تشكل مخلفات الحروب خطرًا على السكان

تشكل مخلفات الحرب في العراق، من قنابل وأسلحة، كنزًا لتجار الخردة، فيما تشكل خطرًا على السكّان، بينما يحتفظ البعض بهذه المخلفات وبعض الأسلحة بهدف بيعها للجماعات المسلّحة في العراق.


رغم انحسار الأعمال المسلحة في أنحاء كبيرة من العراق، وبعد الفترة الزمنية الطويلة التي مضت على انتهاء العمليات العسكرية للقوات الأميركية في العراق، ومع مضي عقود على انتهاء الحرب العراقية الإيرانية (1980 ndash; 1988)، إلا أن هناك الكثير من الذخائر غير المنفجرة والأسلحة التي تنتشر في الأنحاء، مشكِّلةً خطرًا داهمًا يتوقعه الناس في أي لحظة لدى تجوالهم في أرض كانت مسرحًا للحرب في يوم من الأيام.

مخلفات حربية في العراء
ينظر سعيد العاملي بقلق إلى براميل ومخلفات حربية ركنت في زاوية في حي الأنصار في النجف (160 كم جنوب بغداد)، بعدما ابتعد عنها السكان الذين استخدموها لفترة من الزمن، قبل أن تدور شائعات تلوثها بمواد مشعة.

وحي الأنصار شهد في عام 2003 سقوط قذائف وقنابل، إضافة إلى مخلفات حربية تٌركت في العراء لفترة ليست قصيرة من الزمن.

ويتحدث الشيخ أبو علي عن قريب له (17 عامًا) في منطقة الخضيرة في كربلاء (108 كم جنوب غرب بغداد)بُترت يده اليمنى، كما كسرت يده اليسرى، نتيجة انفجار قذيفة من مخلفات الحرب في مايو 2011.

يقلق أبو ليث (معلم متقاعد) من مستودعات للذخائر المدمرة والقطع العسكرية التي يعلوها الصدأ، وهي تحتل منطقة واسعة على الأرض في منطقة المحاويل (70 كلم جنوب بغداد) التي تضم أكبر معسكر لتدريبات الجيش العراقي السابق.

بيع الخردة الحديدية
ويقول العقيد المتقاعد صارم الشمري إن السكان المحليين في المناطق المحاذية للحدود العراقية الايرانية لا يبالون باحتمال تلوث المعدات العسكرية المتروكة، وهم يبحثون فيها عن الخردة الحديدية إما لبيعها، أو استخدامها في أغراض أخرى.

ويفخر سعيد صكبان أنه جمع كميات كبيرة من المتفجرات التي يعلوها الصدأ، حيث كانت في العراء لفترة طويلة او تحت رمال الصحراء، لكي يوظفها في صيد الأسماك.

وتشير إحصائيات الأمم المتحدة إلى أن المواقع المزروعة بالألغام في العراق تغطي نحو 1.730 كيلومتراً مربعاً، وتؤثر على حوالي 1.6 مليون نسمة.

ويؤكد صارم أن الكثير من مستودعات الذخيرة التابعة للجيش العراقي السابق، أصبحت في حوزة الأهالي والجماعات المسلحة، حيث استخدمها في أعمالها المسلحة طيلة السنوات الماضية.

وخلال أعوام الحرب العراقية الإيرانية، وكذلك الأعوام التي تلت عام 2003، كان تناثر القذائف غير المنفجرة، مثل الصواريخ والقنابل على اختلاف انواعها، مشهدًا تكرر حدوثه حتى بين الأحياء السكنية. وجمع البعض الذخائر غير المنفجرة في البيوت غير عابئين بخطورتها على الناس.

الأسلحة في البيوت
وفي مدينة الحمزة (جنوب مدينة بابل نحو 100 كم جنوب بغداد)، صحا الناس على وقع انفجار بيت في الحي العسكري عام 2009، حيث أتى الانفجار على أركان البيت وقتل قسم من الساكنين فيه، بسبب دفن ذخائر ومتفجرات في بيت احد أفراد الجماعات المسلحة.

وشهدت جبهات القتال والمناطق الخلفية للجبهات زرع مساحات شاسعة بالألغام الأرضية، لم تستطع السلطات المختصة إلى الآن إزالتها أو تحقيق خرائط لها.

وقد تسببت الألغام الأرضية والذخائر غير المنفجرة في قتل أو جرح مواطنين عراقيين اثنين في المتوسط كل أسبوع خلال عام 2009.

ويقول ليث السيد حاكم وهو عسكري سابق، انمعظم قواعد الجيش الأميركي السابقة في العراق تعتبر مناطق ملوثة إشعاعيًا وكيماويًا إلى ان يتم التأكد من خلوها من أي فعالية خطرة على السكان.

