يشهد حي كارايولاري ذو الأغلبية الكردية في اسطنبول والأحياء المحيطة احتجاجات يومية على مقتل 35 مدنيا قصفتهم الطائرات التركية عن طريق الخطأ في منطقة اولودير قرب الحدود العراقية في 30 كانون الأول/ديسمبر الماضي. وظن الطيارون الاتراك انهم يستهدفون مقاتلين من حزب العمال الكردستاني ولكن الضحايا كانوا مدنيين يهربون وقود الديزل عبر الحدود.

جانب من احتجاجات في إسطنبول علىمقتل 35 مدنيا كرديّا قصفتهم الطائرات التركية بطريق الخطأ في منطقة اولودير قرب الحدود العراقية

إسطنبول: جدد تصاعد حدة القتال بين قوات الجيش التركي ومسلحي حزب العمال الكردستاني بالارتباط مع مجزرة اودولير ومقتل 24 جنديا تركيا بنيران المتمردين الاكراد قبل شهرين، مخاوف من العودة الى عقد التسعينات الدامي حين اندلعت عمليا حرب اهلية في جنوب شرق تركيا ذي الأغلبية الكردية.

واليوم لا تهدد اعمال العنف بالتصاعد فحسب بل وبالامتداد الى مناطق أخرى ايضا. ومع تزايد الاحتقان العرقي بين الاتراك والأكراد في أنحاء البلاد، تتزايد الدلائل على ان المدن التركية التي يسكنها ملايين الاكراد قد تصبح جبهة جديدة في النزاع.

ونقلت مجلة تايم عن الضابط السابق في الجيش التركي نهاد علي اوزجان ان هناك خطر نشوء توتر عرقي على المستوى المجتمعي إذا لم تتدارك الحكومة هذا الوضع.

ويبدو خطر النزاع حادا بصفة خاصة في اسطنبول التي يُقدَّر عدد اكرادها بين 2 و4 ملايين كردي من اصل 12 مليونا، وبذلك تكون اسطنبول المدينة التي يسكنها اكبر عدد من الاكراد في تركيا.

مصطفى، مثله مثل كثيرين من سكان حي كارايولاري، ينحدر في اصوله من مدينة سيرت جنوب شرق تركيا. ويقول مصطفى انه جاء الى اسطنبول قبل نحو 20 سنة مع جيل كامل من الاكراد الذين هجرتهم سياسة الأرض المحروقة التي انتهجها الجيش التركي في المنطقة.

وفي احد مقاهي الحي، تحدث مصطفى لمراسل مجلة تايم فيما كان جهاز التلفزيون مفتوحا على قناة روج الفضائية التي تبث برامجها من الدنمارك لكنها ممنوعة في تركيا لأنها تعتبر ناطقة باسم حزب العمال الكردستاني.

وكان في المقهى رجال آخرون يدخنون سجائر مهربة اصابعهم منشغلة بحبات مسابحهم صعودا ونزولا. وكانوا قليلي الكلام وإذا تحدثوا فانهم يتحدثون باللغة الكردية التي كان الكلام بها جريمة الى ما قبل عقدين من الزمان.

وينطوي اختيار القناة التلفزيونية وتجاهل المنع الذي فرضته السلطات التركية على التدخين في الأماكن العامة على رسالة لا تخلو من مغزى. فان حي كارايولاري يبعد ساعة بالحافلة عن وسط اسطنبول ولكنه عالم قائم بذاته. ويقول مصطفى quot;ان الشرطة لا تغامر بالمجيء هناquot;.

وفي الأشهر القليلة الماضية، تعرض عشرات من سكان الحي الى الاعتقال في مداهمات ضد اتحاد التجمعات الكردستانية الذي تقول السلطات انه الجناح المديني لحزب العمال الكردستاني الذي يُعد نفسه منظمة ارهابية بنظر تركيا والولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي.

