وجهت أكثر من ألف عائلة عراقية عالقة في مدن ليبية مختلفة نداءات استغاثة للحكومة العراقية باتخاذ خطوة فورية فعلية لإجلائهم من ليبيا مع ضمان إكمال أبنائهم دراستهم في الاختصاصات التي كانوا يدرسونها في الجامعات الليبية خشية من ضياع مستقبلهم في حال العودة إلى العراق.
بغداد: مع ازدياد التوتر الأمني في ليبيا وتصاعد الهجمات المسلحة التي يشنّها العقيد معمّر القذافي ضد أبناء شعبه، الذي يطالبه بالتنحّي، فإن مصير أكثر من ألف عائلة عراقية مقيمة في مدن مختلفة في ليبيا يبقى مجهولاً.
وجدد هؤلاء العراقيون في طرابلس والجفرة وهون وبنغازي وسرت وغيرها نداءات الاستغاثة التي وجهوها الى الحكومة العراقية ومجلس النواب لإعادتهم إلى الوطن وتأمين حياتهم بعد العودة عن طريق اتخاذ خطوة واضحة وناجعة لضمان سلامتهم.
مناشدات للإجلاء
وفي الوقت الذي أعلنت فيه وزارة النقل العراقية قبل أكثر من أسبوعين عن إرسال طائرة عراقية الى ليبيا لإعادة العراقيين المقيمين هناك إلى وطنهم الأم، إلا أن مئات من العائلات العراقية العالقة في ليبيا أطلقت مناشدات بعد تقطع السبل بهم لعدم قدرتهممغادرة المدن والمناطق الموجودين فيها خوفاً من التعرض للقتل، ولتعذر التنقل بيسر وسهولة بين المدن الليبية، إضافة إلى عدم وجود مواصلات للتنقل بها.
ويعاني العراقيون المقيمون في ليبيا العديد من المشاكل، اهمها عدم قدرتهم على العودة الى وطنهم، إضافة إلى غموض مصيرهم في حال تمكنوا من العودة فعليًا الى العراق، ناهيك عن الرقابة الصارمة التي تفرضها السلطات الحكومية التابعة للقذافي على وسائل الاتصال.
رقابة على الانترنت والنقال
ومنذ اندلاع الثورة الشعبية في ليبيا، لجأت السلطات الحكومية هناك الى اتخاذ تدابير مقيدة مشددة على وسائل الاتصال خصوصا الانترنت والاتصالات الخلوية.
فلا يستطيع العراقيون المقيمون في ليبيا التواصل مع ذويهم في العراق كما في السابق، حيث أصبحوا يلجأون الى اختصار الحديث، والتركيز على ان كل شيء بخير في ليبيا، وان الله سينصر القذافي على شعبه.
وقال أحمد عبيد مدرس متقاعد لـquot;إيلافquot; إنه دأب على التواصل عبر الانترنت وبشكل يومي تقريباً مع ابنه وعائلته المقيمة في ليبيا منذ أكثر من 9 أعوام تقريبًا، حيث اعتادا على الحديث في كل شيء حول السياسة الحياة في ليبيا، نظام الحكم والناس والخ من أحاديث خاصة، إلا أن تلك لأحاديث تغيرت جملة وتفصيلاً بعد الثورة الشعبية الليبية، حيث اصبح الكلام في ما بينهم مختصرًا فقط على الاطمئنان إلى سلامة العائلة في ليبيا.
ولفت عبيد الى ان ابنه طلب منه عبر quot;الموبايلquot; ان لا يتحدث بأي سوء عن القذافي او ما يفعله في حق شعبه اليوم لأن الانترنت يخضع إلى المراقبة، وان تفوه أحد ما بكلام ضد السلطة فإن مصيره قد يصبح مجهولاً، لهذا فإن الأب وعائلته يعمدون الى مدح القذافي عبر أحادثيهم على الانترنت خوفًا من اتهامهم بالخيانة أو التعرّض لنظام الحكم في ليبيا.
