حط 350 الف لاجئ فلسطيني رحالهم في مدينة quot;لاكلراquot; التشيلية، بموجب موافقة حكومة سانتياغو على استيعابهم في حي خاص بهم، لانقاذهم من مطاردة ميليشيات عراقية مسلحة، وانفتح اللاجئون الفلسطينيون على حياتهم الجديدة في تشيلي، لينفرد بعضهم بافتتاح مطاعم للمأكولات الشرقية، ومحال اخرى لبيع ملابس الرقص الشرقي.


سانتياغو: بهوية تخفي جنسيتهما الاسرائيلية، تمكن quot;ناعم بدينquot; مدير احد المراكز الاجتماعية في تل ابيب، وخطيبته quot;عيدي ربينوفيتشquot; من دخول حي اللاجئين الفلسطينيين في مدينة quot;لاكلراquot; التشيلية، واعلن بدين وخطيبته خلال لقائهما اللاجئين، وفقاً لصحيفة quot;يسرائيل هايومquot; العبرية، انهما صحافيان اميركيان يقومان بمهمة صحافية في تشيلي، الامر الذي اتاح لهما رصد ادق تفاصيل الحياة التي يعيشها اللاجئون الفلسطينيون خارج اوطانهم، خاصة ان مدينة لاكلرا التشيلية تضم اكبر تجمع للاجئين الفلسطينيين على مستوى العالم.

الاقامة الجبرية في المخيمات
كان اللاجئون الفلسطينيون في العراق عانوا مطاردات عنيفة من قبل ميليشيات مسلحة بعد سقوط نظام صدام حسين، فاضطروا للنزوح الى حدود بلاد الرافدين مع سورياً، غير انه لم يكن مسموحاً لهم بتجاوز تلك الحدود، فاستسلموا لخيار الاقامة في المخيمات لفترة طويلة، وخلال اقامتهم الجبرية في المخيمات راودت ذاكرتهم حياة التشرد التي سمعوا عنها من اجدادهم وآبائهم، عندما اضطروا الى هجران منازلهم ووطنهم تحت ضغط من الاحتلال الاسرائيلي عام 1948، واختاروا العراق عندئذ مأوى لهم وملاذاً آمناً لأبنائهم.

واذا كان العراق قد اصبح وطناً لهم منذ عام 1948 بحسب وصف صحيفة quot;يسرائيل هايومquot; العبرية، فإن رياح التطورات السياسية في بلا الرافدين اتت بما لا تشتهي سفن اللاجئين الفلسطينيين، فسقوط نظام صدام حسين سمح لميليشيات مسلحة بمطاردتهم واجبارهم على الرحيل بلا عودة، ولم تفلح الانروا quot;وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيينquot; في توفير حل لانقاذ حياة ما يربو على 350 الف لاجئ فلسطيني على الحدود العراقية السورية من التشرد، واكتفت الوكالة بامدادهم بالغذاء الذي كان يكفيهم بالكاد، حتى تمكنت اللجنة العليا لشؤون اللاجئين التابعة للامم المتحدة quot;UNHCRquot; من الحصول على موافقة الحكومة التشيلية عام 2008، لاستيعاب 350 الف لاجئ عراقي نزحوا من العراق هرباً من مطاردة المليشيات المسلحة.

ووفقاً لتقرير الصحيفة العبرية، خصصت حكومة سانتياغو حياً كاملاً في مدينة quot;لاكلراquot;، يقع شمال العاصمة التشيلية بمسافة 118 كيلو متراً لاستيعاب هؤلاء اللاجئين، فيما هرب ما تبقى منهم على حدود العراق الى الاراضي السورية خاصة بعد اغلاق المخيم.

اكبر عدد للاجئين الفلسطينيين

يصف الاسرائيلي quot;ناعم بدينquot; وخطيبته في حديث لصحيفة quot;يسرائيل هايومquot; تفاصيل حياة اللاجئين في quot;لاكلراquot;، مشيرين الى ان الحي الذي يستوعب اكبر عدد من اللاجئين الفلسطينيين على مستوى العالم، اقامت فيه الحكومة التشيلية عدداً من المباني السكنية الرحبة، يحيط بها سلالم حلزونية يستخدمها اللاجئون في الانتقال من وحداتهم السكنية الى شوارع المدينة لممارسة حياتهم اليومية، يتوسط تلك المباني فناءاً واسعاً يمكن من خلاله القاء نظرة على نوافذ الوحدات السكنية، التي علق اللاجئون على نوافذها ستائر منقوش على معظمها شعارات الانتفاضة الفلسطينية وصور للمسجد الاقصى، ويعلو هذه النوافذ اجهزة تبريد صغيرة، تجعل الغرف رطبة طيلة ساعات النهار.

وعند فتح باب احدى الوحدات السكنية، تطل من خلفه فتيات وسيدات يحرصن على ارتداء الحجاب والجلباب الطويل، فيتخيل المشاهد انه امام احد المنازل الفلسطينية في رام الله او نابلس. وبحسب تقرير الصحيفة العبرية، تقيم في احدى هذه الوحدات السكنية اسرة quot;الحملاويquot; الفلسطينية، الاب خليل وزوجته وابنائه نور quot;14 عاماًquot;، حلا quot;13 عاماًquot;، محمد quot;9 اعوامquot;، ومصطفى quot;7 اعوامquot;، وقد هاجرت تلك الاسرة الى تشيلي عام 2008، وتشعر انها انتقلت الى الجنة بعد خلاصها من مطاردة المليشيات المسلحة في العراق، وافتتحت الاسرة مطعماً على بعد خطوات من حي اللاجئين، تبيع فيه اشهى المأكولات الشرقية ومنها الكباب، ومحشي الخضر على الطريقة العراقية.

