل صحيح تماما. كانت فترة صعبة، واليوم اشعر بان القوات العراقية اصبحت قادرة على تولي زمام الامور بنفسهاquot;.

وكان الموكب المؤلف من 21 آلية قد انطلق عند حوالى الساعة 19,00 (16,00 تغ) من قاعدة كالسو قرب الاسكندرية (50 كلم جنوب بغداد) حيث سار لمدة ثماني ساعات قبل ان يبلغ معسكرا على بعد حوالى 273 كلم جنوبا.

وخلال الرحلة، اضطر الموكب الى التوقف لمدة ساعة حيث جرى العمل على اعادة تشغيل احدى الآليات بعدما تعطلت بطاريتها.

واثناء فترة الانتظار، تحول الحديث داخل الآلية التي تنقل بوير والآخرين الى نقاش حول الرياضة، ثم السينما والمشروبات الكحولية المفضلة، علما ان الجنود يلتزمون الصمت في معظم فترات الرحلة.

وبعيد منتصف الليل بقليل، توقف الموكب من جديد قرب معسكر آدر لمدة ساعتين بهدف اصلاح عجلة احدى الآليات. وعند بلوغ قاعدة الامام علي في الناصرية (305 كلم جنوب بغداد)، استراح الجنود لمدة ست ساعات قبل ان يكملوا طريقهم نحو الكويت.

ويقول بوير الذي بقي داخل الآلية التي تقله طوال مدة الرحلة ان quot;الطقس عادة ما يكون باردا والطريق غالبا ما تبدو طويلةquot;.

وفي اليوم التالي، توجه المقدم جيسون كاريكو وهو قائد كتيبة الدعم 155 الى جنوده بالقول quot;لقد كتبتم التاريخ، واذا لم تكونوا متاكدين من ذلك اليوم، فستدركون ذلك غدا، كونوا فخورين بما قدمتمquot;.

ثم دعا كاريكو جنوده الى الا يتخلوا عن يقظتهم في الكيلومترات الاخيرة قبل بلوغ الكويت، وهي رحلة يبلغ طولها حوالى 193 كلم.

وعند بلوغهم الكويت، يتحمس الجنود الاميركيون. ويقول الجندي دان ماتا الذي شارك في ثلاث مهمات في العراق منذ عام 2003 quot;لقد انتهينا الآن من العراق، انه امر رائعquot;.

ويلخص بوير شعور زملائه بالقول quot;حان وقت العودة الى الوطن، وحان وقت تسلم العراقيين زمام الامورquot;.