أطباء عراقيون يحتجّون على عمليات التهديد التي يتعرّضون لها

يتعرّض الكثير من الأطباء في العراق لاعتداءات وتهديدات في حال حدوث أخطاء طبية أثناء العلاج والعمليات الجراحية، أو حتى إذا ما توفّي المريض من دون أن تكون هناك أخطاء من الطبيب، ويضطر بعض الأطباء إلى دفع فدية إلى أهل المتوفي، فيما يضطر آخرون إلى الهجرة.


اضطر الطبيب العراقي هيثم حسين إلى مغادرة العراق، بعدما تعرّض لتهديدات من مواطنين، بعد عملية جراحية أجراها، وتسببت في وفاة مريض عام 2009.

ورغم أن قانون حماية الطبيب يتيح له حماية كافية في مثل هذه الحالات، إلا أن ذلك يبقى عديم الجدوى أمام القيم الاجتماعية والعشائرية، التي تطالب الطبيب بتعويضات مالية في حالة الخطأ في المعالجة الطبية، تفوق قدرته في الكثير من الأحيان.

ويرى الطبيب علي، صاحب من مستشفى بابل (100 كم جنوب بغداد)، أن الكثير من الأطباء يخشون إجراء العمليات الجراحية الحرجة، بسبب تعرّضهم للتهديد بالقتل في حالة فشل عملية ما.

علاقات خاطئة
في ظل سيادة الفوضى القانونية، ونقص الوعي بالحقوق والواجبات، يتضاءل دور الطبيب في علاج المرضى، وتصبح العملية مرتبطة بظروف سياسية واجتماعية، تفرز علاقات خاطئة بين الأطباء والمؤسسات الصحية من جانب، وبين المريض وأهله من جانب آخر.

في بعض الأحيان، تقود العمليات الجراحية إلى نتائج غير متوقعة، خارج إرادة الطبيب، الذي يسعى إلى شفاء المريض، لكن الذي يحدث هو أن أهالي المريض يرجعون سبب الوفاة إلى خطأ الطبيب، وليس إلى سبب آخر.

يقول المحامي إسماعيل السلطاني إنه حتى في الحالات، التي يخطأ فيها الطبيب، فإن هناك ضوابط وقوانين تحكم في ذلك.

ورغم أن الضوابط المعمول بها في المستشفيات العراقية واضحة، إذ تشترط موافقة المريض وأهله على إجراء العملية الجراحية، إلا أن ذلك لا يردع بعض العائلات عن تهديد الطبيب في ما إذا توفي المريض.

دفع الفدية
اضطر الطبيب حميد حسن في الديوانية (193 كلم جنوب بغداد) إلى دفع ما يعادل حوالى ثلاثين ألف دينار، كفدية، بعدما أدت عملية جراحية فاشلة أجراها إلى موت فتى في العاشرة من عمره.

ويقول حسن إن quot;الفصل العشائري كان هو الطريق لحل الإشكالquot;. ويتابع: quot;هذه الحادثة وحوادث أخرى مماثلة أنضجت في داخلي فكرة الهجرة إلى أوروباquot;.

وفي كل دول العالم، فإن أخطاء الأطباء في التشخيص والعمليات الجراحية أمر وارد جدًا، تحكمه أنظمة وقوانين، تحفظ حقوق كل من الطبيب والمريض.

وفي عام 2011 وحده، تلقى أكثر من عشرة أطباء تهديدات بالقتل من قبل جماعات مسلحة مجهولة الهوية، بحسب نقيب أطباء العراق، الدكتور ناظم عبد الحميد قاسم.

لكن الشيخ صلاح السلطاني من منطقة الشوملي (جنوب شرق بابل)، يرى أن هناك قوانين تحكم الحوادث، التي تنتج من أخطاء الأطباء، لكن الأعراف الاجتماعية والعشائرية، والجهل بالحقوق والواجبات، يعطّل هذه القوانين.

ويتابع:غالبية الناس تلجأ إلى الفصل العشائري، لأنه يحسم الأمر بسرعة، ويجعل التعويض المادي أمرًا متاحًا.

عصابات تبتز الأطباء
رغم انحسار الكثير من حوادث العنف، التي تهدد الأطباء في محافظات الوسط والجنوب، إلا أن حوادث قتل وتهديد الأطباء لاتزال جارية في ديالى والموصل، ففي الأسبوع الماضي، قال قائد شرطة نينوى (465 شمال بغداد) اللواء واثق الحمداني إن هناك عصابات تبتز الأطباء، وترهبهم في الموصل.

