أكد خبراء أن الثورة المصرية حققت الكثير من الإنجازات المهمة كإسقاط النظام الحاكم وإحباط مخطط التوريث الذي انسحب على الدول العربية الأخرى، واستعادة مصر مكانتها السياسية والحضارية، فيما أشاروا إلى أن أخطر التحديات تتمثل في السلفيين المتشددين، الذين يحاولون فرض فكرهم بالعنف، إضافة إلى إقامة نظام ديمقراطي جديد، يكون نموذجاً لباقي الشعوب الثائرة وإنعاش الإقتصاد.

بعد مئة يوم على الثورة المصرية، تحققت إنجازات عدة ولا تزال هناك تحديات

القاهرة: ما بين 25 من شهر يناير/ كانون الثانيو11 فبراير/شباط، حققت الثورة المصرية أهم إنجازاتها، التيتتمثل في: إسقاط النظام الفردي الإستبدادي القديم، وبدء العمل من أجل نشاء نظام ديمقراطي جديد.

وها قد بلغت الثورة مائة يوم من عمرها، فما الذي حققته من إنجازات للمصريين؟، وما الإخفاقات التي طالتها؟، وما العقبات التي تعترض طريقها للوصول إلى مجتمع ديمقراطي وإنتعاش إقتصادي؟.

quot;إيلافquot; حاولت تقديم كشف حساب للثورة المصرية في مائة يوم، ما لها وما عليها، وما المستقبل الذي ينتظرها؟. فأكد الخبراء والسياسيون أن الثورة حققت الكثير من الإنجازات المهمة، مثل إسقاط النظام الحاكم وإستعادة مكانتها الإقليمية والدولية، مؤكدين أن أخطر التحديات التي تواجهها في المرحلة المقبلة، تتمثل في إقامة نظام ديمقراطي جديد، وإستعادة الأمن وإنعاش الإقتصاد.

القضاء على الإستبداد و التوريث عربياً

قبل 25 يناير، لم يكن أحد يتوقع على الإطلاق حدوث معشار الإنجازات أو التغيير الذي تحقق على الأرض، بفضل الثورة، وفقاً للناشط السياسي الدكتور عمار علي حسن رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات السياسية. وأضاف لـquot;إيلافquot; أن أحداً لم يكن يتصور أنه سيتم فرملة قطار توريث الحكم لجمال لنجل الرئيس مبارك، حيث كان هذا القطار يسير بسرعة فائقة نحو محطته الأخيرة، وكانت الأوضاع داخلياً وخارجياً مرتبة على هذا الأساس.

ولم يكن أحد يتصور أن مبارك لن يترشح للإنتخابات الرئاسية الجديدة في نهاية العام الجاري، فما بالنا بتنحّيه عن الحكم. مشيراً إلى أن أهم إنجازات الثورة خلال المائة يوم الماضية تتمثل في إحباط مخطط التوريث، ليس في مصر فقط، بل في سائر دول المنطقة العربية، وإسقاط واحد من أشرس الأنظمة القمعية، وتشجيع باقي الشعوب على إستنساخ التجربة الثورية.

وقال حسن إن ثاني أهم الإنجازات يتمثل في محاكمة رموز نظام الحكم السابق أمام القضاء الطبيعي، وليس أمام محاكم عسكرية أو محاكم ثورية إستثنائية. وتضم المحاكمات القضائيةكل أركان الحكم بدءًا من الرئيس ونجليه، مروراً برئيسي مجلسي الشعب والشورى السابقين، ووزير الداخلية السابق، ورئيس ديوان رئيس الجمهورية السابق، والعديد من الوزراء ورموز الحزب الوطني المنحلّ.

وأشار إلى أن هناك العديد من الإنجازات في المجال السياسي أيضاً منها، حلّ مجلسي الشعب والشورى، وحلّ الحزب الوطني وتسليم مقاراته وممتلكاته وأرصدته إلى الدولة، وتحويل واحد من أهم تلك المقار إلى مقر للمجلس القومي لحقوق الإنسان، إضافة إلى كشف وتصفية شبكة الفساد التي كانت تدير البلاد، وتجميد أموال وممتلكات المتورطين في جرائم الفساد، وإستعادة ملايين الأمتار من أملاك الدولة التي تم الإستيلاء عليها بدون وجه حق.

