القاهرة:لا تمنع الحرارة المرتفعة والضجيج المعتصمين في ميدان التحرير من مواصلة تحديهم لسلطة المجلس الاعلى للقوات المسلحة الذي بدا يفقد صبره امام اصرارهم بالرغم من التنازلات التي يقدمها.
ويعتصم هؤلاء المحتجون منذ الجمعة تحت خيمة كبير يتوسط الميدان الذي كان معقل الاحتجاجات التي اطاحت بالرئيس السابق حمد حسني مبارك فبراير/شباط الماضي تحت وطاة ثورة شعبية غير مسبوقة.

وبعد الاستقبال الحار الذي حظي به الجيش حين تولى الحكم في مصر بعد الاطاحة بمبارك اصبح اليوم محط سخط المصريين وهدفا لاحتجاجاتهم على طريقة ادارته لعملية الانتقال السياسي.
ويرى المتظاهر محمد وجيه (26 عام) الذي يحمل معه سجادة لينام عليها كمئات غيره من المعتصمين quot;لا ينبغي ان يحكم الجيش ورئيس الوزراء لم يعد مسيطرا على الوضعquot;.

ويتابع الشاب الذي بدا على الارهاق quot;نحن لسنا اغبياء نعلم انهم يريدون ان نعود الى منزلنا لكننا لن نفعلquot;.
ويقاطعه هنا احمد خوزيم الذي يشغل وقته بلعب الطاولة مع متظاهر اخر امام خيمته quot;مستعدون للبقاء هنا لمدة عام، لن نملquot;.

وخرج الجيش عن صمته منذ بدء الاحتجاجات ليعلن الثلاثاء انه quot;لن يتخلى عن دوره فى ادارة شؤون البلادquot;، محذرا من ان quot;انحراف البعض بالتظاهرات والاحتجاجات عن النهج السلمي يؤدي الى الاضرار بمصالح المواطنين وتعطيل مرافق الدولة وينبىء بأضرار جسيمة بمصالح البلاد العلياquot;.
كما اكد بلهجة صارمة في بيان تلاه على التلفزيون المصري ان quot;القوات المسلحة لن تسمح بالقفز على السلطة او تجاوز الشرعية لاي كان وسيتم اتخاذ ما يلزم من اجراءات لمجابهة التهديدات التى تحيط بالوطنquot;.

لكن نبرة التهديد هذه لم تمنع الاف المتظاهرين من الخروج بعد البيان في مسيرة من ميدان التحرير الى مقر مجلس الوزراء وترديد هتافات ضد الجيش كان احداها quot;الشعب يريد اسقاط مشير الميدانquot; في اشارة الى المشير حسين طنطاوي رئيس المجلس الاعلى للقوات المسلحة.
ويقول جورج اكرم (18 عام) وهو يمسح عرقه quot;لقد فقدنا الثقة بالجيش، فبعد ستة شهور من سقوط مبارك لم يتغير شئquot;.

ويغلق المتظاهرون الميدان الواسع امام حركة السير وتحرص لجان منهم على تفتيش الاشخاص والتحقق من هوياتهم قبل السماح بدخولهم الى الميدان.
ودفعت الحرارة التي تجاوزت الاربعين درجة مئوية المتظاهرين الى نصب عشرات الخيام القماشية فوق الميدان وامام المدرجات التي تلقى من عليها الخطابات والحفلات التي يعدونها خلال الليل.

ويعتمد هؤلاء الشباب على اعمدة الانارة في الشارع لتمديد خطوط كهرباء تمكنهم من شحن هواتفهم النقالة واجهزة الحاسوب النقالة ليتمكنوا من التواصل على الفيسبوك وتويتر لحشد مزيد من المتظاهرين.
ويعطي هذا الحشد الفرصة للباعة المتجولين لزيادة مبيعاتهم وعرض بضائعهم امام المارة من عصائر باردة وكعك واعلام مصرية وصور لquot;شهداء الثورةquot; اضافة الى رسوم كاريكاتيرية لمبارك واعوانه من شخصيات النظام السابق.

وتحرص الممرضة اسماء التي ترتدي نقابا طويلا على تفقد المتظاهرين وتقديم الرعاية الصحية لمن اصيب منهم بضربة شمس داخل احدى العيادات المتنقلة المنتشرة داخل الميدان.
ورغم ان المجلس الاعلى للقوات المسلحة قدم الاربعاء تنازلات ترمي الى مواجهة هذه الاحتجاجات عبر اعلانه تاجيل الانتخابات لفترة قد تصل الى شهرين وانهاء خدمة مئات من ضباط الشرطة الا ان ذلك لا يبدو كافيا بالنسبة للمتظاهرين.

ويعلق المتظاهر حسين عبد العزيز (38 عاما) على هذه القرارات قائلا quot;هذه مسرحية، لا يهمنا ان يؤجلوا الانتخابات، المهم ان تتم صياغة الدستور اولاquot;.
ويتفق معه الشاب نجيب سعيد (31 عام) الذي يعتبر ان quot;هذه الاصلاحات غير كافية والاولوية لمحاكمة الضباط الذين قتلو المتظاهرينquot;.

ومن المطالب الرئيسية للمحتجين انهاء المحاكمات العسكرية للمدنيين واقالة ومحاكمة ضباط الشرطة المتهمين بقتل المتظاهرين فضلا عن محاكمات حاسمة وشفافة لاقطاب النظام السابق.
وتثير المحاكمات العسكرية المتواصلة للمدنيين سخط المصريين ويعد الغاؤها من المطالب الرئيسية للمتظاهرين، اضافة الى بعض الخلافات على الجدول الزمني لاجراء الانتخابات ووضع الدستور.

ويقول الحاج محمد طاهر (70 عام) الذي يحتمي مع زوجته وطفيله تحت شجرة من اشعة الشمس الحارقة quot;يوجد في بيتي تكييف واستطيع ان اعود اليه لارتاح من هذا الوضع لكني ساظل هنا لان مصر هناquot;.
وعلى احد جدران الميدان رسم المتظاهرون صورة كاريكاتيرية للرئيس السابق وهو يمسك بسلاسل تحمل دمية متحركة تمثل المجلس الاعلى للقوات المسلحة كناية عن استمرار الاوضاع كما كانت عليه قبل الاطاحة بنظامه.