الصحافة الفرنسية والإنجلوساكسونية تختلفان حول أخلاقية ومهنية نشر صورة ستروس- كان مصفّد اليدين

أشعلت قضية المدير العام لصندوق النقد الدولي ستروس كان نقاشًا مهمًا حول العمل الصحافي في فرنسا، وذلك على خلفية الصورة التي ظهر فيها مصفد اليدين، كما إن الصحافة الأنجلوساكسونية، سيما البريطانية والأميركية، استغلت الفرصة لتوجِّه الدروس إلى نظيرتها الفرنسية.


باريس: ترتفع تساؤلات حول الأسباب التي أدت بالعديد من الإعلاميين في فرنسا إلى أن يدقوا ناقوس خطر انحراف وسائل الإعلام، في تغطيتها لقضية ستروس- كان، عن الأخلاقيات المهنية.

يعتقد البعض من متتبعي الشأن الفرنسي،ومعهم عدد من الإعلاميين، أنه لم يكن مفروضًا مسايرة quot;قساوةquot; العدالة الأميركية، بنشر صورة ستروس- كان مصفد اليدين، لمراعاة نقطة معروفة لدى الجميع، وهي قرينة البراءة، سيما أنه لم يكن ممكنًا أن تتعرض شخصية سياسية بهذا الحجم في فرنسا إلى quot;الإهانةquot; نفسها.

لم يمانع أي طرف تمرير معلومة من هذا النوع وترويجها، سواء تعلق الأمر بستروس- كان أو غيره من الشخصيات العمومية، لأن المهمة الأساسية لأي وسيلة إعلامية هي الإخبار. لكن الصورة التي قدمت إلى العالم برمته، لستروس-كان وهو مقيد المعصمين إلى الخلف، جعلت إعلاميين يتساءلون إن كان لها جدوى في الرسالة الإعلامية.

ويقول مراقبون إنه يمكن بثّ هده الصورة أو نشرها، لأنها طريقة أخرى لتبليغ المعلومة، على غرار ما يصنعه الصحافي على الأثير أو كتابة. ولا يرون أي حرج في ذلك.

فيما لفريق آخر رؤية مختلفة، تفيد بأن العمل الصحافي نزل إلى نوع من الشعبوية في أدائه بسبب هذه القضية، وصورة بهذا الشكل فيها اعتداء على الحياة الخاصة لمتهم، لم تثبت بعد تهمته وتشكل إيذاء لأسرته.

الصحافة الأنجلوساكسونية تتهم نظيرتها الفرنسية quot;بالتواطؤquot;

الصحافة الأنجلوساكسونية استغلت هذا الوضع، ووجهت سهام النقد إلى نظيرتها الفرنسية، بذريعة افتقارها الجرأة في كشف الجوانب المظلمة من الحياة الخاصة للشخصيات العمومية، بل واتهمتها quot;بالتآمرquot; ضد الحقيقة الكاملة حول ما يمكن أن يخفيه الساسة الفرنسيون عن مواطنيهم، والتي قد تضرّ، حسب رأيهم، بالسير العادي للحياة العامة.

لكن ما الذي يخلق هذا التداخل بين الإعلامي والسياسي ليصل إلى مستوى ما اعتبرته الصحافة الأنجلوساكسونية quot;تواطؤًاquot;؟ ويرجح أن يقف خلف ذلك، وصول الجاذبية التي يسلطها السياسيون على الصحافيين، إلى مستوى الانبهار، فيختلط فيها الذاتي بالمهني.

الصحافية الفرنسية التونسية فريدة عيار، التي اشتغلت سنوات في جنوب أفريقيا كمراسلة من هناك، لها تفسيرها لهذه المسألة. فهي تعترف أنها كانت تحت تأثير جاذبية نيلسون مانديلا بعد عملها في تلك البلاد. ولقيت صعوبة في الحديث عن طلاقه في إطار مهنتها، في حين لاحظت أن زميلاتها زملاءها الأنجلوساكسونيين ظلوا يفصلون مغامرات زوجته ويني ماندين.

الصحافية التونسية فريدة عيار

ترجع عيار هذا الأمر إلى quot;وجود نوع من التحفظ في الثقافة الأوروبية اللاتينية عندما تثار الحياة الخاصة. في المقابل الصحافة الأنجلوساكسونية تحت غطاء الطهرانية، تلقى لذة غير بريئة في نشر أدنى شيء يتعلق بالحياة الخاصة للسياسيين والسياسياتquot;.

وإن كانت تحتفظ بانتقاداتها للصحافة الأنجلوساكسونية لنفسها، فهي quot;تعتقد أن الصحافة الأنجلوساكسونية ليس بيدها أن تعطي الدروس لنظيرتها الفرنسيةquot;.

