توقعت غالبيّة قراء quot;إيلافquot; المشاركة في الاستفتاء الأسبوعي، عدم صدور حكم الإعدام بحق الرئيس المصري السابق حسني مبارك، فيما أكد قضاة رفيعو المستوى أن قانون العقوبات يعاقب بالإعدام على تهمة التحريض على القتل، وهي التهمة التي يحاكم فيها مبارك، غير أنهم لم يستبعدوا تخفيف الحكم أو العفو عنه.


رسم بيانيّ لنتائج استفتاء إيلاف الأسبوعيّ

القاهرة: يخضع الرئيس المصري السابق حسني مبارك للتحقيق في تهم عدة، منها الفساد وسوء استغلال منصبه في تكوين ثروات ضخمة، بالإضافة إلى اتهامه بإصدار أوامر بإطلاق النار على المتظاهرين خلال ثورة 25 يناير التي أطاحت به من على سدة حكم دام نحو 30 عاماً.

ورغم أن قانون العقوبات المصري يعاقب المُدان في الاتهام الأخير بالإعدام إلا أن غالبية قراء quot;إيلافquot; الذين صوتوا في الإستفتاء الإسبوعي لم يتوقعوا صدور حكم كهذا بحق مبارك، وبلغت نسبتهم 76.74% من المشاركين، فيما توقع 23.26% من المصوتين إدانة مبارك والحكم ضده بالإعدام.

وكان السؤال المطروح في الإستفتاء هو quot;هل تتوقع صدور حكم بإعدام مبارك؟quot;، وشارك فيه 9687 قارئاً، 7434 صوتا بـquot;لاquot;، وتبلغ نسبتهم 76.74%، فيما صوت 2253 قارئاً بquot;نعمquot;، بما يعادل 23.26% من إجمالي المشاركين.

وتأتي نتائج الاستفتاء متسقة إلى حد كبير مع ما ذهب إليه العديد من مسؤولي القضاء المصري والقانونيين، الذين تحدثت إليهم quot;إيلافquot;، حيث أكدوا أنه رغم أن قانون العقوبات المصري، ينص على أن مبارك سوف يعاقب بالإعدام شنقاً في حالة إدانته بإصدار أوامر بقتل المتظاهرين الذين شاركوا في ثورة 25 يناير، إلا أن القانون نفسه يمنح المحكمة سلطة تخفيف عقوبة المحرّض والنزول بها من الإعدام إلى الأشغال الشاقة المؤبدة أو الموقتة، في ضوء تقدير القاضي الشخصي للأدلة وظروف وملابسات الجريمة محل التحقيق، والظروف النفسية لمرتكبها، فضلاً عن مراعاة ظروف كبار السن ممن هم في مثل حالة مبارك.

لا حصانة لمبارك

وقال المستشار السيد عبد العزيز عمر رئيس محكمة استئناف القاهرة التي تضم 60 دائرة جنائية، و يحاكم أمامها رموز النظام السابق، وسوف يقف أمامها الرئيس السابق حسني مبارك أيضاً، لـquot;إيلافquot; إن قانون العقوبات المصري يضع عدة مستويات لجريمة القتل، أعلاها جريمة القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد، حيث يعاقب عليها بالإعدام شنقاً، ويعاقب المشترك في الجريمة بالعقوبة نفسها التي عاقب بها الفاعل الأصلي، سواء كان الإشتراك بالتحريض أو الإشتراك في التخطيط والتنفيذ أو من خلال إصدار أمر من رئيس إلى مرؤوس، وأوضح عمر أن جريمة القتل إذا كانت مقرونة بالعمد من دون سبق الإصرار والترصد يعاقب الفاعل والمحرض بالسجن مع الأشغال الشاقة الموقتة التي تتراوح ما بين 3 و 15 سنة والأشغال الشاقة المؤبدة.

وأضاف عمر أن القانون أعطى سلطة تقديرية للقاضي في كل قضية ينظرها، وتتمثل السلطة التقديرية في عدة أوجه منها تقدير ظروف وملابسات الجريمة، وتقدير الحالة النفسية للمتهم، وتقدير الأدلة والقرائن. وفي النهاية يصدر حكمه.
ورفض عمر التعليق على مدى انطباق القانون على الرئيس السابق حسني من عدمه، مشيراً إلى أن القضية ما زالت قيد التحقيق، ولم تنته بعد، ولم يتم توصيف الإتهام الموجه إليه، ومن الصعب إستباق الأحداث، والتنبؤ بالعقوبة التي قد تصدر بشأنه.

