يؤكد مراقبون أن هناك نوعا من المصاحبة للمجلس الانتقالي الليبي من لدن باريس للتوجه بالبلد نحو الديمقراطية، لكنها مهمة ليست بالسهلة، بحسب رأي المحلل السياسي صادق حجي، الذي يعتبر أن باريس لا تحمل تصوراً معيناً بهذا الخصوص نظراً لخصوصية هذا البلد مجتمعياً وسياسياً.


فرنسا تزعمت حملة الناتو على ليبيا
باريس: لا يخفى على المراقبين في باريس أن الرئيس الفرنسي، نيكولا ساركوزي جعل من القضية الليبية quot;مسألة شخصيةquot; وظل متواجداً بطريقة أو أخرى على الجبهات الأولى من القتال إلى جانب الثوار في حربهم الطاحنة ضد القدافي، وذلك من خلال وسطاء متعددين وعلى رأسهم الفيلسوف المثير للجدل برنار هنري ليفي.

ويرى الكثيرون أنه لم يكن ممكناً رد الاعتبار للدبلوماسية الفرنسية عقب ما لحقته بها الثورة التونسية دون تحرك من هذا المستوى، وهو على ما يبدو ما وضع باريس في مقدمة العواصم الأوروبية التي تسند الشعب الليبي في معانقة هواء الحرية عن طريق نوع من المصاحبة الحذرة. مصاحبة لا تجرها إلى التدخل في الشأن الداخلي لهذا البلد، وذلك خوفاً من إثارة حفيظة القوى الوطنية، واستثمار ذلك من لدن بقايا نظام القذافي، الذي جثم على صدر شعبه لعقود اربعة، بشكل يخلق المزيد من الصعوبات في بناء ليبيا الجديدة.

باريس والبناء السياسي لليبيا

تعي باريس أن أي أذى يمكن أن يلحق بالتحول السياسي في ليبيا سيحسب عليها، وهي بذلك تسخّر قدراتها في إعادة البناء السياسي لهذا البلد دون أن تظهر في صورة المحتل، كما حاول القذافي أن يؤلّب الليبيين ضدها وضد من ساروا معها في الخندق نفسه إلى جانب الثوار من الغربيين.

ويعتقد محللون سياسيون أنه من الأكيد أن رجالات فرنسا في اختصاصات متعددة متواجدون بما يكفي من القوة على الساحة الليبية في إطار مهام، وإن كانت غير مسطرة البنود بين النظام الجديد في ليبيا وباريس، فهؤلاء لا محالة مهمتهم الأساسية هي تقديم الخبرة الكافية للمسؤولين الجدد لإنجاح عملية البناء كل في إطار اختصاصه. وهذا لا يمكنه أن يشكل مزاحمة في اتخاذ القرارات الكبرى بالنسبة إلى الحكام الجدد في ليبيا، وإنما، يعتقد ملاحظون،يندرج في مهمة بمثابة العملية الجراحية التي يتوخى من ورائها القطع الفعلي مع ممارسات النظام المنتهي.

ويرى البعض أن باريس تتطلع إلى خلق نوع من الشعور لدى الليبيين بأن الأمور تغيرت بكثير نحو الأحسن، أولاً لأجل تلبية تطلعات من اعتقدوا في التدخل العسكري الأجنبي في ليبيا، وثانيًا لمحاولة إقناع من ظلوا يشككون في ذلك منذ انطلاق الهجمات الجوية ضد القذافي وكتائبه.

المهمة المعقدة

لكن هذه المهمة تبقى معقدة نظراً للطابع القبلي للمجتمع الليبي الذي حكم من خلاله القذافي هذا البلد، ما أفرغ محتواه السياسي والمدني، كما أن بحسب اعتقاد الإعلامي والمحلل السياسي صادق حجي، quot;باريس ليس لها أي تصور كامل ومتكامل لبناء ليبيا الغد...quot;
و يعتبر حجي في تصريح لإيلاف أن quot;الاختلافات جد قوية بين مكونات المجلس الانتقالي، وباريس تعتمد على محمد جبريل ذي الثقافة العلمانية مقابل مصطفى جبريل الذي له تعاطف مع الإسلاميين...quot;.

