أعاد المتحدث الرسمي للحكومة الليبية موسى إبراهيم ذكريات وزير الإعلام العراقي السابق محمد سعيد الصحاف، وتذكر الكثيرون مع الخطاب الأخير الذي ألقاه إبراهيم آخر خطابات الصحاف حينما دخل (العلوج) بغداد في الوقت الذي كان يطمئن الجميع إلى أنهم يشنقون على أسوار العاصمة.


المتحدث الرسمي موسى إبراهيم quot;صحّاف ليبياquot;

الرياض: رغم أنه اعتزل السياسة منذ احتلال العراق، إلا أنه يبدو quot;قدوةquot; اليوم لكثير من المتحدثين أو السياسيين، حتى في ظل الحروب وquot;زنقاتهاquot;، ولعل آخرها ما حدث في ليبيا.
هو quot;محمد سعيد الصحافquot; دوّخ العالم والصحافيين صاحب كلمات quot;العلوجquot; و quot;طراطيرquot;... سار على دربه اليوم quot;موسى إبراهيمquot; المتحدث الرسمي باسم الحكومة الليبية أو quot;وزير الإعلام الليبيquot;.
حتى الرؤسا،ء ومنهم quot;القذافيquot;، احتذى بالصحاف، ففي حين كان الثوار يرقصون في الساحة الخضراء، ظهر صوت القذافي وهو يقول quot;نزحف عليهم بالملايينquot;.
ربما قُدر لهذه الحروب ndash; على اختلاف أهدافها وتسمياتها ndash; أن يكون لها نكهة الكوميديا السياسية حتى بات مشاهدو التلفزيون يتابعون أخبارهم، متناسين quot;طبيعة الحروب ورعبهاquot;.
في العام 2003 بدأت الحرب الأميركية على العراق، ورغم الهالة الإعلامية القوية التي رافقتها، استطاع quot;الصحافquot; النهوض بالعراق إعلاميًا، ولو بـquot;التضليلquot; تحت مسمّى quot;الحرب الإعلاميةquot;، فأذاقها والعرب طعم النصر، ولو لأسابيع قليلة، حتى بات القاصي والداني يربط العراق بـquot;الصحافquot;.
في العام 2011، أعاد quot;موسى إبراهيمquot; صورة الصحاف إلى الواجهة، ولكن هذه المرة في ليبيا، والعدو؛ الشعب الليبي بتسميات مثل quot;جرذانquot; وquot;مسلحينquot; أو quot;عصاباتquot; وquot;أعوان الصليبيينquot;.
فجأة، لم يلقالصحافيون فيالعالم والمحطات التلفزيونية الإخبارية سوى quot;موسى إبراهيمquot; ليتكلموا معه، فبدأ يلقي التصريح تلو الآخر، حتى بات رجل ليبيا رقم واحد في كثير من الأوقات، خاصة في الدقائق الأخيرة.
دفاع .. أعمى
دافع quot;موسى إبراهيمquot; عن نظام القذافي كما فعل quot;الصحافquot;في زمن صدام حسين، إذ وثق به ثقة عمياء، وعمل quot;موسىquot; على إظهار ليبيا في نظام القذافي بصفة الضحية، واصفًا ما حدث لليبيا بـquot;الاحتلالquot;.
وفي حين كان quot;الصحافquot; يدافع عن نظام صدام ضد الأميركيين، اتهم quot;موسى ابراهيمquot; الليبيين أنفسهم بـquot;الخيانةquot;، ورفع السلاح ضد ما وصفهم بـquot;أخوتهمquot; محوّلين ليبيا إلى ساحة معركة.
ويصدف أن قال عند وفاة أخيه: quot;سنقاتل من دار إلى دار .. زنقة زنقةquot;. وقال ذات مرة: quot;لي ست أشهر لم أر أميquot;، في حين قال الصحاف ذات مرة quot;بريطانيا لا تسوى كندرة عتيقةquot;.
quot;الكذب والتضليلquot; هو ما جمع الصحاف وموسى ابراهيم، إلا أن الاختلاف الوحيد تعلق في المشاهدين العرب حول الصحاف على أنه آلة اعلامية متحركة دوّخت أميركا، فيما بقي quot;موسى ابراهيمquot; شريطًا مسجلاً لكلام القذافي، لم يلفت كثيرًا المشاهد العربي، إلا أنه أظهر براعة لا يحسد عليها في محاولة إقناع وسائل الإعلام والرأي العام في ليبيا وخارجها بما يردده نظام القذافي في مواجهة الدعوات المطالبة بتخلي العقيد عن السلطة.
حتى اللحظات الأخيرة، كما quot;الصحافquot;، فعل quot;موسى ابراهيمquot; وقال quot;طرابلس بخير، إلا ان الناتو قتلوا مالا يقل عن 1200 ليبي؟quot;، في حين ذكر الصحاف في الساعات الأخيرة من سقوط بغداد أنهم quot;علوجquot; وسيعالجون، بينما كانت الدبابات الأميركية تصول وتجول عند جسور بغداد؟.
quot;فالصحافquot; في لقاء مع قناة (ال بي سي) أفاد أن كلمة العلوج لها معان عديدة، ولكنه كان يقصد بها الديدان التي تلتصق بالجسم وتقوم بمص الدماء، وهي نوع من الحيوانات النتنة إذ كان يعتقد أن فدائيي صدام وقوات الحرس الجمهوري يمكنهما أن يدفنا المحتلين في ارض العراق كما قال له سيده صدام حسين قبل بدء الهجوم.
فيما، أكد quot;موسى ابراهيمquot; للقناة الليبية الجماهيرية أنهم quot;مرتزقةquot; وquot;أعوان الناتوquot;، كما قال زعيمه القذافي، إلا أنه في تحول كبير اعترف في آخر مقابلة له بأنهم quot;ثوارquot;، وقس على ذلك أمثلة كثيرة.

