سيّاح أجانب في أحد المواقع السياحية في العراق |
بدأت مشاهد السائحين، تعيد الحياة إلى مختلف المناطق العراقية الأثرية بعد أعوام من انقطاعها، وشهد عام 2011 وصول وفود من السائحين من مختلف الدول الأوروبية وغيرها. إضافة إلى أن الاستثمار السياحي سيدرّ بالأرباح المادية على الدولة.
بغداد: لم يألف الباحث الأثري العراقي رحيم حسين منذ سنوات خلت، منظر سائحين أجانب يتجوّلون في مدينة بابل الأثرية (100 كم جنوب بغداد)، لكنه حين اقترب الأسبوع الماضي من مجموعة من السائحين، الذين يتكلمون اللغة الانكليزية ولغات أخرى، شعر بالفرح لمنظر غاب عن عينيه منذ كان صغيرًا.
واقترب رحيم من مجموعة السائحين، وألقى التحية عليهم، وحاورهم بلغة انكليزية مفهومة، حيث أبدى السائحون إعجابهم بالمدينة الأثرية، لكنه في قرارة نفسه لم يكن مسرورًا إلى حد كبير، بسبب الكثير من مظاهر الإهمال التي يلمسها زائرو المدينة.
ويشهد العراق منذ نحو سنوات تزايدًا في أعداد السائحين للمناطق الأثرية، إضافة إلى سياحة دينية إلى المدن المقدسة فاقت كل التوقعات.
أعداد محدودة
وشهد العام 2011 وصول أول وفد سياحي يضم 24 سائحًا من جنسيات فرنسية وأوروبية إلى محافظة ذي قار (375 كم جنوب العاصمة بغداد).
وبحسب رحيم، فإن السائحين كانوا ضمن وفد سياحي، نظمته شركة أهلية لزيارة آثار العراق التاريخية، لاسيما في بابل والناصرية وسامراء وبغداد.
وبحسب الخبير في تنظيم الجولات السياحية ليث العتابي (صاحب مكتب في الصالحية في بغداد) هناك تزايد في أعداد الوافدين للسياحة، لكن ذلك يرتبط إلى حد كبير بالوضع الأمني. ويتابع: مازالت الأعداد محدودة، قياسًا إلى المواقع التاريخية المهمّة في العراق.
عدا السياحة الدينية، التي شهدت تدفقًا مليونيًا على العراق، من الداخل والخارج، فإن سياحة الآثار التاريخية، مازالت في نطاق محدود.
وبحسب العتابي، فإن زيادة أعداد السائحين في المستقبل القريب يجب أن يرافقها تأهيل للبنية التحتية للسياحة، مثل الفنادق وأماكن الراحة والمتاحف والمرشدين السياحيين، وهذا ما لا يتوافر في الوقت الحاضر بصورة ملائمة.
ويرى الباحث الأثري محي حسين من بابل (100 كم جنوب بغداد) أن هناك حاجة ماسة إلى الاستعانة بالخبرات الأجنبية في تطوير هذا القطاع، عبر إرسال البعثات الدراسية، وإرسال العاملين إلى الخارج لاكتساب تجارب الدول المتقدمة في هذا المجال.
مناطق صحراوية
ويرى الخبير الأثري كمال حسن أن غالبية مناطق العراق الأثرية ما زالت عبارة عن مناطق صحراوية غير مؤهلة لتدفق سياحي كبير لانعدام أبسط أنواع الخدمات فيها، مطالبًا بأن يتولى القطاع الخاص مهام تنمية المواقع الأثرية، وأن تفتح الدول باب الاستثمار الخارجي والمحلي في تلك المناطق.
من وجهة نظر الخبير الاقتصادي منعم حاتم فإن الاستثمار في قطاع السياحة، يساهم في القضاء على البطالة، ويرفد الاقتصاد الوطني بالعملة الأجنبية، فضلاً عن المساهمة في خلق دعاية إيجابية للبلاد في أنحاء العالم.
يتابع حاتم: على الرغم من أن العراق يتوافر على مئات المتخرجين في علوم الآثار والسياحة والفندقية، إلا أن المؤسسات المعنية لم تستغل خبراتهم وعلومهم، فلم يجدوا فرصة العمل المناسبة، وظلوا عاطلين عن العمل طيلة عقود، بينما البلاد في أمس الحاجة إليهم.
ويقول خالد شعير، الذي درس سياحة المناطق التاريخية، إن تشكيل هيئات خاصة تتولى تطوير المناطق الأثرية سيعود بالنفع على البلاد، حيث سيوفر تدفق آلاف السائحين، والعملة الصعبة للخزينة الوطنية.
ويتابع: إذا أخذنا على سبيل المثال مصر والأردن، فإنها كانت إلى وقت قريب ضعيفة في مجال جذب السائحين، لكن الاستثمار الحكومي والخاص في هذا القطاع، وفر لتلك البلدان الكثير من العملة الصعبة.