ويضيف محدثنا أن فرنسا تتوخى أن quot;تتوجه ليبيا في مسار ديمقراطي...quot;، مستطردا في السياق ذاته أن quot;باريس لا يمكنها أن تقبل ببناء نظام أصولي في ليبيا إلا أنها تعي أن الإسلاميين رقم مهم في المعادلة الليبية لا يمكنها تجاهله، وهي ليست ضد إشراكهم شريطة أن يقبلوا بقواعد اللعبة السياسية...quot;.

باريس وتهمة البترول

باريس تدرك أنها متهمة على أنها محرّكها الأول للدخول في حرب على القذافي بموجب قرار أممي، كان هو النفط الليبي، والعديد من المسؤولين الفرنسيين استغربوا هذا الاتهام، معتبرين أن باريس في حالة عدم تحركها تتهم بالتواطؤ وعندما يحدث العكس توجه لها تهمة جشعها في الاستيلاء على الموارد الطبيعية.

روسيا التي ظلت بجانب القذافي حتى آخر رمق، ركزت بقوة في إعلامها على هذه النقطة، حيث اعتبرت روسيا 24 أن quot;باريس تشعر أنها الرابح الأول لاعترافها المبكر بالمتمردين، والبلد الأول الذي هاجم ليبيا، واليوم البلد الأول الذي يتحدث لزعماء المتمردين...quot;.

القناة شنت حربا على فرنسا من هذا المنطلق، إذ اعتبرت أن أول من سافر إلى ليبيا من الفرنسيين بعد فرار القذافي هو مسؤول عن شركة توتال...quot;، علما أن 9 بالمئة فقط من البترول المستهلك في فرنسا يستخرج من الآبار الليبية مقابل 25 بالمئة بالنسبة إلى إيطاليا.

المحلل السياسي صادق حجي لا ينفي الاهتمام الفرنسي بالنفط الليبي، ويفيد أن quot;ليبراسيون سبق لها أن تحدثت عن رسالة في الموضوع من قبل المجلس الانتقالي للحكومة الفرنسية إلا أن الأخيرة نفت...quot;.

ويتابع quot;هناك أهداف اقتصادية أخرى لفرنسا ممثلة في إعادة بناء ليبيا، ما سيفتح مجالاً كبيرًا للصفقات الفرنسية الليبية، وهناك نقطة أخرى لا ينتبه لها كثيراًquot;، ويقول محدثنا quot;متعلقة بإمكانية بيع باريس لطائرات الرافال لأول مرة إلى ليبيا في إطار إعادة تسليح الجيش الليبي...quot;.

فرنسا والهدف الاستراتيجي

ألح نيكولا ساركوزي في العديد من المناسبات على أنه من الضروري أن تستعيد فرنسا دورها في العالم إلى جانب القوى العظمى، ولربما دخلت باريس خصوصا مع وزير الخارجية الحالي ألان جوبيه فترة زاهية للدبلوماسية الفرنسية، أثبت حضورها عربياً وعالمياً.

ومن هذه الزاوية يتحدث صادق حجي عن ما أسماه quot;بالهدف الاستراتيجيquot; لباريس في وجودها اليوم بثقل كبير في المنطقة المغاربية، وكانت ليبيا بالنسبة لها quot;فرصة ثمينة لمد تأثيرها مغاربيا وعلى مستوى دول الساحل خصوصا...quot;.

ولا يرى حجي أن النجاحات الدبلوماسية لساركوزي ستشفع له أمام الفرنسيين، ففرنسا لم تعرف يوما فوز رئيس معين نظرًا لمكاسبه الدبلوماسية، وأن الرئيس الفرنسي، بحسب ضيفنا، quot;يحاول فرض القضايا الدولية داخليا...quot;، مؤكدًا أنها أكسبته quot;وزنا في الساحة السياسية الفرنسية، لكن دون أن تؤثرفي السياسة الداخلية...quot;.