يشدّد بوجمعة غشير، رئيس الرابطة الجزائرية لحقوق الإنسان، على أنّ مهاجمة المتظاهرين المسالمين في مصر حاليا quot;جريمةquot; تتنافى مع الأخلاقيات الإنسانية والمواثيق الحقوقية، وتدينها القوانين وتعاقب مرتكبيها. في الشأن الجزائري، يقلّل الحقوقي غشير من انعكاسات التزام الرئيس عبد العزيز بوتفليقة برفع الطوارئ قريبا، ويركّز غشير على أنّ الخطوة مبتورة وغير كافية في بلد بحاجة إلى إصلاحات دستوريّة وسياسيّة واقتصاديّة عميقة.


يؤيد quot;بوجمعة غشيرquot; رئيس الرابطة الجزائرية لحقوق الإنسان في تصريحات خاصة بـquot;إيلافquot;، الحراك الشعبي الحاصل في مصر منذ 25 كانون ثاني quot;ينايرquot;، ويراه تطورا طبيعيا لمطالب شعبية حزبية حقوقية جرى رفعها منذ سنوات عديدة.

وبشأن ملاحظاته حيال ما يطبع الاضطرابات، يدين غشير طريقة التعامل الأمنيّ المصريّ مع المحتجين، ويجزم أنّ التعرّض إلى اعتصامات ومسيرات سلمية يتنافى مع كل الأخلاقيات والأعراف ومن شأنه أن يسفر عن انزلاق أخطر قد يكون quot;حربا أهليةquot;.

ويذهب مسؤول الرابطة الجزائرية لحقوق الإنسان، إلى اعتبار العنف، حملات السلب والنهب والترويع، وما تزامن معها من استخدام مثير للجمال والخيول والهراوات، وكذا إطلاق الرصاص الحي ضدّ مدنيين عزل تظاهروا بشكل سلمي حضاري، هي بمثابة quot;جرائم مدانةquot; ينبغي رفعها إلى القضاء المصري لا الدولي، لأنّها لا ترقى بحسبه إلى مرتبة جرائم ضدّ الإنسانية.

بيد أنّ بوجمعة غشير يلفت إلى المسؤولية الجسيمة التي يتحملها الأمن المصري في وضع كهذا، لأنّ الجميع يتساءل عن الكيفية التي وصلت بها الجمال والخيول إلى ميدان التحرير وسبب إحجام أعوان الأمن عن صدّها، فضلا عن ملابسات رشق المتظاهرين المسالمين بالحجارة وقنابل المولوتوف وإشهار الأسلحة البيضاء على مستوى كوبري السادس أكتوبر، وصولا إلى فتح أعيرة نارية عليهم، إضافة إلى إقدام سيارات الشرطة على دهس مدنيين في قلب القاهرة، هي محاذير تجرّم مرتكبيها خصوصا وأنّها مدعومة بالصور والشهادات التي بثتها الفضائيات.

وبشأن إمكانية تحريك مبادرات حقوقية لملاحقة المسؤولين عن التجاوزات التي حدثت بحق المصريين المحتجين، ذكر غشير أنّ الحقوقيين الجزائريين على اتصال دائم مع إخوانهم في مصر، ويقومون بتمرير معلومات مهمة في ظل الحصار المفروض.

ويسجل المحامي الجزائري البارز أنّ التعاون الحاصل ليس وليد الهبة الشعبية العارمة في مصر، بل يعود إلى سنوات سابقة تمّ خلالها تفعيل الجهود مع حقوقيين ليس من مصر فحسب، بل كذلك من دول أخرى في سياق تفاعلي مع كل ما يجري في العالم العربي، ويلاحظ الحقوقي الجزائري أنّ اجتماعات احتضنتها مدينتا الدار البيضاء والرباط قبل شهر، جرى في أعقابها توجيه نداء إلى جميع الزعماء العرب لإجراء إصلاحات سياسية واقتصادية تلافيا لتداعيات الاحتقان الاجتماعي وانتفاضات الشارع العربي.

