هاجم متعصّبون في تونس قاعة للعرض السينمائيّ لمنع مواطنين من مشاهدة فيلم quot;لا ربي لا سيديquot; للمخرجة المثيرة للجدل نادية الفاني. وقامت المجموعة التي رفعت شعارات إسلامية وأخرى معادية للإلحاد، بالاعتداء على المنظمين والمتفرجين والأجهزة الموجودة داخل القاعة، ما خلف فوضى وجرحى وإدانة شديدة من قبل المجتمع المدنيّ.


بعض من المشاركين في الاعتداء على التظاهرة الثقافية في العاصمة التونسيّة

تونس: أجهض إسلاميون متشددون في تونس تظاهرة ثقافية دعا إليها تحالف منظمات غير حكومية يعرف باسم تحالف quot;لم الشملquot;، وكان منتظرا أن تضم التظاهرة الثقافية عرض مجموعة من الأفلام والقصائد الشعريّة والعروض التمثيليّة علاوة على عرض فيلم quot;لا ربي لا سيديquot;.

وتم خلال عملية الاقتحام تهشيم عدد من المعدات في قاعة (أفريكا آر) في العاصمة التونسية، والاعتداء بالعنف على الحاضرين من قبل مجموعة من الشباب الذي حمل أعلاما سوداء اللون كتب عليها quot;لا إله إلا اللهquot;، ورفعوا شعارات معادية للعلمانية والإلحاد وأخرى منددة بمخرجة فيلم quot;لا ربي لا سيديquot; نادية الفاني.

وجدّت خلال الهجوم مواجهات خلفت بعض الجرحى من بينهم مدير قاعة (أفريكا آر) حبيب بالهادي، قبل أن تتدخل قوات الأمن - بعد وقت طويل- باستعمال قنابل الغاز المُدمع والهراوات لفض المواجهات وإلقاء القبض على بعض المهاجمين ومثيري العنف.

ورغم تكرّر بعض المظاهر التي لم يعتدها التونسي قبل ثورة 14 يناير من قبيل إلزام الفتيات بارتداء الحجاب والصلاة في الشوارع ومهاجمة الحانات، فإنّ الجهة التي تقف خلفها ما زالت مجهولة لدى كثيرين.

ويرى كثيرون أنّ بعض فلول نظام زين العابدين بن علي تحاول إيهام العامة بوجود متطرفين في تونس ومعادين للحداثة كمحاولة للتذكير بعهد الرئيس المخلوع الذي يقال إنه quot;حارب التطرّف والإرهابquot;.

وبتتبع موضوع الهجوم على قاعة (أفريكا آر)، رجح شهود عيان لـ(إيلاف) أن يكون المعتدون من منخرطي quot;حزب التحرير الإسلاميquot; الذي يدعو لإقامة الخلافة الإسلامية والذي منعت السلطات التونسية عنه الترخيص مؤخرا.

وأكد حاضرون أنّ بعض الوجوه التي هاجمت قاعة العرض هي ذاتها المورطة سابقا في مهاجمة حانات في العاصمة، والاعتداء على مسيرات وتظاهرات تطالب بتطبيق العلمانية في تونس وفصل الدين عن السياسة، كما أنّ الشعارات واليافطات السوداء التي رفعت مساء الأحد، يستعملها عادة حزب التحرير الإسلامي، على حدّ تعبيرهم.

ومنذ أسابيع، تشهد الساحة الافتراضيّة في تونس تحريضا كبيرا ضدّ المخرجة نادية الفاني وأفكارها وأعمالها، خصوصا بعد أن صرّحت لقناة تلفزيونية محليّة بأنها لا تؤمن بوجود الإله، وأنها متمسكة بحرية الفكر والتعبير.

ويقول المسؤولون عن العروض إن ما يتم بثه غير مضاد للدين وإنما هو تجسيد لحرية التعبير التي اكتسبها التونسيون بعد الثورة، وأن ليس هنالك نية للتهجم على الإسلام والمسلمين كما روّج لذلك المعتدون.

وأصدرت بعض المنظمات والجمعيات الثقافية والسياسية بلاغات تدين الاعتداء على التظاهرة الثقافية بقاعة (أفريكا آر) مساء الأحد.

نادية الفاني مخرجة فيلم quot;لاربي لا سيديquot;

وقال هيثم بن زيد رئيس (حركة شباب تونس) لـquot;إيلافquot; إنّ التظاهرة الثقافية جاءت كمحاولة لتحرير المبدعين التونسيين بعد عهد قُمِعَ فيه كل من حاول الإبداع، وإيمانا منا كحركة شباب تونس بأن الثورة لا بد أن تصل بالبلاد إلى ثورة ثقافية قادرة على الارتقاء بالفكر والإبداع لخلق ثقافة وطنية بديلة، فإننا نندد بهذه الممارسات الغريبة عن مجتمعنا التونسي، ونعتبرها ممارسات شاذة ورجعية وضد الفكر التقدمي الحداثي الذي تتبناه حركتنا.