ومازالتغالبية المناطق التي حصلت فيها معارك الحرب العراقية الإيرانية وفعاليات الجيش الأميركي بعد عام 2003، تحتوي على بقايا معدنية وأسلحة على مساحات شاسعة.

وتشير جولة قصيرة في أعماق المنطقة إلى بقايا قنابل وقذائف منفجرة او غير منفجرة إضافة إلى ركام لمركبات القتالية دمّرت او تعطلت وقتها، حيث يعلوها الصدأ والتراب.

تجارة رابحة
يعثر سكان البرية، لا سيما الرعاة والبدو والصيادون، حيث يتجولون في المناطق النائية عن القذائف غير المنفلقة وبقايا صواريخ وأسلحة، كما يبحث قسم منهم عن قصد في المخلفات الحربية، بغية المتاجرة بها في غالب الأحيان.

ويقول سعيد اللامي الخبير البيئي انه لم يتم تحديد المناطق الملوثة بالذخائر غير المنفجرة فيمعظم مناطق العراق، عدا بعض الفعاليات التي قامت بها منظمات دولية في تحديد حقول الألغام في كردستان ومناطق أخرى. ويشير الى ان بعض الرعاة لم يعثروا على الذخائر وبقايا الأسلحة فحسب، بل عن جثث مجهولة لجنود قتلوا في الحرب.

ويضيف: يلجأ الأهالي في غالب الأحيان الى إخفاء الأمر، لطمعهم في البحث عن الأسلحة الصالحة في تلك المنطقة. ويتابع: والنتيجة في بعض الأحيان هي انفجار قنبلة أو لغم أو تلوث إشعاعي تودي بحياة الباحثين عن الأسلحة في العراء.

وحيث إنمعظم سكان المناطق التي كانت مسرحًا للحروب، لا يرون تأثيرًا مباشرًا وفوريًا لمخلفات الأسلحة، فإنهم لا يعبئون كثيرًا للحديث عن تأثيرها السلبي على البيئة والصحة. وغالبًا ما يستغرق تأثير المواد المشعة والكيماوية وقتًا طويلاً قبل انكشاف نتائج ذلك على الصحة.

ويحتاج العراق جهدًا كبيرًا لتنظيف مسرح الحروب في مدن الجنوب والمناطق المحاذية لإيران والصحراء الغربية لإزالة الذخائر المتروكة غير المنفجرة.

25 مليون ذخيرة
وكانت الحرب العراقية الإيرانية، وحرب غزو العراق شهدت استخدام أنواع مختلفة من الذخائر والاسلحة، مثل الألغام المضادة للمركبات والأفراد والقنابل العنقودية وحاويات تحتوي على مواد مشعة.

وبحسب تخمينات، فإن حوالي 25 مليون ذخيرة تلوث بيئة العراق من بقايا الحرب والألغام الأرضية، مما لا يمكِّن السكان من مواصلة حياتهم بحسب تقرير منظمة ايرين الإنسانية عام 2010، حيث دمّر خبراء دوليون آلاف الذخائر غير المنفجرة في محافظة ميسان (320 كم جنوب شرق بغداد)، وأنقذ ذلك الكثير من السكان من خطر الموت أو الإعاقة الناجمة من انفجار الألغام.

ويتحدث كريم الازيرق، الجندي في منطقة العمارة ويسكن مدينة كربلاء، عن محاولات قطاع الجيش الذي يخدم فيه في مدينة العمارة القيام بحملات متناوبة بين الحين والآخر لجمع مخلفات حربية متروكة في عموم المنطقة.

ويشير الازيرق الى منطقة الطلائع في المدينة، التي شهدت الكثير من الإصابات السرطانية الناتجة من التعامل مع مخلفات أسلحة اليورانيوم التي لوثت منطقة العمارة عام 1991.

وشهدت مدينة الديوانية (193 كلم جنوب بغداد) عام 2011 انفجارات لقنابل من مخلفات الحروب السابقة، كما حصل في قرية العطاء، حيث قتل ثلاثة أطفال أثناء تجوالهم في أحد البساتين المجاورة.

وبحسب المقدم صلاح السلطاني، فإن الجماعات المسلحة استفادت كثيرًا من مخلفات الحروب عبر جمعها وإخفائها، واستخلاص المادة المتفجرة منها، بغية المتاجرة بها أو استخدامها في الأعمال المسلحة.

وبحسب دراسات، فإن المخلفات الحربية المدمُرة بقذائف تحتوي على اليورانيوم المنضب، تتسبب بمشاكل صحية خطرة على ساكني المناطق التي تحتوي تلك المخلفات.

ويشير مركز الوقاية من الإشعاع التابع لوزارة البيئة العراقية الى وجود نحو 317 موقعاً ملوثاً بالإشعاعات، كلها قريبة من مناطق سكنية، معظمها ناتج من الذخائر والآليات العسكرية المركونة في العراء.