تقترب الخارجية المصرية من المُصادقة على معاهدة روما، والانضمام بمصر الى محكمة الجنايات الدولية، الأمر الذي يزيد من فرص محاكمة الرئيس المخلوع مبارك أمام تلك المحكمة، على خلفية ارتكاب جرائم ضد عناصر راديكالية داخل المعتقلات المصرية لحساب دول أجنبية، بداعي مكافحة الإرهاب.


القاهرة: تصاعدت حدّة السجال الدائر في القاهرة حول محاكمة الرئيس المصري السابق حسني مبارك، على خلفية اتهامات تصل العقوبة في بعضها الى الاعدام شنقاً، وفي وقت تختلف الاجهزة القضائية حول الدائرة التي يحاكم فيها مبارك لتأمين عملية المحاكمة، ذهب الصحافي والكاتب الاميركي الشهير quot;وليام دي غوبسونquot; بمحاكمة الرئيس المصري السابق بعيداً عن الحدود الاقليمية، ليقف بها على أعتاب المحكمة الدولية في لاهاي، وأوضح quot;غوبسونquot; في مقاله المنشور في صحيفة quot;واشنطن بوست الاميركية: quot;ليس من المستبعد محاكمة مبارك وأذناب نظامه أمام محكمة الجنايات الدوليةquot;.

الصحافي الاميركي استند في توقعاته الى تطورات شهدتها أروقة الخارجية المصرية خلال الآونة الأخيرة، مشيراً الى ان وزير الخارجية، امين عام جامعة الدول العربية الجديد نبيل العربي، كان قد اقترب من التوقيع على معاهدة روما، وهو التوقيع الذي يضع مصر بين نادي الدول الخاضعة لأحكام محكمة لاهاي، وربما يسوق مبارك ورجاله الى هذا المصير، جرائم نظامه خلف اسوار المعتقلات المصرية ضد عناصر راديكالية، لصالح دول عظمى تتقدمها الولايات المتحدة، بذريعة مكافحة الارهاب، ولم يغفل الكاتب الاميركي إمكانية ان تطال محاكمة مبارك شخصيات سياسية بارزة في عدد من دول العالم، كان لها ضلوع مباشر او غير مباشر في ارتكاب هذه الجرائم.

وتعيد إثارة تلك الإشكالية وثائق ويكيليكس الى الاذهان، إذ فضحت في اكثر من مرة الممارسات القمعية، التي ارتكبها نظام مبارك ضد عناصر إسلامية داخل السجون المصرية، لمجرد اشتباه الاجهزة الامنية الاميركية فيها، رغم انعدام الادلة التي تؤكد ثبوت الادانة.

طابع دولي متشعب

وبحسب quot;غوبسونquot; لم يكن سراً حجم التعاون الامني والاستخباراتي بين القاهرة وواشنطن في قضايا مكافحة الارهاب، فضلاً عن إشكاليات اخرى تحمل الطابع الدولي المتشعب بين البلدين، وكان معظمها في بعض الاحيان غير قانوني، ومخالفا للمواثيق والاعراف الدولية، ولم يكن امام مبارك ورجاله خيار سوى تنفيذ الأوامر، انطلاقاً من مصالح مشتركة بين الجانبين، كثيراً ما كانت فيها الكفة الاميركية هي الأرجح.

هذه المعطيات وغيرها أصابت شخصيات أميركية بحالة من عدم الاتزان، تحسباً لما قد ينجم عن محاكمة مبارك امام المحكمة الدولية من تشويش وربما اساءة إلى وضعها السياسي والامني، وبات السؤال الذي يفرض نفسه على الدوائر السياسية وربما الأمنية في واشنطن، هل سيحافظ أذناب مبارك عند استدعائهم لسماع افادتهم لدى المحكمة الدولية على اسرار التكليفات الامنية، التي تلقاها ونفذها نظام مبارك بذريعة مكافحة الارهاب الدولي؟

وتعليقاً على توقعات الكاتب الاميركي، يرى عمرو حمزاوي استاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة في حديث خاص لـ quot;إيلافquot;: quot;إن فرضية محاكمة الرئيس المصري السابق امام المحكمة الدولية في لاهاي، تجعل امل واشنطن في حفظ أسرارها الامنية في مصر بعيداً عن المنالquot;.

وأضاف حمزاوي انه إذا كان رموز النظام المصري السابق سيتخلّون عن مبارك خلال تلك المحاكمة، املاً في النجاة بأنفسهم على اعتبار انهم كانوا ادوات في ايدي النظام، فمن البديهي ان يتخلى مبارك نفسه ورموز نظامه بالتبعية عن الولايات المتحدة، لتسقط عنها ورقة التوت وتصبح ضالعة في عدد ليس بالقليل من الجرائم التي ارتكبت في مصر زهاء الثلاثين عاماً الماضية، إذ انه من المعروف ان quot;مصر مباركquot; كانت حليفاً مقرباً من الولايات المتحدة، وان القاهرة في ظل النظام المخلوع، أيدت مسعى واشنطن في حربها ضد الارهاب الدولي، ومن غير المستبعد ان يكون نظام مبارك ضالعاً في جرائم ضد عناصر راديكالية لصالح البيت الابيض.

السقوط في الذلل

وجهة النظر القانونية في توقعات الكاتب الاميركي، تعلق عليها في حديث خاص لـ quot;إيلافquot; المستشارة تهاني الجبالي، نائب رئيس المحكمة الدستورية العليا، وتقول: quot;اذا كانت الخارجية المصرية باتت قاب قوسين او ادنى من التوقيع على معاهدة روما التي يدور الحديث عنها، فلا يعني ذلك بالضرورة محاكمة مبارك امام تلك المحكمة، إذ ان حرص الاجهزة الامنية بين الدول المشاركة في الجرائم الدولية يكون اعلى من أية تقديرات، خشية من السقوط في الذلل، وذلك اذا افترضنا ان رأس النظام السابق ورجاله كانوا ضالعين في تنفيذ هذه الجرائم سواء بالتعاون مع الولايات المتحدة او غيرها من الدولquot;.

وكشفت المستشارة الجبالي في حديث خاص لـ quot;إيلافquot; عن حقيقة قانونية اخرى، وهي ان الولايات المتحدة ليست عضوا في محكمة الجنايات الدولية في لاهاي، الامر الذي يحول دون استدعاء اي من شخصياتها البارزة لسماع افادته أو محاكمته على خلفية ضلوعه في جرائم دولية، فليس من حق هذه المحكمة quot;فتح النارquot; على البيت الابيض والتحقيق مع قادته.

من هذا المنطلق يؤكد عماد جاد الخبير في مركز الدراسات الاستراتيجية في حديث خاص لـ quot;إيلافquot;: quot;ان الاسباب القانونية سالفة الذكر تجعل قلق الولايات المتحدة من محاكمة مبارك وأذنابه امام محكمة الجنايات الدولية منحصراً في قلق واشنطن من تدهور سياستها الخارجية في منطقة الشرق الاوسط، فإذا كان مبارك ونظامه قد ساعدا الادارات الاميركية المتعاقبة في ارتكاب جرائم ضد الانسانية تحت شعار مكافحة الارهاب الدولي، فإن ذلك سيساهم في تأجيج فضائح اميركية جديدة، تضاف الى رصيد جرائمها خلف اسوار معتقل ابوغريب في العراق، او في معتقل غوانتانامو الاميركي في كوباquot;.