ويناشد اهالي العراقيين المقيمين في ليبيا الحكومة العراقية متمثلة في رئيس الحكومة نوري الملاكي ومجلس النواب بإرسال طائرات عراقية لإجلاء الرعايا العراقيين من ليبيا، أسوة بما فعلته حكومات دول العالم التي وضعت الاولوية لسلامة رعاياها وإجلائهم من ليبيا.
فتقول سلمى (ام محمد) معلمة عادت إلى العراق من اجل إكمال معاملات إعادة تعيينها بغية إعادة عائلتها إلى العراقquot; عشت في ليبيا لمدة 10 أعوام، وعدت إلى الوطن قبل 7 أشهر بقصد ترويجمعاملة إعادة تعييني كمعلمة في العراق، وهي خطوة أولى نحو إعادة عائلتي المكونة من ولدي وزوجي، اللذين بقيا في ليبيا.
وتواصل quot;ابني الكبير محمد طالب في السنة الاولى في كلية الطب في جامعة سرت. اما ابني عمر فهو طالب في السنة الأخيرةمن المرحلة الثانوية في مدينة الجفرة، ومنذ ان بدات احداث ليبيا وانا أعاني انهيارًا نفسيًا وعصبيا لقلة حيلتي وعدم قدرتي على إعادة عائلتي، خصوصا وان الخوف يتأكلني في كل لحظة خشية من قتلهما على ايدي هذه الجهة او تلك.
ولفتت أم محمد إلى ان ولدها محمد مازال عالقًا في مدينة سرت، ولا يستطيع العودة الى عائلته في الجفرة، بسبب تردي الوضع،وقالت quot;ابني محمد مازال عالقا في مدينة سرت ولا يستطيع العودة الى مدينة الجفرة، حيث بقية العائلة، وعلى الرغم من ان غالبية الطلبة والأجانب قد تمكنوا من إيجاد طريقة وعادوا إلى أوطانهم، إلا ان الطلبة العراقيين لم يتمكنوا من مغادرة المدينة لخوفهم من القتل او الاعتداءات، خصوصا ان الوضع خارج السيطرةquot;.
جفاء وتعالي مسؤولي القنصلية العراقية في طرابلس
هذا ويشكو العراقيون بشدة من القنصلية العراقية في ليبيا وموظفيها وتعاملهم غير الانساني مع العراقيين المقيمين في ليبيا وإغلاق أبواب القنصلية بوجوههم وعدم مدّ يد المساعدة لهم، خصوصًا مع اشتداد القصف العسكري الحكومي ضد المدنيين الليبيين في بنغازي واستهداف المواطنين في المدن الليبية الأخرى.
ولفتت أممجد (مدرسة)إلى أنها عادت قبل 3 أشهر إلى العراق لترتيب أوضاع العودة تمهيدًا لإعادة عائلتها من ليبيا بعد ازدياد التضييق على العراقيين هناك، وعدم منحهم الإقامة. وقالت quot;ابقيت أولادي الخمسة في ليبيا لينهوا سنتهم الجامعية الاولى في الطب والهندسة، حيث خططت إلى نقلهم عند انتهاء الفصل الدراسي الى العراق، لكنني مصدومة الآن لانقطاع السبل بنا، فنحن لا نستطيع إعادة أولادنا وعائلاتنا، خصوصا وأن القنصلية العراقية في ليبيا تتعامل بجفاء وتعال بالغ مع العراقيينquot;.
واضافت ام مجد انها اتصلت بابنها طالب السنة الاولى في كلية الطب في جامعة سرت، وألحّت عليه ليتصل بالقنصلية العراقية في ليبيا لترتيب إعادتهم إلى العراق.
وبعد محاولات ابنها المضنية لتأمين اتصال مع القنصلية تمكن في اليوم الثالث من التحدث مع احد الموظفين الذي رد عليه بجفاء قائلاً إنه من المؤمل مجيء طائرة في الأيام المقبلة إلى طرابلس، وعلى العراقيين ترتيب أمورهم بأنفسهم لتأمين وصولهم إلى المطار.