أقدم المناطق التاريخية
ويضم العراق أقدم المناطق التاريخية والأماكن الدينية لمختلف الطوائف والأديان، مثل الكوفة والبصرة وسامراء وبغداد والناصرية والموصل وكربلاء والنجف وبابل ومناطق أخرى كثيرة.
ويتوجّه إلى السياحة الدينية في العراق سنويًا الآلاف من الحجاج والسياح من إيران والهند والبحرين وباكستان وتركيا والدول المجاورة الأخرى.
وبحسب أمين جياد، العامل في السياحة الدينية في النجف (160 كم جنوب بغداد) فإنغاللبية هؤلاء يشكون نقصًا فيالخدمات وارتجالية البرامج.
ويعزو جياد ذلك إلى قلة الخبرة العراقية في هذا المجال، إضافة إلى قلة اهتمام الدولة بهذا القطاع منذ عقود، واضطراب الأوضاع الأمنية، الذي يجعل السائح مترددًا في خوض تجربة زيارة العراق مرة أخرى.
تجربة باحث أثري
يتحدث الباحث الأثري عامر عبد الرزاق الزبيدي من دائرة آثار ذي قار، عن تجربته مع زيارة سائحين من الصين إلى مدينة أور في الناصرية، حيث قطعوا تسعة آلاف كم،و11 ساعة في الطائرة للإطلاع عن كثب على هذه المدينة التاريخية.
ويقول الزبيدي، إن الصينيين غالبًا ما يرددون في تجوالهم أنها بلاد سومر، ومرة أخرى بلاد بابل، ومرة أخرى يطلقون عليها اسم بلاد كلكامش، فغالبًا ما يتداولون هذه القصة في البيوت والمدارس في بلادهم.
ويتابع الزبيدي: طلب السائحون زيارة مدينة أور، وزقورتها الشامخة ومعابدها الجميلة ومقبرتها، التي هي آية من آيات الفن المعماري القديم، فصعدوا سلالم الزقورة وانتابتهم قشعريرة الموقف وقدسية المكان، فتلك السلالم ارتقى إليها أورنمو وشولكي وشبعاد وإيخندوانا ليرتقوا إلى معبدها العلوي.
ويضيف الزبيدي: ثم سرعان ما التقطوا الصور التذكارية عند معبد (دب ـ لال ـ ماخ). وتضم المنطقة أيضًا أطلال مدينة كرسو (تلو)، وهي العاصمة الدينية لمملكة لكش الواقعة شمال الناصرية، والتي استخرج منها الفرنسيون ثلاثين تمثالاً للملك كوديا مع آلاف الرقم المسمارية.
اندهاش السائحين
ويروي الزبيدي كيف أن الصينيين اندهشوا لعدم توافر خرائط، ومنشورات إرشادية ودعائية للمدينة الأثرية. في حين يمكن توفير الكثير من ذلك، مقابل ثمن يدفعه السائح، مما يعني أنه لن يعود بالربح على الجهات السياحية.
ولا يمكن لسائح أوروبي أن يتصور أن أقدم وأعظم المواقع الأثرية في العالم لا تحتوي على خرائط وكتيبات تعريفية.
وكانت مناطق العراق الأثرية استقبلت وفودًا سياحية بصورة متناوبة منذ عام 2011. وتشكل الوفد الصيني، الذي زار ذي قار، من سائحين يعملون في عدد من الوكالات الإخبارية الأجنبية، واستمرت رحلتهم ثمانية أيام.
وبحسب الزبيدي، فالوفد بدأ رحلته من آثار المدائن مرورًا بمدينتي كربلاء المقدسة والنجف الأشرف، إضافة إلى آثار بابل، ومن ثم آثار الوركاء. ويتابع الزبيدي رحلته مع السائحين الصينيين: ذهبنا إلى لكش (تل الهباء) في ناحية الدواية عبر طريق ترابي، وفي منتصف الطريق فوجئنا بمد أنبوب لأحد الفلاحين يقطع الطريق، فنزل الوفد الصيني من الشاحنة، واضطروا إلىركوب (البيكيب) لغرض الوصول إلى مقصدهم. ويتابع : يمكنك أن تتصور مدى صعوبة ذلك، بسبب نقص الخدمات وعدم وجود الخطط الكفيلة باستقبال الوافدين.
و لكش (الهباء) هي أكبر موقع أثري في الشرق الأوسط، حيث يبلغ محيطة خمسة وعشرين كيلو متر مربع (25 كم مربع).
نصف مليون زائر
وروت السائحة الصينية (واي واي) للزبيدي بأن حضارة وادي الرافدين هي أقدم من حضارة الصين بألف عام، وquot;نحن نعتزّ بأننا نزور أقدم حضارة إنسانيةquot;.
الجدير بالذكر أن العراق استقبل خلال الأشهر الثلاثة الماضية نحو نصف مليون زائر أجنبي لزيارة المراكز الدينية، حيث بلغت واردات العراق من ذلك نحو ثلاثمائة مليون دولار أميركي، وفقاً لاستبيان قامت به الهيئة السياحة العراقية.
التعليقات