استمرار النظام الجزائري كما هو سيفرز دكتاتورية وحكما فرديا

في معرض تعليقه عن تعهّد الرئيس الجزائري quot;عبد العزيز بوتفليقةquot;، الخميس، إيقاف العمل بحالة الطوارئ عما قريب بعد 19 عاما من سريانها في البلاد، لا يبدي quot;بوجمعة غشيرquot; حماسا، ويعتبر خرجة بوتفليقة دون مستوى مطالبات جمهور الحقوقيين والسياسيين الجزائريين.

وباستياء شديد، يلاحظ غشير أنّ النظام الجزائري استطاع بطريقة ما، أن يركّز النقاش السياسي على حال الطوارئ فقط، واختزال الوضع المحلي ككل في تلك الحالة، رغم أنّ الطوارئ المعمول بها منذ التاسع شباط/فيفري 1992، هي عائق ولا يمكنها التعمية على كل العوائق.

ويلح رئيس الرابطة الجزائرية لحقوق الإنسان على أنّ الإعلان عن إسقاط وشيك لحال الطوارئ، يبقى شيئا جيدا لكنه غير كاف، مشددا على حاجة الجزائر الماسة إلى إصلاحات دستورية تحدد ماهية النظام السياسي الجزائري الذي يتميّز بكونه نظاما هجينا غير واضح المعالم.

وبمنظور غشير، لا بدّ من إعادة النظر في التوازن بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، وتحديد صلاحيات غرفتي البرلمان، فضلا عن حساسية تحديد الهوية الجزائرية في ظل بروز اتجاهات متعددة للمجتمع الجزائري، رغم قيام السلطات في ربيع 2002 بترسيم الأمازيغية وإقحامها كأحد مكونات الهوية الوطنية.

ويجزم غشير أيضا بأهمية ضبط العلاقة بين الدين والسياسة من خلال نقاش مجتمعي نخبوي شامل، وإزالة التداخل بينهما عبر إيجاد صياغة مغايرة لما يحدث حاليا، ودعوات البعض إلى علمانية تستبعد الدين عن أي توظيفات سياسية.

كما يدعو الحقوقي الجزائري إلى توخي إصلاحات مؤسساتية، وذاك يقتضي بحسبه حل البرلمان الحالي وإجراء انتخابات حرة، منبّها إلى أنّ النظام الرئاسي بشكله الحالي الذي استحدثه الرئيس، والقائم على برلمان ضعيف، سيؤدي في حال استمراره إلى دكتاتورية وهيمنة الحكم الفردي.

وينادي رئيس الرابطة الحقوقية غير الحكومية، بتكريس انفتاح سياسي عام وإزالة الائتلاف الحاكم الذي يضمّ أحزاب (جبهة التحرير ndash; التجمع الديمقراطي وحركة مجتمع السلم)، ويشرح محدثنا:quot;الأحزاب الثلاثة تنتمي إلى العائلة الإيديولوجية نفسها، وستؤدي بهذا النسق إلى تجميد الحركية السياسية في الجزائرquot;.

ويوعز غشير أنّ هذا الائتلاف الذي نشأ قبل سبع سنوات، هو بمثابة شكل جديد لحزب واحد برؤوس متعددة، تماما مثل الذي كانت تشهده جبهة التحرير إبان وضعها القديم قبيل اعتماد الجزائر لخيار التعددية إثر الذي حدث في الخامس تشرين الأول/أكتوبر 1988.

ولا ينأى غشير بالمنظومة الاقتصادية المحلية عن أفقيات الوضع العام، حيث يؤكد ضرورة مباشرة إصلاحات اقتصادية، وإنقاذ قاطرة الاقتصاد الجزائري من أيادي المضاربين، وتحريره من هيمنة مسؤولين متنفذين في السلطة يوظفون الأسماء المستعارة لبسط نفوذهم في مختلف مناحي الاقتصاد.