زعيم حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية سعيد سعدي

في حواره مع quot;إيلافquot; تحدث المعارض الجزائري وزعيم حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية سعيد سعدي عن الواقع السياسي في بلاده، وقال إن quot;النظام السياسي في الجزائر لا يملك لا الإرادة ولا القدرة على إرساء أسس الديمقراطيةquot;، معتبراً في الوقت نفسه أن quot;البلد لا تعيش أزمة سياسية فقط، وانما تعيش انسداداً تاريخياًquot;.


انتقد المعارض الجزائري وزعيم حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية سعيد سعدي بشدة رسالة المساندة التي بعث بها الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة للرئيس اليمني وتمسك بموقفه بضرورة quot;حلّ كل المؤسسات المنتخبة، بما في ذلك الرئاسة من أجل تغيير النظام، وليس الحكمquot;، وهاجم زعيم الأرسيدي الرئيس الجزائري السابق بن بلة على خلفية تصريحه بعدم وجود من أهو اصلح لرئاسة الدولة من بوتفليقة، واعتبر أن quot;بن بلة يعكس صورة النكبة الجزائرية بشكل كاريكاتوريquot;.

وجدد بالمناسبة انتقاده مشروع المصالحة الوطنية، معتبراً أن quot;تراجع العمليات الارهابية راجع إلى تغيير في استراتيجية الحركة الأصولية، وليس لأي فعالية في سياسة المصالحة، التي تعد خطيئة سياسية ستضرّ بالجزائر لسنوات طويلة إن بقي هذا النظامquot;.

في البداية نريد أن نعرف قراءتكم للمشهد السياسي الذي تعيشه البلاد خلال الفترة الراهنة؟

نحن نعيش وضعاً كنّا نتوّقع الوصول إليه. هي نهاية نظام سياسي متحجّر ومتسلّط نصّب نفسه منذ الاستقلال عبر انقلاب عسكري وفرض ديمومته بتزوير الانتخابات، وظل يعيد إنتاج نفسه بنشر الفساد وتعميمّه. نجح في ذلك لسببين، أولاً بسبب الإنهاك والفساد الذي استشرى في أوساط قسم كبير من الجيل الذي حرّر البلاد. ثم خارجياً، كان هناك تواطؤ القوى العظمى التي اشترطت وجود الاستقرار مهما كانت درجة العنف الذي تمارسه الأنظمة القائمة في الجنوب.

اليوم نجد شبيبة مصمّمة بذهنيات ومرجعيات جديدة، والمجتمع الدولي أدرك أن الدكتاتورية لا تضمن الاستقرار، بل تفرز الخراب. النظام الجزائري عن عناد وأيضاً عن خوف يرفض القبول بهذا الحكم المزدوج الذي يدين الأنظمة الاستبدادية، التي أضفت على نفسها الشرعية بمصادرة الثورات التحريرية. بلدنا لا تعيش فقط أزمة سياسية، وإنما هي في انسداد تاريخي.

اذا أردنا تقويم المرحلة السابقة على ضوء هذه القراءة، الى أي مدى تعتبرون أن النظام الحالي فشل أو نجح في تحقيق الرهانات الكبرى التي عمل عليها الرئيس بوتفليقة، والمتعلقة بشكل أساسي في تحقيق الإنعاش الاقتصادي، وإرجاع السلم و الأمن، واستعادة الجزائر مكانتها على الساحة الدولية؟

للحديث عن أي حصيلة، لابد أن يكون هناك مشروع. فالنظام الجزائري لا يملك أي رؤية ولا أي برنامج. سياسة البلادكلها تتمثل في الإنفاق في ما لا يفيد. عندما تسأل أحزاب الائتلاف الحكومي عن نواياها، كلها تقول إنها تطبّق quot;برنامج رئيس الدولةquot;.

المشكلة أن هذا البرنامج غير موجود أصلاً. لو تبحث في موقع الرئاسة الجزائرية على الأنترنت، سوف لن تجد فيه شيئاً. الوزير الأول بلخادم طبق سياسة اقتصادية انقلب عليها خليفته أحمد أويحي باسم البرنامج الرئاسي نفسه. أعرف أن السلطة تتحدث كثيراً عن الورشات الكبرى الجارية. لكن لو نجري تقويماً جدياً لهذه الأشغال سنكتشف كيف تم تبديد المقدرات الجزائرية تبديداً حقيقياً.