محمد سعيد الصحاف صاحب مقولة quot;العلوجquot;

ولد محمد سعيد الصحاف في بلدة الحلة بالقرب من مدينة كربلاء التي قضى فيها طفولته وشبابه قبل ان يلتحق بالجامعة لدراسة الصحافة.
عمل الصحاف بعد تخرجه مدرسًا للغة الانجليزية، وانضم إلى حزب البعث عام 1963 واستمر يعمل بالتدريس حتى وقوع انقلاب يوليو 1968.
في عام 1992 تم تعيين الصحاف وزيرًا للخارجية في المرحلة التي تلت غزو الكويت وحرب الخليج الثانية، والتي شهدت فرض عقوبات دولية على العراق.
وتم نقل الصحاف من منصب وزير الخارجية لوزارة الاعلام في ابريل/نيسان عام 2001 بعد وقت قصير من انعقاد القمة العربية في القاهرة، وبقي في المنصب حتى سقوط العراق.
أما quot;موسى ابراهيمquot;، الذي ينتمي إلى عائلة وقبيلة العقيد القذافي quot;القذاذفةquot;، فظهر كمترجم من اللغة الإنجليزية التي يجيدها إلى العربية، إلى جوار بعض المسؤولين الحكوميين، من بينهم موسى كوسا، وزير الخارجية المنشق عن نظام القذافي ونائبه خالد كعيم، والناطق باسم الجيش الليبي.
وُلد إبراهيم في عام 1974، وأمضى (15 عامًا) من عمره في بريطانيا، وهو متزوج بسيدة ألمانية ولديهما طفل واحد، درس العلوم السياسية في جامعة إكستر في المملكة المتحدة، ثم أكمل مسيرته الأكاديمية محاولاً الحصول على الدكتوراه في فنون الإعلام من كلية رويال هولواي، جامعة لندن.
وقفة في quot;قشةquot;
وسواء كان quot;الصحافquot; أو quot;موسى ابراهيمquot; كاذبين أم لا، فالناس ndash; على اختلاف طبيعة المرحلة ndash; تعلقوا بهما كما يتعلق الغريق في قشة، ليكتبوا مدرسة جديدة في السياسة قاموسها quot;السخريةquot;.
اليوم، لو أراد quot;موسى ابراهيم القذافيquot; كتابة مذكرات حياته يومًا فإنه لا شك سيكشف الكثير من الحكايات والقصص التي تنتظر مفاتيح الزمان فتحها في ليبيا.