وبحسب أمين الجميلي، الطبيب الاختصاصي، فإن انتقاله إلى العيش في بغداد جاء نتيجة للتهديدات، التي يتعرّض لها الأطباء المتميزون في الموصل، والتي تطال ممتلكاتهم وأرواحهم.

وبحسب إحصاءات وزارة الصحة، فإن نحو عشرين ألف طبيب مناختصاصيي الكسور غادروا العراق منذ عام 2003. و تُقدر منظمة الصحة الدولية توافر أقل من 7 أطباء لكل عشرة آلاف من سكان العراق.

وفي عام 2005، ترك الدكتور سعد راهي عمله في ديالى (57 كم شمال بغداد) وهاجر إلى بابل، بسبب التهديدات. ورغم أن الوضع في بابل أحسن حالاً من الناحية الأمنية، لكنه يتوقع تهديدات أيضًا في أي لحظة.

يتذكر راهي معايشته إحدى الحالات الصعبة، حين اندفع مسلحون إلى ردهة مستشفى بعقوبة، ليطلقوا الرصاص على أحد المرضى، ويردوه قتيلاً، حيث تبين أن المريض كان أحد أفراد الميليشيات أيضًا.

ووسط ذهول الأطباء والكادر الصحي والمرضى، ترك المسلحون المريض جثة هامدة، وهددوا إدارة المستشفى بعدم إيواء أفراد جهة سياسية معينة.

حمايات شخصية للأطباء

بحسب راهي، فإن بعض الأطباء في المناطق المضطربة، وحتى في بغداد، يستعينون بحمايات من الأقرباء أو المعارف، مقابل مبالغ معينة، لتأمين وصولهم إلى منازلهم أو أماكن عملهم.

ويتابع: إضافة إلى ذلك، يضطر بعض الأطباء إلى تعاطي المهدئات والمسكرات، بغرض التخلّص من الضغوط النفسية للعمل، وخاصة في المستشفيات الحكومية.

ويضيف: يمثل العمل في المستشفيات الحكومية بالنسبة إلى الكثير من الأطباء صفقة خاسرة، في ظل التعامل مع مواطنين من مختلف المستويات الثقافية والاقتصادية والعلمية.

وتعرّض الطبيب حاكم حسين إلى الضرب من قبل أفراد أسرة، بعد خلاف حول معالجة مريض أدخل إلى غرفة الطوارئ في مستشفى بابل.

الحبوب المهدئة
أصبح تناول الحبوب المهدئة من قبل أطباء عراقيين أمرًا لا مفر منه، بسبب كثرة العمليات، التي تكون في غالب الأحيان فوق طاقة الإنسان.

ويقول حسين إن بعض الأطباء يضطرون إلى إجراء العمليات الجراحية تحت التهديد، ليصبح العمل في مثل هذه الظروف نوعاً من المجازفة. وهناك الكثير من الأطباء منحوا فدية لمرضى ماتوا بين أيديهم.

يؤدي نقص الكادر الطبي والإرهاق، الذي يصيب الطواقم الصحية من كثرة المهام، إلى زيادة احتمالية الأخطاء في التشخيص وفي العمليات الجراحية، في ظل ازدياد واضح للمرضى والمصابين من المواطنين في ظروف الانفجارات والأعمال الحربية وحوادث الطرق.

من أغرب الحالات، التي تحدث في بعض مستشفيات العراق، لجوء طبيب عراقي إلى تناول عقار quot;البثدينquot;، المهدأ، بسبب التوتر والحالة النفسية القلقة وضغوط العمل، التي تنتابه، حيث أصبح في نهاية الأمر مدمنًا، مما اضطره إلى اعتزال عمله.

وأصبح تناول المهدئات والتجارة بها في بعض أقسام الطوارئ في مستشفيات العراق أمرًا يحدث في وضح النهار، بل إن الكثير من الصيدليات الأهلية توفر المهدئات والأدوية المخدرة لأفراد يتاجرون بها، ويبيعونها إلى المدمنين وأفراد العصابات.

ميثاق شرف
وبسبب معاناة الكوادر الصحية من التهديدات، فإن وزارة الصحة وقّعت في عام 2011 ميثاق شرف مع جميع العشائر العراقية، يتضمن عدم تهديد الأطباء والكادر الصحي في حالة حدوث وفاة.

لكن الباحث الاجتماعي كريم حسن يقرّ بعدم جدوى ذلك، بسبب صعوبة السيطرة على الانفعالات الفردية، التي غالبًا ما تصاحب حوادث القتل أو الموت.