لمّا نقارن إنجازاتنا بما هو موجود في تونس ومضر، اللتين هما مع ذلك أبعد ما تكون قدوة في الصرامة و التسيير، نصاب بالذهول. فمطار الجزائر تم إنجازه في ظرف 18 سنة، في حين أن مطار تونس أنجز في ثلاث سنوات. مترو الجزائر لا يزال في ورشة منذ 30 سنة. بينما القاهرة دشّنت خطوطًا عدةفي ظرف 6 سنوات. مشروع الطريق السيّار شرق غرب كان من المقرر أن يكلّف 5 مليار دولار ويتم تسليمه في 5 سنوات. إلى الآن أنفقت 13 مليار والمشروع لا يزال من تمديد إلى تمديد منذ 12 سنة. الطريق السريع الذي يربط طنجة بأغادير الذي يمتد على مسافة 800 كلم، والذي يعبر الأطلس الأعلى افتتح بعد أربع سنوات من بدء الأشغال فيه.

تلاحظون بأنفسكم أن الجزائر، حتى وعندما تقارن ببلدان من الجنوب، بعضها يرزح تحت وطأة الفساد، تتصدر المرتبة الأولى في تبذير المال العام. والأوضاع الأمنية كذلك للأسف لم تتحسن. الهجمات الإرهابية لا تزال تحصد الأرواح وعمليات اختطاف المواطنين مستمرة. وإذا كانت المجازر الجماعية التي تطال السكان المدنيين في التسعينات توقفت، فهذا راجع إلى تغيير في استراتيجية الحركة الأصولية، وليس لأي فعالية في سياسة المصالحة، التي تعد خطيئة سياسية ستضرّ بالجزائر لسنوات طويلة، إن بقي هذا النظام.

فلا تحلّ مأساة مثل تلك التي شهدتها الجزائر بتكميم الأفواه وبالتغيّيب. فآجلاً أو عاجلاً لا بد أن تكشف الحقيقة وتقام العدالة قبل أن يكرّس العفو. أما عن سياستنا الخارجية، فالجزائر غائبة وصوتها غير مسموع منذ أمد بعيد. من مساوئ حكم بوتفليقة أنه أضعف التماسك الوطني منذ أن أضفى طابع القبلية على المؤسسات، وعقّدت أزمة الثقة بين المجتمع والسلطة. مع أن رئيس الدولة استفاد من ظروف استثنائية: من انطفاء الإرهاب وحيوية التعبئة الجماهيرية والارتفاع القياسي لسعر البرميل.

لكن الرئيس بوتفليقة أعلن عن رزمة من الإصلاحات السياسية في خطابه الأخير، هل تعتبرون هذا الإعلان نابع من إرادة سياسية حقيقية للنظام في إحداث التغيير والتحول السياسي، أم إن هذه الإصلاحات جاءت تحت ضغط المتغيرات الجديدة التي يعرفها العالم العربي عمومًا، والشارع الجزائري خصوصًا؟

في البداية لابد من الإشارة إلى تناقض مكشوف للسلطة. فمن جهة كل المسؤولين يسارعون للقول إنه في الجزائر لا توجد أزمة سياسية، وإنما ضائقة اجتماعية خفيفة يسهل معالجتها، ومن جهة أخرى، أول ظهور لرئيس الدولة بعد شهور من الانزواء، بينما كانت البلاد تحترق، يعلن فيها عن إصلاحات سياسية. فهذا المسعى، في شكله وفي أهدافه، يرمي إلى الإبقاء على الوضع القائم. وهذا نقيض التغيير.

أضيف أن السلطة لا تملك لا الإرادة ولا القدرة على إرساء أسس الديمقراطية في البلد. رسالة المساندة التي بعث بها عبد العزيز بوتفليقة إلى الدكتاتور اليمني الذييتبوأ الحكم منذ أربعين سنة، وتورّط الجزائر في ليبيا، أكثر إبلاغاً من أي كلام عن ثقافة النظام الجزائري وأهدافه. فلدى بوتفليقة وجهاز المخابرات قناعة مشتركة، وهي أنه في ظل استحالة فرض الحزب الواحد، يجب صهر كل البلد في بوتقة الفكر الأحادي.