ترتكز على مدخل الباب الزجاجي لمطعم اسرة quot;الحملاويquot; صورة كبيرة لقبة الصخرة، بينما يظهر العلم الفلسطيني معلقاً بتباه على احد الحوائط الداخلية للمطعم، ووفقاً لـ quot;بدينquot; وخطيبته quot;رابينوفيتشquot;، لم يكن من الصعب تحديد هوية اصحاب المطعم، ولكنهم رغم الحنين الى الوطن لا ينكرون جميل الامم المتحدة والحكومة التشيلية التي قررت انتشالهم من حياة التشرد على الحدود العراقية السورية.

وتنقل الصحيفة العبرية عن احد اللاجئين الفلسطينيين المدعو تامر خليفة قوله: quot;كل ما اتطلع اليه هو توفير الامن الاقتصادي والاجتماعي لاسرتي، والحصول على الجنسية التشيكية لأتمكن من العيش باستقرارquot;. اللاجئون الفلسطينيون تمكنوا من اجادة اللغة الاسبانية quot;لغة تشيليquot; بسهولة، وكانت طريقتهم عبارة عن كتابة المفردات اللغوية الاسبانية باللغة العربية، والتدريب على معناها ونطقها بشكل لا يختلف كثيراً عن لغة اهل البلد الاصليين.

الانتقال بالدين من مكان إلى آخر

تخلو مدينة quot;لاكلراquot; التشيلية من المساجد، الا ان اللاجئين الفلسطينيين النازحين من العراق يقولون انهم يعلمون كيف ينتقلون مع دينهم من مكان إلى آخر من دون الحاجة الى مساجد بحسب quot;يسرائيل هايومquot;.

فعندما وصل هؤلاء اللاجئون الى تشيلي استقبلهم جيل قديم من اللاجئين الفلسطينيين في البلد ذاته، وحينما هبطت الطائرة التي اقلتهم من بغداد الى مطار سانتياغو الدولي، لوّح اقطاب الرعيل الاول من اللاجئين بأعلام فلسطينية، في اشارة الى ان اللاجئين الجدد حلوا ضيوفاً ربما دائمين على نظرائهم الذين حملوا الجنسية التشيلية.

لم يكن ذلك مستغرباً، حيث استقبلت تشيلي في بداية القرن العشرين الالاف من اللاجئين الفلسطينيين الفارين من اضطهاد الدولة العثمانية، واصبحت الجالية الفلسطينية في تشيلي من اكثر الجاليات العربية قوة ونفوذاً في بلد لا يتجاوز عدد سكانه 15 مليون نسمة.

على خلفية تلك المعطيات، يقول quot;عمرquot; رب احدى اسر اللاجئين الفلسطينيين في تشيلي: quot;اعمل طباخاً للأكلات الشرقية، قدمت مع اسرتي الصغيرة الى تشيلي منذ ثلاث سنوات، واصبحت ابنتي quot;راينquot; اول طفلة تحصل على الجنسية التشيلية بعد ولادتها في مدينة quot;لاكلراquot;، وكانت الطفلة الجديدة افضل حظا من شقيقتها quot;مريمquot; التي تفتقر حتى الآن وطنًا يمكن ان تنتسب اليه، خاصة ان والدتها وضعتها خلال وجودنا على الحدود السورية العراقيةquot;.

يتركز معظم اللاجئين الفلسطينيين في اربع مدن رئيسة في جمهورية تشيلي هى quot;بركولتاquot;، وquot;لا سلراquot;، وquot;نيويواquot;، وquot;سانتياغو سان فيليبquot;، وينتشر في تلك المدن العديد من مطاعم المأكولات الشرقية التي يمتلكها اللاجئون الفلسطينيون القدامى، كما تخصص بعض اللاجئين في تجارة الملابس النسائية، واشتهر البعض بتجارة ملابس الرقص الشرقي.

وربما انخرط الفلسطينيون في تشيلي بسبب شعبية فريق كرة القدم الفلسطيني ndash; التشيلي، quot;دفورتيفو فلسطينو سانتياغوquot;، الذي تمكن من الوصول الى نهائيات بطولة كرة القدم التشيلية، وتنافس على البطولة امام نظيره التشيلي العنيد quot;كولو كولوquot;، وخلال المباراة التصقت الالاف من الجماهير الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة بشاشات التلفاز لمتابعة المباراة وترقب نتيجتها.

ولم يكن quot;روبرتو خوانquot; رئيس بلدية quot;لاكلراquot; بعيداً عن متابعة فعاليات المباراة، إذ ينتمي هو الآخر في اصوله الاسرية الى الجيل القديم من اللاجئين الفلسطينيين في تشيلي، بحسب تقرير صحيفة quot;يسرائيل هايومquot; العبرية.