مؤكداً أن القانون يساوي بينه وبين جميع المواطنين، وليست له أية حصانة من أي نوع، نظراً لحالته الصحية أو لأنه رئيس جمهورية سابق، وسوف تجري عليه سائر الإجراءات التي تطبق على من يحاكمون أمام محاكم الجنايات.

جرائم دم وفساد

فيما يرى المستشار محمود الخضيري نائب رئيس محكمة النقض السابق، ورئيس المحكمة الشعبية للرئيس السابق، أن مبارك ارتكب العديد من الجرائم منها ما يتعلق بالفساد المالي أو الفساد السياسي، والأخطر هي جرائم الدم، وأضاف لـquot;إيلافquot; أن مبارك يواجه في ما يخص جرائم الدم أكثر من جريمة، وهي التحريض على قتل وإصابة المصريين أثناء مشاركتهم في تظاهرات سلمية، وذلك بإصدار قرار شفوي أو كتابي إلى وزير الداخلية حبيب العادلي، بصفته رئيس الجمهورية ورئيس المجلس الأعلى للشرطة، وتعددت الطرق أو الوسائل التي استخدمت في القتل، ومنها الرصاص الحي والدهس بالسيارات، وفي حالة ثبوت تهمة التحريض ضده فإنه يواجه عقوبة الإعدام، بالإضافة إلى الفاعلين الأصليين، أي الضباط والأفراد الذين نفذوا جرائم القتل.

وأشار الخضيري إلى أن مبارك ارتكب جرائم مالية تتعلق بتضخم ثروته هو وأفراد أسرته بطرق غير مشروعة من خلال الإبتزاز أو العمولات، فضلاً على الإضرار بالمال والممتلكات العامة، مثل تصدير الغاز لإسرائيل بأقل من السعر العالمي، وإفساد الحياة السياسية وتزوير الانتخابات.

وهي جرائم تتراوح العقوبة فيها من 3 إلى 15 سنة سجناً مشدداً. وفي حالة صدور حكم ضده بالإعدام في قضية قتل المتظاهرين، وتنفيذ الحكم تسقط عنه العقوبة في باقي التهم.

سلطة تقديرية

عندما بدأت عملية التحقيق مع الرئيس السابق وأسرته في قضايا تضخم الثروة بطرق غير مشروعة وقتل المتظاهرين، لجأ مبارك إلى المستشار بهاء الدين أبوشقة رئيس محكمة جنايات سابق ومحامٍ حالياً للدفاع عنهم، إلا أنه اعتذر عن قبول القضية، وقال أبوشقة لـquot;إيلافquot; إن المواد من 230 إلى 235 من قانون العقوبات، تختص بجرائم القتل، موضحاً أن المادتين 230 و231 تختصان بجريمة القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد، وتعاقبان الفاعل الأصلي والمشترك معه سواء بالتحريض أو الفعل أو التخطيط بالإعدام شنقاً، وأضاف: أن التحقيقات الجارية مع مبارك ونجليه جمال وعلاء والعديد من أركان نظامه السابق، تشير إلى أنهم متهمون بقتل المتظاهرين إبان ثورة 25 يناير عمداً مع سبق الإصرار والترصد، بأن أصدر الأول بصفته رئيس الجمهورية ورئيس المجلس الأعلى للشرطة أوامر باستعمال الرصاص مع المتظاهرين السلميين.

وفي حالة ثبوت تلك الإتهامات فإن قانون العقوبات سوف يطبق عليهم جميعاً، وقد يصدر ضدهم حكم بالإعدام.

إمكانية العفو أو التخفيف

غير أن أبو شقة أشار إلى إمكانية عدم الحكم على مبارك بالإعدام، وأوضح قائلاً: إن المادة 41 من قانون العقوبات أوجدت استثناء في جرائم القتل المعاقب عليها بالإعدام للشريك أو المحرض، حيث نصت على أنه يعاقب بالأشغال الشاقة المؤبدة أو الإعدام، وبذلك أوجدت عقوبة تخيرية للمحكمة، التي منحها القانون سلطة تقدير الدليل و ظروف وملابسات ارتكاب الجريمة، ومنحها الحق في استعمال الرأفة أو تخفيف العقوبة، وهنا تكمن العلة في شفوية مرافعة الدفاع وأهمية تواجد المتهم أثناء نظر القضية، وأهمية الإستماع للشهود سواء شهود إثبات أو نفي، ومن خلال الأدلة والقرائن والراهين ومرافعة الدفاع والإستماع إلى المتهم والشهود تكون هيئة المحكمة عقيدتها إما بالإدانة أو البراءة.

