يثير قرار طالبان فتح مكاتب لها في قطر علامات استفهام كبيرة، في وقت يرى الخبراء أن هذه الخطوة من شأنها احتواء الحركة سياسياً، وبدء مفاوضات غير مباشرة بينها وبين أميركا على إلقاء السلاح والانضمام إلى الحياة السياسية.


البعض يرى أن هذه الخطوة قد تنهي الوجود الطالباني

القاهرة: جاء الإعلان عن فتح حركة طالبان الأفغانية مكاتب لها في قطر ليثير الكثير من الجدل وعلامات الاستفهام حول الأهداف التي تبتغيها جميع الأطراف من وراء هذا الإجراء، ولاسيما الولايات المتحدة الأميركية وأفغانستان كرزاي وحركة طالبان ودولة قطر. ويرى الخبراء أن هذه الخطوة من شأنها احتواء حركة طالبان سياسياً، وبدء مفاوضات غير مباشرة بينها وبين أميركا على إلقاء السلاح، والانخراط في الحياة السياسية.

طالبان حركة أميركية

ووفقاً للدكتور جهاد عودة، أستاذ السياسة الدولية جامعة حلوان، فإن هذا الاتفاق كان متوقعاً، ولاسيما أن الحرب في أفغانستان لن تستمر مدى الحياة، وقال لـquot;إيلافquot; إن أميركا لها نفوذ على جميع الأطراف في المعادلة الأفغانية ودول الجوار لها، بالإضافة إلى دول الخليج العربي، وأضاف أنه لا يمكن قراءة الاتفاق الجديد بمعزل عن القراءة التاريخية للوضع في أفغانستان، موضحاً أن حركة طالبان نشأت وترعرعت تحت رعاية أميركية، ورغم الهجمات المتتالية التي شنتها الحركة طوال الأشهر القليلة الماضية، إلا أنها ما زالت تحت السيطرة.

دمج طالبان سياسياً

وأشار عودة إلى أن أميركا تريد الانسحاب من أفغانستان، لكنها تريد في الوقت نفسه حماية نفسها وتأمين الجبهة الأفغانية من جيوب طالبان، لاسيما بعد تقليم أظافر منظمة القاعدة باغتيال مؤسسها وقائدها أسامة بن لادن، منوهاً بأن هناك توافقا في الإدارة الأميركية ودول الخليج العربي، لاسيما قطر والسعودية والإمارات على إعادة دمج طالبان في الحياة السياسية ومنح أعضائها مناصب في الحكومة، مقابل إلقاء السلاح ونبذ العنف، بحيث تكون غير مضرة للسلم الأهلي في أفغانستان أو السلم الدولي. وأكد أن أميركا ما كانت لتوافق على تلك الخطوة دون الحصول على موافقات صريحة من قيادات الحركة على تلك الشروط.

الدور القطري

وحول الدور القطري في الصفقة الجديدة، قال عودة إن قطر لديها علاقات إستراتيجية مع أميركا، وتقوم بأدوار سياسية لصالحها في المنطقة، بما يمكن وصفه بـquot;المقاول من الباطنquot;، لكن لا يمكن وصفها بالدولة العميلة كما يحب البعض وصفها دائماً، مشيراً إلى أن تلك الأوصاف أو اللغة لم تعد موجودة في العلوم السياسية في المرحلة الراهنة، بل يتم الاستعاضة منها بالقول إن هناك علاقات إستراتيجية مع أميركا، وإلا فإنه يمكن إطلاق الأوصاف أو المفاهيم نفسها على مصر في عهد مبارك أو السعودية وباقي دول الخليج، بل والجزائر والمغرب أيضاً، لافتاً إلى أن هذه الدول لديها علاقات استراتيجية مع أميركا وتبادل مصالح.

فشل أميركا عسكرياً

ويتبنى الدكتور رفعت سيد أحمد رئيس مركز يافا للدراسات والأبحاث وجهة نظر مغايرة، ويقول لـquot;إيلافquot; إن قطر تلعب دوراً في إطار الإستراتيجية الأميركية لتنفيذ مخططاتها في المنطقة، مشيراً إلى أن حينما تفشل أميركا تدفع بقطر وبعض دول الخليج، ووصفها بأنها تعرف بـquot;الدولة الشركةquot;، أي تستخدم لصالح العميل مقابل أجر، وقد يكون ذلك الأجر مصالح أو تصعيدا لدورها في المنطقة أو زيادة حصتها من تصدير الغاز. وأوضح سيد أحمد أن قطر لعبت أدواراً نيابة عن أميركا في ليبيا وسوريا عبر قنوات إعلامية أو تقديم دعم مادي للمعارضين.

