أثارت الاعتقالات التي قامت بها الحكومة البريطانية مؤخرا ضد المحتجين البريطانيين تساؤلات عدة حول تضارب عقل الحكومة البريطانية في التعامل مع الأحداث المتشابهة الداخلية والخارجية واحتمال إصابتها بمرض quot;الشيزوفرينياquot;.
دبي: في الوقت الذي طالبت فيه بريطانيا دول الخليج العربي بضرورة احترام حقوق الإنسان والانصياع لرغبات الشعوب إبّان تسونامي الاحتجاجات الشعبية الذي ضرب منطقة الخليج في الآونة الأخيرة قامت الشرطة البريطانية بالتعامل العنيف واستخدام القوة المفرطة مع التظاهرات السلمية التي نظمها الشعب البريطاني المحتج ضد سياسات حكومة كاميرون.
وتعاطت الحكومة البريطانية بتناقض شديد بين موقفها من تظاهرات شعوب الخليج والتظاهرات التي جرت في لندن السبت الماضي.
ففي أثناء الاحتجاجات الشعبية التي جرت في بعض الدول الخليجية سارعت بريطانيا إلى التنديد باستخدام أجهزة الأمن للقوة والعنف ضد المتظاهرين في البحرين واليمن وسلطنة عمان كما أبدت عدم رضاها عن إرسال السعودية والإمارات لقوات درع الجزيرة إلى البحرين من ناحية، وعدم سماح الشرطة السعودية للمواطنين بتنظيم تظاهرات احتجاج للمطالبة بالإصلاح في المملكة من ناحية أخرى.
وطالبت العرب بضرورة الحوار مع المعارضة واحترام حقوق الإنسان وتطبيق الديمقراطية. وفي المقابل قامت الشرطة البريطانية باعتقال أكثر من مئتي شخص قاموا برشقها بالقوارير خلال تظاهرة للاحتجاج على سياسة الحكومة، وشارك فيها أكثر من 250 ألف شخص في لندن.
ومن جهتها قالت الشرطة البريطانية quot;إنها اعتقلت 214 شخصا على الأقل وجرح حوالى 84 عندما كانت مجموعة إجرامية صغيرة باقتحام الحشد الذي كان الأكبر في العاصمة البريطانية منذ التظاهرات ضد الحرب على العراق عام 2003quot;.
وتسببت الاشتباكات في تحويل الأنظار عن المسيرة السلمية التي نظمها العاملون في القطاع الصحي ورجال الإطفاء والمدرسون وعائلاتهم بمن فيهم الأطفال للتعبير عن معارضتهم لإجراءات التقشف التي أقرها التحالف الحكومي بقيادة رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون.
وتقول النقابات البريطانية إن الإجراءات الحكومية مجحفة ومتسرعة وغير مفيدة اقتصاديا وتنسف النمو المستقبلي وتزيد من بؤس الملايين من عامة الشعب في وقت ارتفعت فيه البطالة إلى أعلى مستوى لها منذ عام 1994.
ازدواجية حقوق الإنسان
على الرغم من أن بريطانيا ظلت تطالب ولعقود طويلة بضرورة احترام حقوق الإنسان في العالمإلا أنّها تعد من أكثر دول العالم انتهاكا لحقوق الإنسان وهو ما برز جليا خلال غزوها المشترك مع الولايات المتحدة الأميركية للعراق عام 2003 . إضافة إلى ما وقع مؤخرا من حملة اعتقالات عنيفة للمتظاهرين.
والأمر الغريب أنها شاركت في بعض الحروب تحت مسمى حماية حقوق الإنسان ولكنها في الوقت نفسه ارتكبت جرائم بشعة في حق الإنسانية. واخر تلك الحروب مشاركة الطيران العسكري البريطاني في التحالف الدولي لضرب قوات القذافي وفرض حظر جوي على ليبيا لحماية الثوار الليبيين المحتجين ضد نظام القذافي كما هو معلن. وعلى النقيض قامت الشرطة البريطانية باعتقال المئات من الشعب البريطاني المحتج ضد الحكومة.