حاول الطالب مجد ان يشرح للموظف ان بعض الطلاب حاولوا فعلاً مغادرة الجامعة في مدينة سرت، الا انهم تعرضوا لإطلاق رصاص من مجهولين، وان بعضهم أصيب بجروح خطرة، لكن الموظف أحجم عن الإصغاء، وقطع الاتصال، وأغلق هاتف القنصلية تاركًا مجد وزملاءه في مواجهة المجهول.
من جانبه أكد جواد الماشطة (أستاذ جامعي متقاعد) تعاليوعدم مبالاةموظفي القنصلية العراقية بشؤون رعاياهم في ليبيا، وقال quot;ابنتي طبيبة في منطقة الجفرة، ولم اعد استطيع التواصل معها منذ اندلاع التصادمات الدامية بين قوات القذافي والشعبquot;.
وأضاف quot;أخبرتني ابنتي أنها اتصلت بالقنصلية العراقية طلبًا للمساعدة في إعادتها وعائلتها وبقية العائلات العراقية في الجفرةإلى العراق وترتيب تفاصيل نقلهم وتأمين وصولهم إلى القنصلية او المطار، خصوصًا أنهم لا يستطيعون مغادرة منطقتهم بسبب الفراغ الأمني والخوف من التعرض للقتل والمضايقة، لكن القنصلية أبلغتهم بعدم مسؤوليتها عن نقل وتأمين وصول العراقيين إلى المطار، وعدم السعي إلى ترتيب الأوراق الرسمية المتعلقة بنقلهم من ليبيا إلى العراق.
واختتم الماشطة بالتساؤل quot;غالبية العراقيين عالقين الآن في ليبيا، فلا القنصلية تتدخل لدى السلطات الليبية للمساعدة ولتأمين نقل الرعايا العراقيين وجمعهم في القنصلية تمهيدًا لإعادتهم إلى العراق، ولا تسعى إلى إنجاز الوثائق والمستمسكات الرسميةالمترتبة عند عودتهم إلى العراق للالتحاق بالجامعات او المهن التي كانوا يمارسونها في ليبيا.
مناشدات لوزير التعليم العالي
إضافةإلى تقطع السبل بالعراقيين المقيمين في ليبيا وعدم قدرتهم على العودة إلى الوطن بسبب عدم بذل الحكومة العراقية أية جهود، سواء كانت دبلوماسية او سياسية، لإعادة رعاياها، فإنالعراقيين العالقين في ليبيا يواجهون مشكلة أخرى، لا تقل خطورة عن فقدانهم حياتهم، تتعلق بمستقبل أولادهم الدارسين في الجامعات الليبية، حيثيخشى الطلبة العراقيون المقيمون في ليبيافي حال تمكنوا من العودة من ضياع مصيرهم ومستقبلهم في العراق لعدم معرفتهم ان كانوا سيتمكنون إكمال دراستهمفي الاختصاصات نفسهاالتي افنوا حياتهم في دراستها.
تقول ام هاني quot;يرعبني التفكير بمستقبل أولادي، ان عادوا الى العراق، حيث ان ابني طالب في السنة الثانية من كلية الهندسة، وابنتي طالبة في السنة الأخيرةالثانوية التمهيدية لدراسة الطب، وأخشى عند عودتهم إلى العراق من ان تعيدهم وزارة التعليم العالي إلى الدراسة في موقع ادنى في معهد مااو أكاديمية.
وتابعت quot;الدراسة في ليبيا مختلفة عنها في العراق، إذ يعتمدون نظام السيمنستر، حيث أكمل ابني دراسته الثانوية في اختصاص الهندسة، وحصل على معدل أهّله لدخول كلية الهندسة، وكذا الحال بالنسبة إلى ابنتي التي تدرس الآن في السنة الأخيرة في الثانوية بالتخصص الطبي أملاً في دخول كلية الطب بعد قرابة 3 اشهر.