وما هو موقفكم من تعيين رئيس مجلس الأمة الحالي عبد القادر بن صالح على رأس اللجنة المكلفة بتحضير الإصلاحات السياسية بالمشاورة مع الأحزاب السياسية؟

الأرسيدي ليس لديه مشاكل مع الأشخاص. وفي ما يخص المسؤول الذي ذكرتم اسمه، إذا كان هناك تساؤل بخصوصه فلن يخصّ سوى سلالته، التي تطرقت إليها بعض العناوين الصحافية أخيراً. فإذا تأكد فعلاً أن والديه من أصل مغربي، فلا يحق له، طبقاً للقانون الجزائري، أن يتولى المسؤوليات التي يتولاها اليوم. أما ما عدا ذلك، فالمشكلة ليست في الأفراد بقدر ما هي في مسيرتهم. فكيف أن مسؤولين ينتمون إلى النظام ويجسّدونه باستطاعتهم أن يقودوا ويؤطروا مناقشات حول القطيعة؟ الشارع يرد على هذا السؤال: quot;اللعاب احميدة والرشام احميدة في قهوة احميدةquot;.

هل أنتم متمسكون بضرورة حل البرلمان كخطوة أولى قبل الشروع في أية مناقشات تتعلق بالإصلاحات السياسية؟

قلنا إنه يجب حلّكل الهيئات المنتخبة، بما فيها الرئاسة، والدخول في مرحلة انتقالية ديمقراطية، تشرف عليها هيئة تحظى بالإجماع، مثلما جرى في كل البلدان التي خرجت سلمياً من الأنظمة الاستبدادية. فما جدوى حلّ البرلمان إذا كان جهاز المخابرات وبوتفليقة هما الذين سينظمان الانتخابات المقبلة؟ فنحن ندعو إلى تغيير النظام، وليس إلى تغيير الحكم.

إذا عدنا الى الاضطرابات التي عرفها الشارع الجزائري أخيرًا كيف تقوّمون ردود فعل الحكومة الجزائرية تجاه مطالب الحركات الاحتجاجية في شقيها السياسي التي قادتها تنسيقية التغيير، وفي شقها المهني والنقابي والتي شملت العديد من القطاعات؟

يجب أن نتذكر دائماً أن السلطة في الجزائر هي تحت رقابة وتنظيم المخابرات. والحكومة ما هي سوىإحدى أدوات الشرطة السياسية. لهذا يأتي الرد على المطالب السياسية دائماً بوليسياً. وعلى غرار كل الأنظمة الشمولية، سارعت السلطة إلى اختراق التنسيقية الوطنية للتغيير التي ترى فيها خطراً.

فبعد تحريك عناصرها، تقوم بتعبئة دوائر تعرف كيف تستقطبها بوعود سياسية أو حتى بشيكات ضخمة. بالموازاة مع عمليات الاختراق هذه، تلجأ الحكومة إلى القمع. لكن نرى جيداً حدود هذه المخططات. فالتنسيقية ماضية في نهجها رغم الصعوبات، ومنذ المسيرة التي دعا إليها الأرسدي يوم 22 يناير/كانون الثاني، لم تتوقف الحركة الاحتجاجية في الشارع بشعارات وفعاليات معروفة الهوية، بينما في بداية يناير، كانت السلطة تسعى إلى تشويه سمعة المطالب الشعبية، وتصوّرها على أنها متتالية من أعمال شغب بلا تنظيم ولا هدف سياسي أو اجتماعي محدّد.

البعض يرى أن الأحزاب السياسية أصبحت غير قادرة على توجيه وتعبئة الشارع، وهي ظاهرة تكاد تعم الشارع العربي، وهو ما يعني أن هذه الأحزاب فقدت إلى حد ما أسباب وجودها، ما هو تعليقكم على هذا الرأي؟

هذه الحجة قديمة. تكتم أنفاس المعارضة، وتقوم المخابرات بالترويج لمقولة إن صوت الأحزاب الديمقراطية غير مسموع. تحشى صناديق الاقتراع في كل الانتخابات، والمخابرات نفسهاتخرج دعايتها التي تروّج لمقولة أخرى، مفادها أن المواطن لا يصوّت لأن الطبقة السياسية فقدت مصداقيتها.

ومنذ شهر يناير، ينشر 30 ألف شرطيًا في العاصمة لتوقيف وتعنيف مئات الأشخاص، ويمنع على وسائل النقل العمومية الدخول إلى العاصمة، ثم يقال إن المواطنين لا يرغبون في التظاهر. فالسلطة عاجزة عن تحمل حصيلتها الكارثية، تحاول أن تسمم الرأي العام بتوجيه الأضواء على المعارضة. في عدن وفي القاهرة وتونس ودمشق، الحكومات لا تملك 150 مليار دولار لإخراجها دون أدنى رقابة لترش بها كل ما يتحرك على الأرض.

