شهدت العلاقات التركية الإسرائيلية تحولاً مفصلياً، ساهمت فيه زيارة نائب نتنياهو الأول إلى نيويورك، وخوضه مباحثات مع الأتراك لاستئناف العلاقات بين أنقرة وتل أبيب، وفي المقابل لم تتوقف إسرائيل عن مناوراتها السياسية مع اليونان، حتى أفضت في نهاية المطاف إلى منع قوافل المساعدات من الوصول إلى غزة.


العلاقات التركية الإسرائيلية توترت في أعقاب الهجوم على أسطول الحرية

توجه النائب الأول لرئيس الوزراء الإسرائيلي موشي يعالون إلى مدينة نيويورك الأميركية للقاء عدد من المسؤولين الأتراك لإجراء مباحثات بين الطرفين برعاية أميركية تهدف إلى استئناف العلاقات بين أنقرة وتل أبيب، وتخفيف حدة تقرير quot;بالمرquot; الخاص بقافلة المساعدات التركية إلى قطاع غزة التي قتلت القوات الإسرائيلية في عرض البحر بعضاً من أفرادها العام الماضي، فقبل صدور التقرير المقرر يوم الخميس المقبل، بادرت الإدارة الأميركية إلى عقد اللقاء التركي الإسرائيلي في محاولة لنزع فتيل الأزمة بين الجانبين، وتجنيب إسرائيل المساءلة القانونية بحسب صحيفة يديعوت احرونوت، خاصة في ظل القلق التركي من الانتقادات التي صاغتها الأمم المتحدة ضدها في سياق التقرير.

اعتذار إسرائيل الرسمي لأنقرة

وفي إطار المباحثات التي يدور الحديث عنها، يحاول الجانبان التوصل إلى تفاهمات يتم بمقتضاها عدم مطالبة إسرائيل بتقديم اعتذار رسمي عن اعتراضها لسفينة المساعدات التركية quot;مرمرةquot;، وفي المقابل تتجاهل إسرائيل البنود الواردة في تقرير الأمم المتحدة التي تنطوي على ما يعتبره الأتراك اتهاماً سافراً لهم، فضلاً عن التباحث حول إقامة صندوق تركي لصالح المصابين على متن السفينة التركية على أن تقوم إسرائيل بتقديم دعم مادي كبير للصندوق.

ونقل موقع القناة السابعة في التلفزيون الإسرائيلي عن مصادر سياسية في القدس الغربية، أنه إذا توصل الجانبان إلى تفاهمات بهذا الخصوص، فسوف تساعد إسرائيل تركيا على جعل التقرير غير ذي صلة بها عن طريق الامتناع عن توجيه الانتقاد لها خاصة في ما يخص علاقة الأتراك بمنظمة IHH المعنية بتوجه قافلة المساعدات التي يدور الحديث عنها إلى قطاع غزة، وأضافت المصادر عينها إنه إذا توصل الجانبان إلى تفاهمات بوساطة أميركية، فسوف يساعد ذلك في تهدئة الخواطر بين أنقرة وتل أبيب، ويعيد العلاقات بين الجانبين إلى سابق عهدها.

في المقابل أفادت معطيات نشرتها صحيفة هاآرتس العبرية أن إسرائيل معنية بتحسين علاقتها السياسية والدبلوماسية مع تركيا، وتحديد موعد جديد لعقد جلسات على درجة رفيعة المستوى بين ممثلين من البلدين، وبسبب حرص إسرائيل على إعادة علاقتها العسكرية مع أنقرة، باتت الدوائر السياسية في تل أبيب على قناعة بأن وزير الدفاع ايهود باراك هو الشخصية المنوطة بدفع مسار العلاقات على هذا الصعيد بين البلدين، ولعل ذلك هو ما حدا بالوزير الإسرائيلي إلى الإعلان صراحة عن استعداده للعب دور في المصالحة بين الجانبين، مؤكداً quot;أن تلك المصالحة تدخل في إطار أهم الأولويات الإستراتيجية لدولة إسرائيلquot;.

تفاؤل حذر من مباحثات يعالون

رغم التفاؤل الحذر الذي يخيم على زيارة موشي يعالون إلى نيويورك ومباحثاته هناك مع المسؤولين الأتراك، إلا أن علامات الاستفهام دارت بشكل يثير الريبة بين المراقبين حول اختيار يعالون ممثلا عن إسرائيل في تلك المهمة بالغة الصعوبة، ففي حين تسعى إسرائيل للتهدئة مع تركيا، أصر نتنياهو على أن يكون احد صقور الليكود هو المتحدث باسمه في هذه المباحثات، ويبدو بحسب صحيفة معاريف العبرية أن نتنياهو يرغب في وجود سقف لما يصفه بالتنازلات خلال المباحثات مع تركيا.

وبعيداً عن أن يعالون هو النائب الأول لرئيس الوزراء الإسرائيلي، ووزير للشؤون الإستراتيجية في حكومة الليكود، إلا أن ملفه المهني وأيديولوجياته السياسية تعكس جانباً كبيراً من سياسة نتنياهو في التعامل مع الأتراك، إذ تشير معطيات الموسوعة العبرية على شبكة الانترنت إلى أن نائب نتنياهو الأول معروف بميوله اليمينية المتطرفة، فكان أول السباقين بوصف حركة quot;السلام الآنquot; الإسرائيلية المحسوبة على التيار اليساري بـ quot;الفيروسquot;، وهو الأمر الذي أثار ردود فعل سياسية غاضبة لدى اليسار الإسرائيلي في حينه.