ولفتت ام هاني الى ان المسؤولين عن التعليم في الحكومة العراقية يبدو وكأنهم غير مكترثين نهائيا بمستقبل ابنائنا وبناتنا ومستقبلهم المهني، ففي الوقت الذي رتبت الدول الأخرى أمور طلابها الذين كانوا يدرسون في ليبيا في بلدانهم الأم وأمّنت لهم إكمال دراستهم في الاختصاصات عينها، فإن المسؤولين العراقيين في وزارة التعليم لم يظهروا ادنى اهتمام بهذا الجانب، اذ لم يصدر أي تصريح من أي مسؤول صغيرًا كان أو كبيرًا، لطمأنة الطلبة العراقيين في ليبيا وإشعارهم بأن الحكومة العراقية تذلل المعوقات، وتؤمّن لهم مستقبلهم الذين تغربوا وذاقوا الويل من اجل تأمينه.
واختتمت بالقول quot;أناشد وزير التعليم العالي في الحكومة العراقية ان يصدر تصريحًا رسميًا فوريًا يضمن لكل الطلبة العراقيين الذين سيعودون إلى العراق بإكمال دراستهم في الاختصاصات والكليات التي كانوا يدرسون فيها في ليبيا، ولن نسامحه او نسامح أي مسؤول عراقي يساهم في طمس مستقبل أولادنا، خصوصا وأننا تغرّبنا وتجرّعنا المرّ لأجل أولادنا وبناتنا وضمان مستقبل كريم لهم.
من جانبه قال صفاء سلمان (ماجستير علوم حياة) quot;بعد ايام قليلة من عودتي إلى العراق اندلعت الأوضاع الدامية في ليبيا، الأمر الذي يشعرني بالعجز عن مساعدة عائلتي، حيث بقيت زوجتي وأولاديالخمسة في ليبيا.
وأضاف quot;طوال الفترة الماضية حاولت طرق أبواب وزارة التعليم العالي في العراق من اجل معرفة مصير أولادي الذين يدرسون في الجامعات الليبية عند عودتهم إلى العراق، لكن المشكلة الرئيسة التي أواجهها ويواجههاالعراقيون الذين يراجعون الوزارة في هذا الشأن هي أن موقف المسؤولين غريب جدًا، فهم يظهرون الصمت وعدم المبالاة وحتى الآن لم نجد إجابة شفافة وصريحة عن مصير أولادنا ومستقبلهم الدراسي.
واختتم سلمان حديثه بالتعبير عن حيرة العراقيين المقيمين في ليبيا وقلقهم وتردهمحيال العودة او البقاء في ليبيا وتعريض حياتهم للموت في لحظة قائلا quot;الغموض والتشاؤم يسود مصير أولادنا ومستقبلهم، فبين الخوف على حياتهم وعدم ضمان الإبقاء على حياتهم بسبب القصف الجوي والتوتر الأمني والصراع الدموي في ليبيا وبين العودة الى العراق، حيث المستقبل يكاد يكون معدومًا، فلا تسهيلات تم تقديمها، ولا تطمينات حكومية رسمية بخصوص إكمال أولادنا دراستهم بالاختصاصات التي يدرسونها الآن في ليبيا، وضمان مستقبلهم وحياتهم الذي عملنا بكد ومشقة من اجل تأمين الحصول عليه، وأفنيننا أعمارنا في سبيل تحقيقه لهم.
وقال سلمان quot;حياة أولادنا وبناتنا العالقين في ليبيا في ذمة مجلس النواب والحكومة العراقية ووزارة التعليم العالي، ولن يكلفهم شيئًا إن أعادوا أولادناوضمنوا لهم إكمال دراستهم في الاختصاصات نفسها، وعلى الحكومة والمجلس أن يؤديا واجبهما تجاه المواطنين العراقيين، ولن نسامحهم ان حدث شيئًا مسيئًا لاسمح الله.
التعليقات