وقد تدنت مكانة بريطانيا كثيرا لدي الرأي العام العالمي كثيرا في السنوات الأخيرة كما أن إستراتيجيتهم قد واجهت الفشل وسبب ذلك يعود إلى أنهم حولوا حقوق الإنسان الى أداة للدفاع عن الإرهابيين والمنافقين. ومن الواضح أن بريطانيا تريد التستر على إخفاقاتها ومشاكلها الداخلية من خلال آثاره مزاعم خارجية بشأن أوضاع حقوق الإنسان في سائر دول العالم.
وتعد الحكومة البريطانية وعلى غرار الحكومة الأميركية من أكثر الحكومات انتهاكا لحقوق الإنسان في العالم حيث إن أيدي الساسة في أميركا و بريطانيا ملطخة بدماء عشرات الآلاف من أبناء الشعب العراقي والأفغاني و سائر دول العالم، كما أنهم شركاء في الجرائم التي ترتكبها إسرائيل في فلسطين.
انتهاكات خطرة
وكانت منظمة العفو الدولية قد اتهمت الحكومة البريطانية العام الماضي بالتورط في قائمة من الانتهاكات الخطرة لحقوق الإنسان منذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر على الولايات المتحدة وإطلاق إيديولوجيا الحرب على الإرهاب.
ولفت التقرير الذي أصدرته المنظمة الدولية ويتضمن إدانة شديدة لسجل بريطانيا في مجال حقوق الإنسان والذي يعد الأقوى ضد بريطانيا منذ زمن طويل إلى أن هناك أدلة مؤكدة وذات مصداقية تثبت أن الحكومة البريطانية متورطة في أعمال تعذيب وعمليات اعتقال غير قانونية بالإضافة إلى عمليات تسليم معتقلين سرية وإخفاء والتغطية على شكاوى الضحايا وعلى أدلة تثبت وقوع أعمال تعذيب. وأضافت المنظمة في تقريرها أن لديها براهين جازمة تثبت تورط بريطانيا في انتهاكات خطرة لحقوق الإنسان ارتكبت ضد أشخاص خارج بريطانيا منذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر.
ومن جانبها أشارت صحيفة quot;الغارديانquot; البريطانية إلى أنه ومنذ بروز الاتهامات ضد بريطانيا بالتورط في هذه الانتهاكات في إطار ما يدعى بالحرب على quot;الإرهابquot; في وسائل الإعلام والمحاكم البريطانية ، بدأ ضباط الاستخبارات البريطانية يتحدثون سرا عن أزمة يواجهونها مع العالم بعد هجمات 11سبتمبر.
وبرر مدير جهاز الاستخبارات البريطاني quot;ام اَي 5quot; جوناثان ايفانز في خطاب في أكتوبر من عام 2009 تورط بريطانيا في هذه الانتهاكات بالقول إن جهازه كان سيجازف بأن يصبح مهملاً ومهجوراً وبعيداً عن الأحداث لو انه لم يعتمد في الحصول على المعلومات الاستخباراتية على وكالات استخبارات حول العالم معروفة بضعف سجلها في ما يتعلق بحقوق الإنسان بهدف حماية حياة البريطانيين.
وأشارت quot;الغارديانquot; إلى أنه ولدى مواجهتهم بالدلائل على صدق الاتهامات الموجهة لبريطانيا بالتورط في التعذيب، سعى الوزراء والمسؤولون البريطانيون إلى إنكار ذلك وإطلاق تصريحات نفي واهية مع تفادي الخوض في الاتهامات أو الرد عليها.
وتجدر الإشارة إلى أن تقرير العفو الدولية جاء بعد نحو 24 ساعة من قيام تحالف من منظمات حقوق الإنسان الدولية يضم منظمتا quot;هيومان رايتس ووتشquot; وquot;الحرية والإنقاذquot; بجانب quot;العفو الدولية quot; ونواب من كافة الأحزاب البريطانية بكتابة رسالة مشتركة الى وسائل الإعلام البريطانية يطالبون فيها بإجراء تحقيق مستقل في دور بريطانيا في عمليات تعذيب وتسليم معتقلين.
التعليقات