الصورة التي فتحت نقاش الأخلاقيات الصحافية

لم تتقبل هذه الصحافية quot;عرض ستروس- كان على المصورين وعدسات الكاميرا مصفد اليدينquot;، معتبرة ذلك quot;مسألة صادمةquot;. وعللت هذا الأسلوب الأميركي في تقديم مدير صندوق النقد الدولي مقيد اليدين، بكون quot;الولايات المتحدة تعرف بنميمة بدائية تعود إلى حقبة كان فيها يتم تمريغ الأشرار في الزفت والريش ليتم إعدامهم في ما بعد شنقاquot;.

وتساءلت إن كان في ذلك إي إضافة يمكن أن quot;تحملها صورة رجل مصفد اليدين، لم تثبت بعد إداننته، إلى المعلومة؟quot;، مضيفة أن quot;الكاميرات والفلاشات لم تتعامل بالقدر نفسه من الإلحاح عند توقيف مادوف...quot;.

وخلصت الصحافية عيار إلى أنه quot;كانت هناك إرادة للتشويه والإذلال. وجرائم ستروس- كان المفترضة تدان. لكن هل تم التفكير في زوجته وفي أبنائه. لماذا كان عليه أن يخضع لهذا الإذلال؟quot;.

وتقول بنوع من الحسرة، موضحة أن quot;أحد أهم أخلاقيات الصحافة هو احترام الحياة الخاصة للشخصيات العموميةquot;.

استغلال الصورة في خدمة المعلومة

من جهته يرى الصحافي الفرنسي، سيرج سيمينو، أن quot;تقديم صورة ستروس كان مصفد اليدين فقط لإظهار الأصفاد ليس له أي معنىquot;.

وأوضح، متحدثًا لإيلاف، أنه quot;كان يجب الإخبار، يومها، وعدم إظهاره بتلك الصورة على القنوات الأكثر مشاهدة (الأولى والثانية والثالثة)، ولكنه قد يكون أمرًا سخيفًا في زمن الفضائيات والإنترنتquot;.

ويستدرك في هذا الإطار: quot;في المقابل، هذه الصور يجب ألا تستغل quot;كصور ذريعةquot; للحديث عن ستروس كان، وإنما يجب أن توظف في خدمة التعليقات، إن تحدثنا بالتحديد عن توقيفهquot;.

وتابع: quot;استعمال هذا النوع من الصور بدون مناسبة واضحة، هو الذي يصبح إشكالية، وليس استعمالها في الاتجاه الصائبquot;.

ويقول سيمينو،quot;زيادة على ذلك، فالقليل من القنوات الكلاسيكية في فرنسا، قدمت الأصفاد بصورة واضحة، وإن كان يظهر مقيد اليدينquot;.

ويرى أن quot;الحق في المعلومة يتعارض مع حذف كل شيءquot;، مضيفًا: quot;أكثر من ذلك، لا يمكن أن لا نتحدث عن عملية توقيف ستروس كانquot;.

الصحافة والحياة الخاصة للشخصيات العامة

وحول وجود خطوط حمراء على الصحافي أن لا يتجاوزها عند تناوله الحياة الخاصة للمسؤولين السياسيين، يجيب سيمينو،quot;إذا كانت الحياة الخاصة للسياسي ليس لها أي تأثير على الحياة العامة لا أتحدث عنهاquot;.

في المقابل، يستطرد صحافي القناة الثالثة الفرنسية، quot;يمكن للحياة الخاصة لمسؤول سياسي أن يكون لها تأثير على الحياة العامة، وهنا من واجبنا أن نثير الموضوعquot;.

وسرد مثالين في هذا السياق quot;مرض ميتران، والإجراءات التي اتخدت لأجل حماية quot;سر دولةquot; على حساب دافعي الضرائب، ثم قضية ابنته ميتران مازرينquot;.

أما في ما يخص قضية ستروس- كان، فيعتقد سيمينو أن quot;وسائل الإعلام فقدت صوابهاquot;، متسائلاً quot;كيف يمكن أن نقول إن الناس كانت تعلم بما حصل لستروس- كانquot;.

وأوضح، في الاتجاه نفسه، أن quot;شخصًا معروفًا بمغازلته للنساء لا يعني بالضرورة أنه مغتصب محتمل...quot;، وزاد قائلاً، quot;حول هذه النقطة، أعتقد أن وسائل الإعلام تجاوزت الحدود، بخلطها للأشياء، نتيجة للسباق بين القنوات والصحف...quot;، على حد تعبيره.