وفي ما يخص إمكانية تخفيف العقوبة عن مبارك أو العفو عنه من قبل رئيس الجمهورية المقبل، قال أبوشقة الذي يشغل منصب عضو الهيئة العليا لحزب الوفد: القانون يمنح المحكمة سلطة تخفيف العقوبة، أو إستعمال الرأفة للظروف التي تراها، لكنه وضع حداً أدنى وحداً أقصى في العقوبة، أما في ما يخص رئيس الجمهورية الجديد، فإن ذلك يخضع للدستور الذي يتم وضعه بعد الإنتخابات البرلمانية والرئاسية، ومدى إمكانية منح الرئيس سلطة العفو أو تخفيف العقوبة عن المدانين في بعض القضايا أم لا، لكن جميع دساتير العالم تمنح رؤساء الجمهورية تلك السلطة، وهناك سابقة في أميركا في هذا الشأن، حيث عفا الرئيس فورد عن سلفه نيكسون في قضية وورتر جيت، كما أن الرئيس الراحل أنور السادات إستخدم سلطة العفو في قضية تجسس عائلية، فقد أصدر قرار بالعفو عن الزوجة لتربية الأبناء الصغار، ولم يعف عن الزوج الذي حكم عليه بالإعدام، كما أصدر الرئيس السابق حسني مبارك نفسه العديد من قرارات العفو، لعل أشهرها العفو عن الجاسوس الإسرائيلي عزام عزام، في إطار صفقة لإستبداله بأربعة شباب مصريين كانوا مختطفين في إسرائيل.

وحول إمكانية وجود حصانة سياسية للرئيس السابق، قال أبو شقة إن مبارك ليست له أية حصانة، وإجراءات محاكمته تسير وفقاً لمنظومة قانونية سليمة ويتعامل كمواطن عادي، مشيراً إلى أن القانون لا يعترف بالمسؤولية السياسية التي يتحدث عنها البعض، ويحاول التفريق بينها وبين المسؤولية الجنائية، وأوضح أن أي قرار يصدر سواء شفوياً أو كتابياً من قبل أي مسؤول، لا ينبغي أن يصطدم بنصوص القانون، وفي حالة إصدار أي مسؤول صغر أم كبر قرار لمرؤوسيه بالقتل فهو محرض على ارتكاب تلك الجريمة، ويعاقب بالعقوبة نفسها التي سوف ينالها الفاعل، الذي لا عذر له في إطاعة الأوامر، فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، ولا طاعة لرئيس في مخالفة القانون.

إبادة جزيئة ولا للإعدام

وفي السياق ذاته، يؤكد حافظ أبو سعدة رئيس المنظمة المصرية لحقوق الإنسان لـquot;إيلافquot; أن مبارك يواجه عقوبات مشددة في قضية قتل المتظاهرين، لأن قانون العقوبات يضع عقوبات مشددة في جرائم القتل الجماعي والإستهانة بالحياة، لاسيما أن جريمة قتل المتظاهرين تتوافر فيها تلك ظروف تشديد العقوبة من حيث القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد والإستهانة بالحياة من خلال الدهس بالسيارات أو استخدام أسلحة محظورة.

وذهب أبوسعدة إلى أبعد من ذلك، معتبراً أن ما حدث في ثورة 25 يناير، من حيث سقوط أكثر من 849 فتيلاً وأكثر من 6 آلاف مصاب تعد في نظر القانون الدولي جريمة إبادة جزئية.

وفي ما يخص توقعاته بشأن إمكانية إنزال وتطبيق عقوبة الإعدام بحق مبارك، أوضح أبو سعدة أن القانون منح المحكمة سلطة تقديرية، كما أن مبارك يبلغ من العمر 83 سنة، وهناك إعتبارات مختلفة في ما يخص محاكمة كبار السن، داعياً إلى استعمال الرأفة معه، وعدم تطبيق عقوبة الإعدام بحقه، إنطلاقاً من حرص الثورة المصرية على التسامح وإعلاء لشأن حقوق الإنسان في الدولة التي ولدت من جديد.