وفي آب/ أغسطس عام 2009 رافق يعالون عدد من وزراء اليمين في زيارة إحدى النقاط الاستيطانية التي تم هدمها بعد إخلائها في إطار خطة فك الارتباط الإسرائيلي عن قطاع غزة، معرباً عن موقفه الرافض للانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة حتى إذا كان أحادي الجانب، وخلال عملية اعتراض قافلة المساعدات التركية في طريقها إلى قطاع غزة، كان يعالون رئيس وزراء إسرائيل الفعلي، إذ كان نتنياهو في هذا التوقيت quot;أيار/ مايو 2010quot; خارج إسرائيل، فدافع يعالون عن قرار رئيس الوزراء الإسرائيلي بعدم السماح بدخول القطاع، وكان مسؤولاً عن قرار فتح النار على نشطاء القافلة في عرض البحر.

إلى جانب المباحثات التي تجريها إسرائيل وتركيا برعاية أميركية للمصالحة بين الجانبين، مارست حكومة تل أبيب ضغوطات مستميتة على حكومة اليونان لمنع وصول قافلة المساعدات الجديدة إلى قطاع غزة، وكان لتلك الضغوطات بالغ الأثر في اعتراض قوات حرس الحدود اليونانية لسفن القافلة رغم أن إحدى السفن كانت تحمل العلم اليوناني.

وبحسب تقرير نشرته صحيفة هاآرتس العبرية، فإن السفن التسع التي حملت على متنها 350 ناشطا من اصل 1.500 من بينهم على ما يبدو حمود طارق صهر رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل، فوجئت بحصار لا يقل ضراوة عن حصار القطاع، عندما أوعز إليها حرس الحدود اليوناني بالعودة إلى ضاحية quot;براماتquot;، التي تعتبر جزءاً من ميناء quot;بيراوسquot; اليوناني، بداعي أن القافلة لم تحصل على التصريحات اللازمة لمغادرة الميناء، حينئذ أدرك نشطاء القافلة أنهم أمام فاصل جديد من المناورات الهادفة إلى إقصائهم عن مهمتهم الإنسانية.

تسريبات استخباراتية عبرية

ويبدو أن توقعات نشطاء القافلة كانت في محلها، إذ تزامنت مع الخطوة اليونانية تسريبات استخباراتية عبرية، تؤكد أن اليونان باتت ضلعاً رئيساً في المناورات الإسرائيلية لمنع القافلة من الوصول لقطاع غزة، وتشير التسريبات إلى أن حكومة أثينا التي تعاني أزمة اقتصادية طاحنة، خضعت لضغوط تم بموجبها إبرام صفقة سرية مع حكومة تل أبيب، تساعد فيها الأخيرة رئيس الوزراء جورج بابانديرو على تجاوز أزمة بلاده، مقابل منع سفن المساعدات من التوجه لقطاع غزة، رغم مشاركة سفينة تحمل العلم اليوناني في القافلة.

على صعيد ذي صلة، نشرت صحيفة هاآرتس العبرية معلومات أخرى أكدت فيها أن رئيس الوزراء الإسرائيلي حرص منذ شباط/ فبراير العام الماضي على توطيد علاقته بنظيره اليوناني، منتهزاً لقاءً عابراً جرى بينهما في مطعم quot;بوشكينquot; في موسكو، ليسهب في الحديث عما وصفه بمناصبة حكومة أنقرة العداء لإسرائيل، فوصلت الرسالة للمحنك بابانديرو، وبات على قناعة بأن تل أبيب ستقدم خدماتها السخية لاثينا مقابل أن تكون الأخيرة حليفاً بديلاً لحكومة أنقرة، ولم يكن مستغرباً أن تشاطر واشنطن إسرائيل في تحالفها مع اليونان، خاصة بعد سماح الأخيرة بتحويل أراضيها لمرتع، تجري فيه إسرائيل مناوراتها الجوية، شريطة أن يكون لسلاح الجو اليوناني حظ منها.

على خلفية تلك المعطيات، أضاف تقرير الصحيفة العبرية، انه في ختام مراسم حفل إنهاء إحدى الدورات الجوية في قاعدة quot;حتسريمquot; بالنقب، تطرق رئيس الوزراء الإسرائيلي في كلمته إلى ما وصفه بالجهود الدبلوماسية المبذولة، لمنع وصول قافلة المساعدات إلى غزة، ولم يستنكف نتنياهو ذكر اسم رئيس الوزراء اليوناني في كلمته، ووفقاً لتقرير الصحيفة، أجرى نتنياهو اتصالاً هاتفياً بعد أربع وعشرين ساعة من كلمته في القاعدة العسكرية برئيس الوزراء اليوناني وطلب منه منع إبحار قافلة المساعدات إلى غزة، ولم يكن من الأخير سوى الاستجابة لنظيره الإسرائيلي خلافاً لمواقفه السابقة.