بينما سبق للقوات الفرنسية والبريطانية في أواخر تشرين الأول/ أكتوبر عام 1956 أن ساعدت إسرائيل في الاستيلاء على قناة السويس من مصر، جاء التدخل الأخير من جانب الناتو (بمشاركة قوات فرنسية وبريطانية) في الشأن الليبي لفرض منطقة حظر طيران وحماية المتمردين من نظام القذافي، ليثير موجة من التساؤلات حول حقيقة الدور الذي تلعبه واشنطن ودول القارة الأوروبية في منطقة شمال إفريقيا.


في الوقت الذي سبق أن بشَّرت فيه أزمة قناة السويس بعصر تفرض فيه الولايات المتحدة هيمنتها وقوتها، أظهرت الأزمة التي تشهدها ليبيا حالياً أن أميركا تعتزم الارتكاز على حلفائها ليتحملوا أعباء أكبر ويأخذوا على عاتقهم مسؤولية المناطق الخاصة بها.

فبعد دورها البارز، الذي لعبته في سبيل تمويل الأمن الغربي، لم تعد تعتزم أميركا تقديم الضمانات الخاصة بالأمن الأوروبي نتيجة عجزها المالي ودخولها في صراعات عسكرية امتدت على مدار 10 أعوام.

فالدول الأوروبية التي كانت تحظى بالقوة كانت لا تزال تعاني عام 1956 تبعات الحرب العالمية وتخوض مواجهات مع حركات استقلالية استعمارية قوية. وخلال الهجوم الثلاثي على مصر، لم تشارك الولايات المتحدة بأي دور، وهو ما أصاب إسرائيل وإنكلترا وفرنسا بالدهشة.

الأكثر من ذلك، أن الرئيس الأميركي حينها، دوايت ايزنهاور، احتج بقوة على هذا الهجوم، وطلب من القوات الأجنبية أن تنسحب من مصر. ورغم ضعف حماسته لعبد الناصر ونظامه، إلا أنه كان عازماً على دعم النظام الدولي وتجنب الصراعات الدولية غير الضرورية. وهو ما أكسب الولايات المتحدة بعد ذلك دوراً بارزاً في الشراكة بين أميركا وأوروبا.

وعبر حلف شمال الأطلسي، تعهدت أميركا بحماية أوروبا من الاتحاد السوفيتي وحلف وارسو، وباتت أولويات أميركا هي أولويات الناتو نفسها.

وقد فقدت بريطانيا، نتيجة لذلك، نفوذها الشرق أوسطي، وقررت أن تؤثر على الأمن العالمي والغربي من خلال التعاون في علاقتها الخاصة مع الولايات المتحدة. في حين انتهجت فرنسا الطريق البديل، وسعت إلى فرض الأولويات الدفاعية الخاصة بها. وطالبت بإعادة هيكلة قيادة الناتو عام 1958، وبدأت في سحب قواتها من القيادة خلال ستينات القرن الماضي. وظلت فرنسا خارج حلف الناتو لمدة تزيد عن أربعين عاماً حتى العمليات التي شهدتها أفغانستان أخيراً، وأعادت قواتها رسمياً عام 2009.

بالنسبة إلى الوضع الدائر في ليبيا، نوهت فورين بوليسي الى أن الرئيس باراك أوباما وافق على تدخل بلاده وقيامها بدور قيادي في شن الهجمات الأولية على ليبيا خلال عملية quot;فجر الأوديسيquot;، لكنه أكد على دور الناتو القيادي في الحفاظ على استمرار منطقة حظر الطيران.

ورغم ما يتم تكراره وإعلانه، إلا أن المجلة أكدت أن أميركا لا تزال تقود العمليات الدائرة في ليبيا، حتى في الوقت الذي تواصل فيه الحكومة فقدانها الدعم الجماهيري وتناضل من أجل تبرير زيادة التكاليف الخاصة بتلك العمليات.

كما قالت المجلة إنه وبعد مرور عقود على نجاح أميركا في فرض هيمنتها ووجودها وقوتها، فإن جيوش حلف الناتو الأوروبية لا تزال تجد نفسها غير مستعدة وغير مهيأة ومفتقرة الموارد التي تعينها على تنفيذ عمليات عسكرية كبيرة، حتى في البحر الأبيض المتوسط، الذي يعتبر الحد الجنوبي للقارة الأوروبية.

وأوضحت فورين بوليسي أنه وبعدما وفَّرت أميركا الغطاء الأمني لأوروبا، فإن الأخيرة قد تضطر إلى الدخول في حروب من أجل الدفاع عن نفسها، رغم عدم جاهزيتها لذلك. وقالت في ختام حديثها إنه وفي الوقت الذي أكدت فيه أزمة قناة السويس على الزعامة الأميركية في الشؤون الدفاعية الغربية وحددت أدوار أوروبا الأمنية على مدار أجيال، جاء التدخل الأخير في ليبيا ليحدد واقعًا دفاعيًا جديدًا.