إضافة إلى البدء في العمل على إقامة نظام سياسي جديد، عماده الديمقراطية وإحترام حقوق الإنسان، وتداول السلطة. وقد وضع المجلس العسكري ما يمكن أن يوصف بـquot;خارطة طريقquot; للتحول نحو دولة مدنية، بدءاً من الإستفتاء على التعديلات الدستورية، والإعلان الدستوري المؤقت، والتعهد بإجراء إنتخابات برلمانية في شهر سبتمبر/أيلول المقبل، تليها إنتخابات رئاسية، رغم أن هناك ملاحظات حول طريقة إدارة البلاد في المرحلة الإنتقالية.

يعرب حسن عن إعتقاده بأن هناك تحديات تواجه الدولة،مثل محاولة التيارات الدينية المتشددة فرض رأيها على باقي التيارات السياسية بأساليب غير ديمقراطية، وإنتشار البلطجة والإنفلات الأمني، نتيجة عدم عودة جهاز الشرطة إلى ممارسة عمله حتى الآن، والبطء في الإجراءات في ما يخص محاكمة ومصادرة أموال وممتلكات المتورطين في جرائم الفساد داخلياً وتتبعها خارجياً.

تخطي حاجز الخوف

وحسب وجهة نظر الدكتور عمر سيف الدين أستاذ العلوم السياسية، فإن أهم إنجازات الثورة قضاء الشعب المصري على الخوف من القمع والإستبداد، والأخذ بزمام المبادرة تجاه القضايا التي تخص مصيره، إضافة إلى عدم فصل المطالبة بتحقيق الحرية والعدالة الإجتماعية عن الخبز، حيث خرجت الجماهير تنادي بتحقيق تلك المبادئ. واشترك في المظاهراتكل فئات الشعب المصري.

وقال سيف الدين لـquot;إيلافquot; إن إختفاء الطائفية خلال الموجة الأولى من الثورة التي بدأت بإندلاعها في 25 يناير، وإنتهت بسقوط نظام الحكم، كان منجزاً مهماً، لكن المصريين لم يستطيعوا الحفاظ عليه طويلاً، حيث سرعان ما زرعت بينهم بذور الشقاق، وإندلعت مشاحنات طائفية، مازالت مستمرة حتى الآن، وهذه من أخطر التحديات التي تواجه الثورة على الإطلاق، وتحتاج معالجتها بالكثير من الحكمة، مع ضرورة تطبيق القانون على الجميع في ما يخص المشاحنات الطائفية، وتنحية أساليب الصلح العرفي جانباً.

ودعا سيف الدين إلى ضرورة التعامل بحزم مع ظاهرة البلطجة التي إستفحلت بعد الثورة، لما لها من آثار خطرة على أمن المجتمع وسير عجلة الإنتاج وعودة الإنتعاش إلى سوق السياحة في البلاد، مشدداً في الوقت نفسه على أن ذلك يستلزم التعامل بحزم مع ضباط وأفراد الشرطة المتقاعسين عن أداء واجبهم حيال المجتمع، لا سيما أن جهاز الشرطة يلتهم جزءًا كبيرًا جداً من ميزانية الدولة، وهؤلاء يحصلون على رواتبهم من دافعي الضرائب، ويجب عليهم أداء المهام الموكلة إليهم.

أخطر التحديات

فيما ينظر شريف صادق عضو إئتلاف الثورة إلى السلفيين المتشددين على أنهم أخطر التحديات التي تواجه الثورة. وقال صادق لـquot;إيلافquot; إن السلفيين يتبنون فكراً متشدداً، ويحاولون فرضه على المصريين بإستخدام العنف، ويحاولون هدم مؤسسات الدولة والمجتمع، وإعادة بنائها حسب هواهم، وحتى الآن ليس هناك أي حزم في مواجهتم. فقد سيطروا على مسجد النور، وهو واحد من أكبر مساجد القاهرة لأسابيع، ويحاولون هدم الأضرحة، مما يهدد بإشعال فتنة مع الصوفيين، ويتظاهرون ضد الكنيسة، مما يهدد بإندلاع فتنة مع المسيحيين، ويتظاهرون ضد شيخ الأزهر والمفتي، ويطالبون بعزلهما، لأن كلاهما يصدر فتاوى تخالف عقيدتهم المتشددة.

