تسبب إعلان الولايات المتحدة الأميركية الجمعة الماضي، عن أنّ المجلس الوطني الانتقالي في ليبيا هو الحكومة الشرعية في البلاد، بإثارة مشكلات عملية وقانونية، بما في ذلك ما أثاره من تساؤلات بشأن ما إن كانت حكومة القذافي أو المجلس الوطني الانتقالي ملتزمين قانوناً باحترام المعاهدات الدولية.


كلينتون مع محمود جبريل أحد أبرز قادة المجلس الوطني الانتقالي في ليبيا

واشنطن: حين أعلنت الولايات المتحدة الأميركية يوم الجمعة الماضي أن المجلس الوطني الانتقالي في ليبيا هو الحكومة الشرعية في البلاد، لم تكن المسألة مسألة دلالات، ولم يكن يتعلق الأمر فحسب بالتأكيد أن بمقدور المجلس الحصول على الأموال التي يحتاج إليها.

وقد حظي هذا الإعلان بآثار وتداعيات قانونية بعيدة المدى، وهو ما دفع بجون بلينغر، المستشار القانوني السابق لوزارة الخارجية، أن يؤكد في مقال نشر له هذا الأسبوع على الموقع الإلكتروني الخاص بمجلس العلاقات الخارجية أن هذا الإعلان تسبب بإثارة مشكلات عملية وقانونية، بما في ذلك ما أثاره من تساؤلات بشأن ما إن كانت حكومة القذافي أو المجلس الوطني الانتقالي ملتزمين قانوناً باحترام المعاهدات الدولية.

وفي مقابلة أجرتها معه صحيفة واشنطن بوست الأميركية، ونشرتها اليوم، قال بلينغر quot;أشك في أن محامي وزارة الخارجية قد قدموا المشورة لعملائهم السياسيين بشأن المسائل القانونية الدولية الصعبة التي ستثيرها خطوة الاعتراف بالمجلس الوطني الانتقالي، ومع ذلك، أراد المسؤولون السياسيون المضي قدماً بهذا الاعترافquot;.

وفي بداية حديثه مع الصحيفة، أوضح بلينغر أن السبب الذي قد ينظر من خلاله إلى أن الاعتراف بالمجلس الانتقالي قد يعتبر خطوة مثيرة للمشاكل من منظور القانون الدولي هو عدم اعتراف الولايات المتحدة ومعظم الدول الأخرى بالفعل على مدار العقود الماضية سوى بالدول الجديدة وليس الحكومات الجديدة. وهو المنهاج الدبلوماسي الذي سلكته واشنطن، لعدم رغبتها الخوض في أمور كهذه كلما كان هناك تغيير في الحكومات.

وتابع بلينغر حديثه بالقول quot; تخلت الولايات المتحدة عن هذا المنهاج بإقدامها يوم الجمعة الماضي على الاعتراف بالمجلس الوطني الانتقالي، وهو الأمر الذي أثار مشكلات، لأن المجلس بوضوح لا يتحكم في جميع الأراضي الليبية. بل يتحكم فقط في جزء منها، ولا يمكن القول إنه يتحدث نيابةً عن جموع الشعب الليبي، خصوصاً وأن هناك فئة لا تزال موالية للعقيد معمر القذافي. وهو ما أثار مسائل قانونية هناكquot;.

وأضاف بلينغر :quot; ومن الناحية التاريخية بموجب القانون الدولي، قد تُتَّهم دولة خارجية بالتدخل بصورة غير قانونية في الشؤون الداخلية لبلد ما، إن كانت ستعترف بجماعة متمردة. وقد ذهبت الولايات المتحدة في تلك الجزئية بالطبع لما هو أبعد من مجرد الاعتراف. فنحن نزودهم بالمساعدات والدعم العسكري بشكل عام. وأخيراً، أثار الاعتراف في تلك الحالة تساؤلات صعبة بشأن الجهة التي تمتلك التزامات دولية تجاه ليبيا بموجب القانون الدولي، ومن الذي يدين بتلك الالتزاماتquot;.

وأشار بلينغر في السياق ذاته كذلك إلى أن إدارة باراك أوباما سبق لها القيام بتلك الخطوة مرتين، أولهما حين اعترفت بالرئيس الجديد لساحل العاج، وثانيهما، باستمرار اعترافها بزيلايا [مانويل] في هندوراس بدلاً من الاعتراف برئاسة [روبرتو] ميتشيليتي، حتى بعد أن أكدت حكومة هندوراس وضعيته كرئيس فعلي للبلاد.

وتابع بلينغر بتأكيده أن المسألة أثارت بالفعل تساؤلات بشأن ما كان المجلس الوطني الانتقالي يدين الآن بالتزامات دولية تجاه الولايات المتحدة والعالم الخارجي، وما إن كان لم يعد لنظام القذافي، غير المعترف به حالياً من جانب الولايات المتحدة وبعض الدول الأخرى، تلك الالتزامات.

وقال بلينغر إن الخارجية الأميركية لم توضح بالضبط الطريقة التي ستتعامل من خلالها في ما يتعلق بالتزامات المعاهدات.

كما تحدث بلينغر عن رغبة مجموعة الاتصال بشأن ليبيا، المكونة من 32 عضواً، في الاستعانة بمصطلح quot;التعامل معquot; المجلس الوطني الانتقالي، وعدم استخدام كلمة quot; الاعترافquot;.

ورأى بلينغر أيضاً أن واحدة من الآثار الجانبية غير المتوقعة لرفض إدارة أوباما الاعتراف بأن الولايات المتحدة تقوم بأعمال حربية في ليبيا لأغراض خاصة بقرار سلطات الحرب هي أنهم لم يتمكنوا من الاستفادة من أحد أحكام القانون المحلي بموجب قانون سلطات الطوارئ الدولية الاقتصادية الذي كان سيسمح لهم بالاستيلاء على أصول الحكومة الليبية ndash; لكن إن كنا في قتال مسلح مع تلك الحكومة.

وأكد بلينغر في الإطار عينه أن واحدة من الآثار الناجمة عن اعتراف واشنطن بأن المجلس الوطني الانتقالي هو السلطة الحاكمة الشرعية في ليبيا هي أن نقول بالفعل إننا نعتبره حكومة ليبيا، وبالتالي لا يتوجب علينا الاستيلاء على الأصول بعد الآن.
وتساءل بلينغر في ختام حواره بالقول : كيف لنا أيضاً أن نتوقع وفاء حكومة القذافي ببعض التزامات القانون الدولي المدينة بها لنا أو لغيرنا، إذا كنا نعتقد أنها لم تعد الحكومة؟