ما إن تذكر كلمة laquo;مافياraquo; حتى تخطر على الذهن صورة رجل بمعطف طويل وقبعة ومدفع رشاش. لكن عصابات الجريمة المنظمة هذه انتقلت الى مرحلة جديدة تتسلح فيها بالعلم والمعرفة الاقتصادية حتى صارت صناعة تؤلف جزءًا كبيرًا من إجمالي الناتج المحلي الإيطالي.


المافيا صارت عصرية وبدون حاجة للمدافع الرشاشة

كانت المافيا في زمن سابق مجموعة عصابات تنشط في جنوب ايطاليا المسترخي ابدًا تحت الشمس الساطعة. وكان المرء يرى بين الحين والآخر عناوين تطمئن القاصي والداني الى أن الشرطة الإيطالية قضت عليها وأن رؤوسها يدفعون ثمن إجرامهم للعدالة والمجتمع.

لكن تقريرًا جديدًا مهما بعنوان laquo;قبضة الجريمة على الأعمال والمالraquo; يقول الآن إن عصابات الجريمة المنظمة هذه - ممثلة في مجموعاتها الأربع الرئيسة - اصبحت صناعة يبلغ حجم المال الدائر فيها 140 مليار يورو سنويا.

وكانت بداية هذا التحول الهائل هو اتساع رقعة نشاطها من الجنوب الإيطالي، في مناطق مثل صقلية وباليرمو، ليشمل البلاد بأكملها بما في ذلك مدن الشمال الغنيّة مثل لومباردي وعاصمة الأعمال ميلانو. وفي السنوات القليلة الماضية صارت هي المستفيد الأكبر من الأزمة المالية التي عصفت بقطاع الأعمال والمال فاشترت العديد من الشركات والمؤسسات التي صارت كسيحة في هذا المناخ وتمكنت تاليا من السيطرة على قطاع عظيم من السوق.

هوليوود وجدت مادة خصبة في عصابات الجريمة المنظمة
ويقدر التقرير، الصادر عن laquo;كونفيزيرشينتيraquo;، وهي رابطة بارزة للموظفين الإيطاليين، أن تلك المجموعات الأربع تتمتع حاليا باحتياطي من السيولة النقدية يبلغ وحده 65 مليار يورو. وهذا رقم يجعل منها laquo;أكبر بنوك ايطاليا على الإطلاقraquo;. وتكتمل هذه الصورة إذا علمنا أن أرباحها السنوية تقدر بما لا يقل عن 100 مليار يورو أو نحو 7 في المائة من إجمالي الناتج المحلي الإيطالي. ولهذا فإن التقرير يقول إن عضو المافيا laquo;ما عاد ذلك الصعلوك المسلح بالمدفع الرشاش وإنما صار رجل أعمال مهندما حلو اللسان يتخذ سلاحه من الهاتف الذكي والمعرفة العميقة بالشؤون الاقتصادية والماليةraquo;.

ومع اشتداد الأزمة المالية وامتناع البنوك عن الإقراض، تمكنت المافيا من تحقيق أرباح طائلة من رجال الأعمال الذين لا يجدون سبيلا غير الاستدانة منهم وبأسعار فائدة في ارتفاع السماء. وكانت النتيجة هي غرق أصحاب المال هؤلاء في ديون إضافية اضطرتهم في معظم الأحوال إما لإغلاق منافذهم التجارية أو بيعها بأبخس الأثمان للمافيا نفسها.

ونقلت laquo;تليغرافraquo; البريطانية عن ماركو فينتوري، رئيس laquo;كونفيزيرشينتيraquo;، قوله: laquo;شهدنا في 2010 وحده إفلاس 1800 شركة ومؤسسة تجارية وسقوط آلاف عامليها في براثن البطالة. وهذا هو الوضع الذي استغلته المافيا الى أقصى الحدود الممكنة. أما الأعمال المتوسطة والصغيرة التي راحت ضحية الربا الفاحش الذي تفرضه تلك العصابات فقد بلغ عددها ما لا يقل عن 200 ألفraquo;.

وتقول laquo;كونفيزيرشينتيraquo; إن الأمل معقود الآن على الحكومة التكنوقراطية الجديدة بقيادة ماريو مونتي لتصحيح هذا الوضع المخيف. على أن هذه ستكون مهمة أقرب الى المستحيلة لأن المافيا تسيطر على كل شيء تقريبا من التخلص من النفايات المنزلية والصناعية والكازينوهات الى شركات الإلكترونيات والإنشاء. وليس هذا وحسب وإنما توغلت ايضا في مجالات غير تقليدية بالنسبة لها مثل الصحة العامة والنقل والإمداد والتموين.

وتتضح الصورة أكثر إذا أخذت فقط قطاع القمار الذي يشكّل ثالث أكبر صناعات البلاد بفضل أن الإيطالي ينفق في المتوسط 1300 يورو سنويا على أشكاله الدنيا مثل laquo;ماكينة الفاكهةraquo; وlaquo;البينغوraquo;. وهذه سوق تسيطر عليها المافيا تماما بما يعني أنها تحصل على نصيب الأسد من عائداتها التي تبلغ 76 مليار يورو في السنة... وكل هذا على سبيل المثال وليس الحصر.