فيما أثار خبر اعتقال ستراوس كان مشاعر الفرنسيين المناهضة لأميركا، يعتقد مراقبون أن حمل كارلا بروني، زوجة الرئيس الفرنسي، جاء في توقيت مناسب جداً لساركوزي الذي بدأ يفقد شعبيته بصورة كبيرة.


بعد فترة زمنية وجيزة على إعلان الولايات المتحدة اعتقالها مدير صندوق النقد الدولي، دومينيك ستراوس كان، بتهمة الاعتداء الجنسي، اعترض كثير من الفرنسيين على طريقة التعامل مع واقعة الاعتقال هذه. ففي اليوم الأول لإعلان فضيحة تورط كان في واقعة التحرش مع عاملة نظافة في الفندق، كانت هناك مشاعر صدمة وذهول. وفي اليوم الثاني، كان هناك خجل وشفقة على الذات. وبحلول اليوم الثالث، كانت تبحث فرنسا عن شخص تحمّله مسؤولية الخسارة السياسية المحتملة لزعيم الحزب الاشتراكي، الذي يعتقد كثيرون أنه سيكون الرئيس القادم لفرنسا خلفاً لساركوزي.

وفي هذا السياق، تساءلت اليوم صحيفة لوس أنجلوس تايمز الأميركية عن الطريقة التي اقتادت من خلالها شرطة نيويورك ستراوس كان خارج أحد أقسام الشرطة وهو مكبل اليدين، الأمر الذي نتج منه التقاط مجموع من الصور الغريبة له، التي وعلى الرغم من ذلك تم نشرها بصورة كبيرة في فرنسا. وتساءلت كذلك عن فرضية البراءة. ثم لفتت إلى صراخ فرنسا من العناوين الصحافية التي نشرتها صحف التابلويد في الولايات المتحدة، التي نُسِخ كثير منها ليكون متاحاً أمام القراء الفرنسيين.

ومضت الصحيفة تتساءل أيضاً عن كيفية اتخاذ القاضي أمراً بوضع ستراوس كان في سجن، عرف عنه قراء صحيفة لوفيغارو الفرنسية أنه صاخب ومكتظ وخطر وممتلئ بالسجناء المصابين بأمراض معدية. وفي حديث له مع الصحيفة الفرنسية، قال المحامي الفرنسي غيرالد ليفكورت quot;هناك العديد من الأبواب المغلقة بشكل محكم، والتي تحدث ضجيجاً في كل مرة يتم فتحها أو إغلاقها. والطعام الذي يتم تقديمه هناك فظيعquot;.

واُعتُبِر النظام القضائي الأميركي أقل شأناً من النظام الفرنسي، الذي يستند إلى قانون نابليون الذي يعود إلى العام 1804. وفي هذا الصدد، قال أحد المعلقين الإذاعيينquot;يمكن للأثرياء فقط في أميركا أن يتحملوا النفقات الخاصة بأفضل المحامينquot;، بينما لم يشر أحد إلى أن ستراوس كان من الأثرياء وأن بمقدوره الاستعانة بأفضل المحامين.

وتابعت لوس أنغلو تايمز في هذا الجانب بقولها إن ردة الفعل التي صدرت عن كثير من الفرنسيين ربما استندت بشكل أقل إلى الاشمئزاز وبشكل أكبر إلى الفجوة الثقافية التي تعتبر أكبر وأعمق وأكثر تلاطماً من المحيط الأطلسي الذي يفصل بين الدولتين.

وفي القضايا الجنسية، أوضحت الصحيفة أن الفرنسيين يعتبرون أنفسهم منفتحين وليبراليين ويرفضون الأميركيين على وجه الخصوص ndash; والأنغلو ساكسون بصفة عامة ndash; على اعتبار أنهم متزمتون وعصبيون. وقالت أيضاً إن هناك إحساساً في فرنسا بأن هناك حكماً للنخبة وآخر لبقية الشعب. وهو ما تجلى بوضوح يوم أمس، عندما حذرت سلطات البث الفرنسية وكالات الأنباء من أن صور المشتبه فيهم وهم في الأصفاد، كما هي العادة مع المشتبه فيهم من غير المشاهير، تخالف القانون في ما يتعلق بـ quot;كرامةquot; المعتقلين.

وفي حديث مع الإذاعة الفرنسية، قال الفيلسوف الفرنسي، برنارد هنري ليفي، إنه شعر بالغضب نتيجة للطريقة الغريبة التي تعاملت بها وسائل الإعلام الأميركية مع صديقه، الذي رأى أنه quot;قُذِف إلى الكلابquot;. وبينما نظر البعض إلى ستراوس كان وفرنسا على أنهما ضحيتان للفضيحة، اجتنب قليلون التفكير في السيدة التي اُتُهِم باغتصابها يوم السبت.

على صعيد آخر، رأى مراقبون أن الخبر الذي تم إعلانه يوم أمس بخصوص حمل كارلا بروني، زوجة الرئيس الفرنسي نيكولاس ساركوزي، وهو الخبر الذي أكده والده، قد جاء في توقيت جيد للغاية بالنسبة إلى الرئيس الذي بدأ يفقد شعبيته بصورة كبيرة.

وأوردت صحيفة التلغراف البريطانية عن بيرناديت شيراك، زوجة الرئيس السابق جاك شيراك، قولها :quot; يمثل هذا الخبر سعادة مطلقة لهذه الأسرة كما أنه مستقبل فرنساquot;. وقالت الصحيفة إن هذا الخبر الذي أكده والد ساركوزي أتى في الوقت الذي تترنح فيه البلاد من تداعيات إلقاء القبض على المنافس الأول للرئيس في انتخابات عام 2012، دومينيك ستراوس كان، بعد توقيفه في نيويورك بتهمة الاعتداء الجنسي.

وقال مراقبون سياسيون إن ساركوزي سيستفيد من الصورة التي سيمنحها له خبر الحمل باعتباره quot; رجل عائلةquot;. وقال كريستيان ديلبورت، المؤرخ ومؤلف كتاب تاريخ من الإغراء في السياسة :quot; قد يتسبب الخروج الصادم لستراوس كان إلى جانب خبر الحمل في إشعال البعث السياسي للرئيس وزيادة حماسة الفرنسيين تجاه زوجته. وسيساعد خبر الحمل هذا على quot;أنسنةquot; العلاقة التي تربط بين بروني وساركوزي، والتي غالباً ما كان يُنظر إليها على أنها quot;باردة وبعيدةquot;، وهو ما سيجعلها تبتعد عن عالم النجومية والأضواء وتصبح أماًquot;. ولفت ديلبورت أيضاً إلى أن ذلك سيلطف موقف ساركوزي، الذي تسببت مداعبته مع اليمين المتطرف وصورة quot;الصبي واسعة النطاقquot; في ابتعاد كثير من الناخبين المنتمين إلى اليمين الوسط عنه.