إعداد عبد الإله مجيد: أكد وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو لإيران يوم الخميس أن أنقرة لن تسمح باستخدام الأراضي التركية لشنّ هجوم على دولة مجاورة. وتركزت محادثات داود أوغلو في طهران على سبل تطويق النزاعات التي تشهدها المنطقة ومنع انزلاقها نحو صراع طائفي.
تسلط الزيارة، التي استمرت يومين ضوءًا على موقف تركيا الدقيق بين إيران القادرة على إلحاق أضرار اقتصادية واستراتيجية كبيرة بتركيا من جهة، وحلفائها الغربيين العازمين إنهاء برنامج إيران النووي التسلحي من جهة أخرى.
أحمد داود أوغلو |
وكان وزير الخارجية التركي اجتمع خلال الزيارة مع الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد، والتقى أيضًا رجل الدين مقتدى الصدر زعيم التيار الصدري في العراق. وتأتي الزيارة في وقت تعمل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على تشديد العقوبات بحظر استيراد النفط الإيراني، مصدر طهران الرئيس لتمويل ميزانيتها.
ورغم أن هذه العقوبات ليست ملزمة لتركيا فإنها ستعاقب الشركات التركية، التي تستورد النفط الإيراني، إلا إذا نالت إعفاء خاصًا. فإن تركيا تستورد 30 % من نفطها من إيران، ويزيد استهلاكها من النفط الخام الإيراني على 200 ألف برميل في اليوم. وقال محللون إن وقف هذه المشتريات سيكون ضربة موجعة لإيران.
لكن مصالح أنقرة تذهب أبعد من النفط الإيراني أو حجم التجارة الثنائية البالغ 15 مليار دولار سنويًا، فإن إيران ذات الغالبية الشيعية وتركيا ذات الغالبية السنية تدعمان أطرافًا مختلفة في النزاعات الطائفية التي تشهدها سوريا والعراق. وهذا يدفعمها إلى الانخراط في منافسة إقليمية ذات رهانات كبيرة، بحسب المحللين.
وبدا يوم الخميس أن داود أوغلو حاول التخفيف من حدة التوتر في العلاقة، التي كانت وثيقة حتى العام الماضي. وفي مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره الإيراني علي أكبر صالحي أعلن وزير الخارجية التركي أن منظومة الدفاع الصاروخي لحلف شمالي الأطلسي، التي تستضيف تركيا رادارها، ليست موجّهة ضد إيران أو أي دولة محددة. كما تعهد بألا تسمح تركيا باستخدام أراضيها لشنّ هجوم ضد بلد مجاور.
ولدى الولايات المتحدة قاعدة جوية في شرق تركيا، وأبقت الخيار العسكري مفتوحًا لمنع إيران من امتلاك قنبلة نووية. وبعد رحيل القوات الأميركية عن العراق فإن تركيا تخشى من تفاقم النزاعات الطائفية في العراق، مؤدية إلى تقسيم البلد بين شيعته وسنته وأكراده. كما يمكن لمثل هذا التقسيم أن يعقد مشاكل تركيا مع أكرادها، وخاصة حزب العمال الكردستاني، كما يرى المحللون.
ونقلت وكالة أنباء الأناضول عن داود أوغلو إعلانه قبل التوجّه إلى إيران أن بعض الدوائر تنزع إلى إشعال حرب باردة quot;سنية ـ شيعيةquot;، ستكون لها تداعيات تستمر عشرات السنين. وأكد داود أوغلو أنه سيبحث هذه القضية على وجه التحديد خلال زيارته. وقال وزير الخارجية التركي إن النزاع الطائفي سيكون انتحارًا للمنطقة برمتها، في إشارة إلى دول الخليج أيضًا.
ونقلت صحيفة وول ستريت جورنال عن المتحدث باسم وزارة الخارجية التركية قوله في اتصال هاتفي إن داود أوغلو نفذ ما أعلنه بإثارة القضية الطائفية خلال محادثاته في طهران. وأضاف المتحدث إن داود أوغلو سيؤكد ضرورة العمل على تفادي نزاع شيعي ـ سني في زيارات مقبلة إلى موسكو وواشنطن وكذلك مع شركاء آخرين. وقال أيضًا إن داود أوغلو نقل دعوة من مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي كاثرين آشتون إلى إيران لاستئناف المحادثات النووية مع مجموعة الخمسة زائد واحد، التي تضم الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي وألمانيا، وإن صالحي أكد استعداد إيران للتباحث.
صالحي قال يوم الخميس إن حجم التجارة بين تركيا وإيران سيزيد على 15 مليار دولار في عام 2012. ونقلت صحيفة وول ستريت جورنال عن سولي أوزيل استاذ العلاقات الدولية والعلوم السياسية في جامعة بيلجي في إسطنبول إن أنقرة أوضحت لواشنطن أن تركيا لن تتوقف عن شراء النفط من إيران.
وترى الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي أن حظر استيراد النفط الإيراني ضروري في إطار الإجراءات الحازمة التي يتعين اتخاذها للضغط على إيران بشأن برنامجها النووي.
وتصدر إيران نحو 2.3 مليون برميل نفط في اليوم. وتلقى الغرب تأكيدات من العربية السعودية بتعويض أي نقص ناجم من غياب النفط الإيراني، بحسب صحيفة الغارديان، ناقلة عن محللين في مصرف كوميرتس بنك إن هذا من شأنه أن يستنزف عمليًا كل الطاقة الاحتياطية لدى أكبر دولة منتجة للنفط في العالم. وآخر مرة حدث فيها ذلك كان في عام 2008 عندما ارتفعت أسعار النفط إلى نحو 150 دولارًا للبرميل.
وتُعقد الآمال في العواصم الغربية على أن التلويح بمثل هذه العقوبات سيحمل إيران على الرضوخ، رغم أن النتائج حتى الآن تشير إلى عكس ذلك. فإن إيران تتفاوض مع الصين لإيجاد سوق بديلة، تبيع فيها نفطها، وتهدد بغلق مضيق هرمز، الذي تمر عبره 70 في المئة من صادرات أوبك ردًا على أي حظر نفطي ضدها.
وفي حين أن هذا يبقى من باب قعقعة السلاح حتى الآن فإن أي تلميح إلى تعطيل الإمدادات النفطية من الشرق الأوسط كان كافيًا لأن يثير قلق تجار النفط من حدوث نقص. وجاءت الإضرابات النيجيرية احتجاجًا على رفع الدعم عن البنزين لتزيد هذا القلق.
وعلى المدى القريب فإن المحللين يستبعدون هبوط الأسعار إلى المستوى الذي يتناسب مع الطلب العالمي، أي في حدود 75 دولارًا للبرميل أو نحو ذلك، بل إن احتمالات أن يرتفع نفط برينت إلى أكثر من 120 دولارًا للبرميل تزيد على احتمالات هبوطه إلى أقل من 100 دولار.
على المدى الأبعد قليلاً فإن الكثير يعتمد على الطرف الذي يتراجع أولاً. وإذا أصرّ الإيرانيون على موقفهم وذهبوا إلى حد المجازفة بمواجهة عسكرية مع الغرب بغلق مضيق هرمز، فإن سعر النفط يمكن أن يرتفع إلى أكثر من 150 دولارًا بحسب المحللين. ومن شأن هذا أن يؤدي من دون ريب إلى ركود عالمي عميق في عام 2012. وكما يعرف كل وزير مالية ومحافظ بنك مركزي فإن كل ركود منذ عام 1973 اقترن بزيادة حادة في سعر النفط الخام.
التعليقات