هذا التكتيك قد يكسب الوقت للسلطة، لكن، صدقّوني، إن العنف الكامن في الجزائر أكبر مما هوفي البلدان الأخرى، ويوم تلتقي كل الطاقات، سيكون الانفجار مروّعًا. وليس من الصدفة أن النظام الأكثر صموداً هو النظام الليبي لأنه هو أيضاً يتوافر على موارد كبيرة.

لكن مما يؤخذ على المعارضة في الجزائر حسب البعض هو أنها فشلت في تشكيل تحالف سياسي من أجل ممارسة عملية الضغط على النظام لفتح اللعبة السياسية كيف تفسر هذا الأمر؟

أستطيع أن أتكلم في ما يخص الأرسيدي. نحن على استعداد في أي لحظة لإجراء محادثات مع كل الذين يريدون رحيل النظام القائم، ويحترمون دولة القانون. فمنذ نشأتنا وبداية نضالنا نددنا بالفساد والتعسف في استعمال السلطة، وأعددنا كل الملفات المطروحة اليوم للنقاش.

الأرسيدي هو الذي حمل نضال حقوق الإنسان ومسألة الهوية في فترة لم يكن يتحدث فيها أحد. تجمّعنا هو الذي فرض النقاش حول إصلاح العدالة والمدرسة والدولة وحول مكانة المرأة. ونحن أيضاً أول من نبهّنا إلى إشكالية البيئة والهجرة التي دافعنا دائماً عن ضرورة إشراكها في التنمية الوطنية... لقد دفعنا ثمن التزامنا غالياً، عرفنا التعذيب والسجن لنغذي به الحياة السياسية الوطنية. ووفاء لمبادئنا وشعوراً بالمسؤولية لا نزال مستعدين لمواصلة النضال معاً.

أخيرًاصرح الرئيس الجزائري السابق بن بلة بأنه لا يوجد من هو أصلح لرئاسة الجزائر ومن هو أفضل من بوتفليقة، كيف تعلقون على هذا التصريح؟

بن بلة يعكس صورة النكبة الجزائرية بشكل كاريكاتوري. عندما نسمعه اليوم ونتذكر أنه هو من أتى به بومدين على رأس الدولة في عام 1962 بعدما أطاح بالحكومة، ندرك سر هذا التقهقر المرعب، الذي وصلت إليه ثورة عظيمة، مثل ثورة نوفمبر والصومام. أما تواطؤه مع بوتفليقه، فيؤكد على حقيقة تاريخية، وهي أن التضامن العشائري بالنسبة إلى معظم الحكّام الجزائريين يتجاوز الوعي الوطني. فمهما كان بوتفليقة أحد روّاد الانقلاب الذي أطاح به، فهو معذور لأنه من الملة نفسها.

إذا عدنا إلى الحديث عن الأوضاع التي يعرفها الشارع العربي كيف تقوّم الموقف الجزائري تجاه ما يحدث حاليًا في ليبيا، وماذا بشأن الاتهامات التي يوجهها المجلس الوطني الانتقالي إلى النظام الجزائري، وما تعليقك على مشاركة ممثل جبهة التحرير الوطني quot;الآفلانquot; بوقطاية في مؤتمر نظمه مجموعة من الموالين للقذافي؟

يمكن أن نستخلص بسهولة من ذهاب هذا الشخص إلى طرابلس أنّه مبعوث من طرف متنفذي سلطة الظل. المشكلة المطروحة هي أنه تحدث باسم الشعب الجزائري لتأييد ومؤازرة دكتاتور دمّر بلاده. هذا الدعم وجد من يبرره برفض التدخل. في بلدان أخرى، الموقف الذي اتخذته الجزائري في هذا النزاع وصف في أحسن الأحوال بأنه رفض مساعدة شعب في خطر، وفي الأسوأ على أنه تواطؤ في جريمة ضد الإنسانية.

هل تعتقد أن ما يحدث في دول عربية عديدة من ثورات، هو بعيد عن الجزائر؟

لا يصدّق أحد أن حركة تاريخية مثل هذه التي نشهدها حالياً ستتوقف عند الحدود الجزائرية. هذا ويبقى أن لكل بلد تجاربه الخاصة وتقاليده. ولكن إذا تحتم علينا أن نعقد مقارنة، أظن أن الجزائر تقترب أكثر من الحالة الليبية منها إلى الأوضاع في تونس أو في مصر. فالجزائر وليبيا بلدان يشتركان في تكوّينهما السوسيولوجي المعقد، ووزن القبلية والغلاظة والعنف السياسي الذي يميّز قياداتهما العسكرية، مما يدل علىأن المستقبل في هذين البلدين سيكون أكثر تعقيداً في حالة ما إذا تمادت قوى الجمود في سد الأبواب أمام الشعوب التي تطالب بالتغيير.