وطالب بن زيد بضرورة فتح تحقيق عاجل quot;للتعرف إلى هوية المعتدين ومحاسبتهم لكي لا تتكرر مثل هذه الممارسات المتخلفةquot;، على حدّ تعبيره.

إلى ذلك، ذكرت quot;جمعية الوعي السياسيquot; للتثقيف الشبابي في بلاغ تلقت quot;إيلافquot; نسخة منه أنها طالما اعتبرت ولا تزال أن حرية التعبير والتفكير هي حرية غير قابلة للتجزئة، وعبرت الجمعية عن quot;اندهاشها لحدوث مثل هذه التصرفات التي تقمع الفكر والإبداع وتضيّق على الحريات العامة، التي ضحّى من أجل تحقيقها المئات من التونسيينquot;.

كما عبّرت عن تضامنها مع النسيج الجمعياتي quot;لم الشملquot; في وجه العنف الذي تعرضوا إليه.

أما quot;الشباب الديمقراطي التقدّميquot; الذراع الشبابي للحزب الديمقراطي التقدمي فقد أكد في بلاغ له quot;إدانته التامة لاستعمال العنفquot;، معتبرا أن quot;ديننا الإسلامي المتسامح براء من هذه التصرّفاتquot;.

ودعا الشباب التقدّمي إلى quot;التعقل وللحوار من أجل ضبط مدوّنة سلوك ديمقراطي تلزم الجميع بكلّ تلويناتهم الفكريّة والثقافيّةquot;.

يشار إلى انّ حزب التحرير الذي اتهمه كثيرون بالوقوف وراء الاعتداء على قاعة العرض، بعث في تونس في يناير/كانون الثاني 1983 أي في عهد الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة، حيث عقد عدد من الإسلاميين المؤمنين بفكر الحزب الاجتماع التأسيسي الأول لهم، وأعلنوا عن تأسيس الفرع التونسي للتحرير، وأصدروا في أعقاب ذلك دورية سرية أطلقوا عليها اسم quot;الخلافةquot; ووزعوها داخل المساجد للتعريف بأفكارهم.

وتقول التقارير التي تناولت تلك الفترة إن المجموعة التي مثلت اللبنة الأولى للتحرير في تونس خططت للاستيلاء على السلطة بالقوة، بهدف تأسيس دولة إسلامية، وذلك بعدما نجحت في استقطاب عشرات من ضباط الجيش، الذين أمدّوهم بالذخائر الحربية والأسلحة الخفيفة استعدادًا لقلب نظام الحكم، إلا أن السلطات تمكنت من الوصول إليهم وتصفية مخططهم في وقت مبكر.

وقد تمّ اعتقال وملاحقة معظم قياديي الحزب، وبينهم عدد من العسكريين، في النصف الثاني من عام 1983 بتهمة تشكيل جمعية سياسية، والانتساب إليها، وحضور اجتماعاتها، وتحريض عسكريين على الانتساب إلى هذه الجمعية. ومثل آنذاك أمام المحكمة العسكرية ثلاثون من القادة والكوادر.

وشهدت تونس في الفترة التي تلت 14يناير/كانون الثاني موجة من المسيرات والتجمعات نظمها إسلاميون رفعت فيها شعارات مطالبة بإقامة خلافة إسلامية، وسابقا، تظاهر إسلاميون متشددون أمام كنيس يهودي في وسط العاصمة ورفعوا شعارات معادية لليهود، منها quot;خيبر خيبر يا يهود، جيش محمد سيعودquot;.

كما تمّ إغلاق عدد من المواخير المرخص لها من طرف الدولة في بعض المحافظات التونسية إثر مسيرات مناهضة quot;للبغاء العلنيquot; كما وصفها المشاركون في هذه الاحتجاجات، وقالوا إنه quot;لا مكان لبيوت الدعارة في بلد مسلمquot;.

وخلال لقاء سابق مع quot;إيلافquot;، قال عبد المجيد الحبيبي رئيس المكتب السياسي لحزب التحرير الإسلامي في تونس quot;نحن نرفض هذه الاتهامات التي تؤكد وقوفنا وراء هذه التظاهرات المنادية بإغلاق المواخير وموجة التطرف الديني عمومًا ومن لديه إثبات لهذه الاتهامات فليتقدم بهquot;.