إقامة نظام ديمقراطي

يؤكد الناشط السياسي الدكتور أيمن نور أن للثورة إنجازات متعددة، أهمها إسقاط النظام السياسي، الذي حكم البلاد بالقمع والإستبداد لنحو ثلاثين عاماً، وإستعادة مصر مكانتها الحضارية والسياسية على المستويين الإقليمي والدولي. وقال لـquot;إيلافquot;، إن أخطر تحد تواجهه الثورة المصرية، يتمثل في إقامة نظام ديمقراطي جديد، يكون نموذجاً لباقي الشعوب الثائرة.

وأبدى نور عدم رضاه عن سير الأوضاع السياسية حالياً، مشيراً إلى أنه كان من الأفضل بعد نجاح الثورة في إسقاط النظام، أن يتم إعتماد الشرعية الثورية كأساس لإدارة شؤون البلاد، بحيث يتم حلّ المؤسسات المرتبطة بالنظام البائد فوراً، وبدون تباطؤ، وليس على مراحل، فليس من المعقول أن يتم حلّ مجلسي الشعب والشورى على مراحل، وأن تظل المجالس الشعبية المحلية مستمرة حتى الآن، رغم أن الغالبية الكاسحة من أعضائها ينتمون إلى الحزب الوطني المنحلّ قضائياً.

وأضاف نور أن الأمر كان ومازال يستلزم الدعوة إلى جمعية تأسيسة تضع دستوراً للبلاد، ثم تنظيم إنتخابات رئاسية، يعقبها إنتخابات نيابية، وليس العكس، حسب السيناريو الجاهز حالياً، الذي سيسمح لفلول الحزب الوطني المنحل ورموز النظام البائد وأعضاء جماعة الإخوان المسلمون بالسيطرة على البرلمان. ويشير نور إلى أن باقي التحديات أقل خطورة، لأن الثورة قامت من أجل هدم أو إسقاط النظام، وإعادة بناء نظام جديد على أسس تحترم الديقراطية وحقوق الإنسان.

مكانة دولية وإقليمية

بدوره يرى السفير محمد رفاعة الطهطاوي مساعد وزير الخارجية السابق أن الثورة حققت إنجازات كبيرة على المستوى الخارجي، منها إستعادة مصر مكانتها الإقليمية والدولية، والقضاء على النظام، الذي حاول تقزيمها لنحو ثلاثين عاماً.

وأوضح لـquot;إيلافquot; أن رعاية مصر اتفاق المصالحة الفلسطينية وتأجيل توقيع إثيوبيا على الإتفاقية الإطارية لإعادة تقسيم مياه النيل، والإشادة العالمية بالثورة، كلها إنجازات رائعة، تصبّ في صالح مصر كقوة إقليمية. مشيراً إلى أن محاكمة رموز نظام حكم الرئيس السابق أمام القضاء الطبيعي جعل العالم ينظر إلى الثورة المصرية بالكثير من الفخر والإعتزاز. وقال quot;إننا كنا ننشد العدل في المحاكمات، التي كان ينظمها النظام السابق للمعارضين، ولم يكن يتحقق، وليس أمامنا حالياً إلا أن نضعه أمام العدل الذي كنا ننشدة لأنفسناquot;.

أزمة اقتصادية

إقتصادياً، يعاني الإقتصاد المصري أزمة خطرة، ويحتاج مساعدة الدول الأخرى، وقبلها دوران عجلة الإنتاج، حسبما يقول الدكتور صلاح عبد المجيد، أستاذ الإقتصاد في جامعة القاهرة لـquot;إيلافquot;.

وأضاف أن الإقتصاد المصري تكبد خسائر تقدر بالمليارات منذ إندلاع الثورة، بسبب فقدان مصر واحدًا من أهم مصادر الدخل القومي، ألا وهو السياحة، مشيراً إلى أن السياحة لن تعود إلى سابق عهدها، إلا بعد إستيتاب الأمن، والقضاء على الفوضى والبلطجة.

ودعا الحكومة إلى التعامل بحزم مع قضية الأمن وجعلها أولوية أولى، لأن المصانع لن تعمل، ولن تنشط حركة التجارة والسياحة، إلا بعد عودة الأمن. وتوقع في حالة سيطرة الحكومة على الأوضاع الأمنية حدوث إنتعاش إقتصادي، لاسيما أن الفساد كان يلتهم نحو 6.7 مليار جنيه سنوياً من الدخل القومي، وفقاً لتقارير منظمة الشفافية الدولية. ما يعني أن البلاد سوف تستفيد من هذا المبلغ الضخم في الإستثمارات الجديدة لتوفير فرص عمل وتحسين أحوال المصريين.