ولفت سيد أحمد إلى أن قطر تلعب أدواراَ سياسية حيث تفشل أميركا أو عندما ترغب في فتح قنوات اتصال في الخفاء بعيداً عن الأضواء مع جهات أخرى، مثل حركة حماس أو طالبان أو إيران أو النظام في سوريا أو المعارضة السورية، وهذا ما يمكن وصفه بـquot;استبدال القوة الناعمة بالقوة الخشنةquot;، عندما تصل الأخيرة لطريق مسدود وقد تضرّ بمصالح أميركا.

طالبان خاسرة في الصفقة

وحول دلالة الحدث في ما يخص طالبان وأميركا، قال سيد أحمد إن هذا التحول في الإستراتيجية الأميركية تجاه طالبان يشير إلى أنها تعرضت لهزيمة في أفغانستان على يد الحركة، وتريد احتواءها بأي ثمن، أي أن الخيار العسكري الأميركي هناك فشل ووصل إلى طريق مسدود.
وأضاف أن أميركا تحاول الآن إلحاق هزيمة سياسية بطالبان، مشيراً إلى أن هذه نهاية طالبان على الأرض لو رضخت وقبلت فتح مكاتب لها في قطر، ونوه بأنها سوف تتعرض للاختراق ويتم اغتيال قادتها ثم احتواء قيادات الصف الثاني أو اغتيالهم أيضاً، وبذلك تكون الحركة قد ماتت للأبد.

ونبه إلى أن حركات المقاومة المسلحة عندما تتحول إلى العمل السياسي أو يتم إغراؤها بلعب أدوار في الحكم والسلطة تفقد شعبيتها على الأرض وتموت، متوقعاً أن يكون هذا هو مصير طالبان في حالة إتمام صفقة فتح مكاتب لها في قطر.

رقم في المعادلة الأفغانية

ويرى الدكتور محمد سعيد، الخبير في الشؤون الأفغانية والباكستانية، أن حركة طالبان حققت انجازات واضحة على الأرض خلال العام ونصف العام الماضيين، وأضاف لـquot;إيلافquot; أن طالبان صارت رقماً مهماً في المعادلة السياسية والاستراتيجية في أفغانستان وباكستان، واستطاعت استعادة شعبيتها في أوساط الأفغانيين، وبالتالي كان من المهم احتواؤها سياسياً.

ولفت سعيد إلى أن أميركا تريد التفاوض مع طالبان بشكل غير مباشر، وهنا تلعب قطر دور الوسيط بين الجانبين، كما قطر يمكنها أن تلعب دوراً أيضاً في الضغط على طالبان باستخدام المال، مشيراً إلى أن فتح المكاتب سيكون خطوة أولى نحو بداية المفاوضات بين أميركا وطالبان نحو احتواء الحركة وبدء مرحلة سياسية جديدة في أفغانستان.

وأشار سعيد إلى أن طالبان تشترط الإفراج عن أعضائها المعتقلين في غوانتانامو، والحصول على حقائب وزارية سيادية في الحكومة الأفغانية، مقابل إلقاء السلاح والانخراط في الحياة السياسية، منوهاً بأن المفاوضات بين الجانبين قد تصل إلى اتفاق على الإفراج عن بعض القيادات ممن لا يندرجون تحت وصف quot;عدوquot; وحصول طالبان على حقائب وزارية، مقابل إطلاق السلاح والكف عن معاداة أميركا.

ترحيب أميركي

وأعلن البيت الأبيض ترحيبه بقرار فتح مكتب سياسي لطالبان في قطر، وقال جاري كارني المتحدث باسمه quot;إن ذلك من شأنه أن يوفر عنوانا للمفاوضات مع المتشددين، ويزيح قتال واشنطن معهم لأكثر من عقدquot;. وأضاف: quot;أننا نرحّب بأي خطوة على طول الطريق لعملية تقودها أفغانستان من أجل تحقيق المصالحة، وإدراكنا لمعايير تحقيق المصالحة لم تتغيرquot;.

وأشار كارني إلى أن حركة طالبان طالبت بفتح مكتب في قطر ولكن أيضا كانوا يطالبون بالإفراج عن سجناء طالبان المحتجزين في غوانتانامو، وهذا ما دعا إليه الرئيس الأميركي باراك أوباما في خطابه الشهير حول بدء السلام في المنطقة والدعوة للمصالحة والمفاوضات التي تقودها الحكومة الأفغانية.