ولكن هذا لم يمنع سكان الحي من تنظيم احتجاجات. وبوجود قنوات مثل روج تبث تقارير من المناطق الكردية في تركيا على مدار الساعة، يقول مصطفى ان اكراد المدن التركية اصبحوا اكثر وعيا بالقضية الكردية.

واضاف quot;اننا نرد كلما شعرنا بأن شعبنا يتعرض للقمعquot;. ويشير شاب يشارك مع مصطفى ومراسل تايم الى ان الأزقة المحيطة بالمقهى توفر مسارب جيدة للفرار خلال الاشتباكات مع قوات الشرطة.

ويؤكد مصطفى ان كل ما يحدث في جنوب شرق تركيا يجد صداه في حي كارايولاري.

وعلى الجانب الآخر من الطريق المعلق الذي يفصل حي كارايولاري عن حي غازي محلسي المختلط الذي يُقال إنه من افقر احياء اسطنبول وأخطرها، تبدو مظاهر التوتر واضحة في كل مكان.

وعلى الشارع المؤدي الى مركز الشرطة دمر مخربون الصراف الآلي خلال الاحتجاجات التي وحَّدت الاكراد واليساريين المتطرفين والفوضويين. ومركز الشرطة نفسه الواقع على قمة رابية يبدو كأنه حصن يعلوه علم تركي كبير.

وتنتشر الكتابات المناوئة للحكومة في كل مكان. ويقول شعار مخطوط على جدار احد المباني quot;الثورة او الموت، الحل الوحيد لكردستانquot;.

ويؤكد الطالب مظلوم بويراز ان حافلات البلدية رُشقت بالحجارة مرات كثيرة حتى ان مؤسسة النقل امتنعت عن تسيير حافلاتها الجديدة المكيفة عبر المنطقة.

وفي هذا الحي من احياء اسطنبول، كما في جنوب شرق تركيا، أسهم الفقر والبطالة في تغذية دوامة العنف وكذلك عمليات التهجير من المراكز الحضرية.

وتسري في حي غازي هذه الأيام شائعات بأن مدينة مجاورة من اكواخ الصفيح يقطنها اتراك واكراد، ستُزال قريبا لبناء عمارات سكنية فاخرة في مكانها.

وهذا ما حدث في حي كارايولاري. فعلى بعد مسافة قصيرة من المقهى مُحيت منطقة فقيرة واسعة وأُجلي سكانها من الاكراد والغجر لاقامة مجمع مسوَّر يضم اكثر من 30 عمارة سكنية.

وبنظر اكراد الحي فان المجمع الذي غالبية سكانه من اتراك الطبقة الوسطى اصبح يشكل رمزا للدولة، كما يقول مصطفى. وتعرضت المباني نفسها للهجوم في بعض الأحيان.

ويقول سرجان، وهو كردي من سكان الحي ان العديد من الاتراك الذين يسكنون في المجمع يعلقون الاعلام التركية من شرفاتهم حين يُقتل جنود اتراك في معارك مع حزب العمال الكردستاني. وردا على ذلك يرشق محتجون اكراد من حي كارايولاري في بعض الأحيان نوافذهم بزجاجات حارقة.

يقول مصطفى quot;انهم يقتلعون الاكراد مرة أخرى بهذه المباني. وحين تفعل الحكومة ذلك وتثير مثل هذه الانقسامات فان سكان الحي يغضبون وإذا شارك احد منهم في احتجاج وبيده حجر فانه سيرميه باتجاه العمارات السكنية العاليةquot;.

وقد تندلع اضطرابات جديدة في وقت قريب. فان محكمة دنماركية ستقرر الثلاثاء مصير قناة روج الفضائية، اكبر محطة تلفزيونية كردية، للاشتباه في ارتباطها بحزب العمال الكردستاني.

وكلف النزاع في جنوب شرق تركيا منذ بدأ حزب العمال الكردستاني حملته المسلحة عام 1984، نحو 40 الف قتيل هم ضحايا الاشتباكات المسلحة وهجمات ارهابية من تنفيذ متمردين اكراد وعمليات انتقامية وحشية في الغالب من جانب قوات الجيش والأمن التركية.