وفي ما يخص مسألة العلاقات مع المغرب، في ظل تبادل الزيارات الوزارية أخيرا، وتصريحات من هنا وهناك تنبئ بقرب فتح الحدود بين البلدين، هل ترون أنه من مصلحة الجزائر إعادة فتح حدودها مع المغرب في الوقت الراهن؟

أعرف أن مؤتمر طنجة، الذي جمع القادة المغاربة والجزائريين والتونسيين في عام 1958، أوصى بأن استقلال الدول الثلاث يجب أن يفضي إلى إقامة فدرالية دول شمال أفريقيا. أعرف أيضاً أن التوتر الذي لا يزال سائداً بين البلدين يخدم الأجهزة الأمنية في النظامين، اللذين لا يريدان سماع أي كلام عن التبادل ومن ثم عن الديمقراطية. وأعرف كذلك أن هذا الانسداد، سواء من وجهة النظر الاقتصادية والجيوستراتيجية، مضرّ لترقية شعبينا.

كيف تقوّمون ملف الشراكة مع الاتحاد الأوروبي في اطار المراجعة التي طلبتها الجزائر والمتعلقة بتأخير تاريخ دخول منطقة التبادل الحر بين الطرفين الى سنة 2020 بدلاً من2017quot;، بعدما كلف التفكيك الجمركي مع هذا الفضاء الخزينة العمومية حوالي 2.5 مليار دولار منذ دخول اتفاق الشراكة حيز التطبيق؟

الجزائر الرسمية أغلقت الأبواب والنوافذ، لتستمر في اللعب بشبابيك مغلقة. هذا يسمح للمافيا السياسية المالية بتبديد الريوع وتأمين إعادة إنتاج النظام في الخفاء. سبق وأن اشرنا إلى الحدود مع المغرب التي لا تزال مغلقة. مع الاتحاد الأوروبي لا يزال النشاط محصوراً في المساعي الدبلوماسية منذ البداية، في حين أن جيراننا عرفوا كيف يحصلون على مزايا مهمة من التعاون مع أوروبا.

ولا تزال المراوحة مع المنظمة العالمية للتجارة، كما كانت المرواغة مع مسار برشلونة. إن التعاون مع الدول التي يحكمها القانون، يقتضي الامتثال للقواعد والرقابة والشفافية، أي كل الأمور التي لا تطيقها هذه السلطة القائمة على المحاباة ونبذ روح التعاقد. لو أردنا فعلاً أن نقوّم الخسائر التي تعرضت لها الجزائر في هذه العلاقة المتذبذبة مع شركائنا الأوروبيين، يجب أن نأخذ المشكلة من الطرف الآخر، ونحسب الخسارة في الربح المنجرة عن هذا الاقتصاد الريعي الذي يستورد كل شيء، ويرفض التعامل مع فرص الاستثمارات التي سيتفيد منها بلدنا ونقل التكنولوجيا الذي سيتولّد عن تعاون جاد، والتكوين الذي يرافق دائماً المنافسة... فليس الانفتاح هو الذي يهدد الاقتصاد الجزائري، وإنما الاكتفاء الذاتي، الذي يعدّ مصدر التطفل والتخلف.

كتابكم حول حياة العقيد عميروش أثار عاصفة من الانتقادات، هل تتوقعون أن تتبع صدور النسخة العربية انتقادات جديدة ربما تكون أعنف؟

لا أدري. ما أنا متأكد منه هو أن صدور هذا الكتاب كشف عن أمرين أساسيين بالنسبة إلى بلدنا. أولاً أن مصادرة وتحويل التاريخ كان السبب الرئيس للمأساة الجزائرية. كان كافياً أن تذاع جريمة سياسية غير مسبوقة (احتجاز رفات بطلين من أبطال الثورة التحريرية) حتى تهتز أركان النظام.

ثم إن نجاح الكتاب الذي نشر على النفقة الخاصة، يؤكد تعطش الجزائريين لمعرفة الحقيقة وحاجتهم لإبعاد تاريخ بلادهم عن التلاعبات السياسية. أتمنى، من جهتي، أن تكون هناك شهادات موثوقة أخرى تثري كتابة التاريخ. علينا أن نتحمل ماضينا بعظمته ونقاطه المظلمة، إذا أردنا أن نبني أمة الحق والحرية والرقي. فلا ديمقراطية سياسية بدون الحقيقة التاريخية.