راخوي يزور المغرب لبحث الملفات الثنائية

زيارة رسمية هي الأولى، منذ تسلمه مهامه ومنذ فوز بنكيران بالانتخابات التشريعية، يبدأ اليوم رئيس الحكومة الإسباني ماريانو راخوي زيارته إلى المغرب لبحث ملفات الهجرة والصيد البحري إلى جانب ملفات أخرى في إطار العلاقات الثنائية بين البلدين.


الرباط: بدأ رئيس الوزراء الإسباني ماريانو راخوي زيارة رسمية إلى المغرب سيرا على نهج أسلافه منذ عودة الديمقراطية إلى اسبانيا، وتعتبر زيارته إلى المغرب أول زيارة رسمية له منذ تسلمه مهام منصبه في 21 كانون الأول (ديسمبر)، كما انها الزيارة الرسمية الأولى لقائد سياسي للمغرب منذ تولي الحكومة الجديدة برئاسة عبد الإله بنكيران زعيم حزب العدالة والتنمية الذي فاز في الانتخابات التشريعية في 25 تشرين الثاني (نوفمبر).

ويتوقع ان يبحث راخوي مع مضيفيه، الخلاف بين المغرب والاتحاد الاوروبي حول عدم تجديد اتفاقية الصيد البحري مع الإتحاد الأوروبي، والذي دفع اسبانيا باعتبارها أكبر متضرر من قرار البرلمان الأوروبي إلى المطالبة بتعويض لأسطولها في حين هدد المغرب بإعادة النظر في علاقاته مع المنظومة الأوروبية .

وتندرج زيارة راخوي إلى المغرب في إطار العلاقات الثنائية بين المغرب واسبانيا، اللتين تجمعهما العديد من المصالح المشتركة، فاسبانيا تعتبر الشريك الاقتصادي الثاني للمغرب بعد فرنسا حسب ادريس الكريني أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاضي عياض في مراكش.

هناك العديد من الملفات المشتركة التي تجمع البلدين ومنها ملف الهجرة حيث يتواجد عدد كبير من المهاجرين المغاربة في إسبانيا، قضايا الهجرة السرية والإرهاب، بالإضافة إلى الحضور الإسباني كطرف معني بشكل غير مباشر بقضية الصحراء باعتبار اسبانيا كانت تحتل المنطقة في فترة تاريخية معينة.

أما عن السياق الآني لزيارة رئيس الحكومة الإسبانية للمغرب فترتبط ndash; حسب الكريني ndash; بالوضع الاقتصادي الصعب الذي تعاني منه اسبانيا نتيجة الأزمة المالية التي ظهرت في اسبانيا بشكل حاد أكثر من أي دولة أخرى في الإتحاد الأوروبي، باستثناء اليونان التي نتج منها تفاقم أزمة البطالة.

وبحث الجانب الإسباني عن سبل إعادة النظر في السياسة الإسبانية تجاه المهاجرين والمتزامن مع صعود اليمين، وحسب الكريني فإن إقدام البرلمان الأوروبي على إلغاء اتفاقية الصيد البحري مع المغرب عمّق الأزمة الإقتصادية في اسبانيا لكون القطاع يشغل نسبة هامة من اليد العاملة.

أما في ما يخص الجانب المغربي فتشكل زيارة راخوي أول تحدٍ لقياس مدى قدرة الدبلوماسية المغربية والتي يقودها الإسلامي سعد الدين العثماني في ظل الحكومة المغربية الجديدة كأول حكومة في ظل الدستور الجديد الذي يمنحها أدوارًا مهمة، يضيف الكريني، وبالتالي مدى قدرة الحكومة المغربية على توظيف ملف الصيد البحري لكسب نقاط مهمة تتعلق بوضعية المهاجرين المغاربة في اسبانيا، وقضية الصحراء، فإقدام الحكومة الإسبانية بقيادة الحزب الشعبي الذي طالما أساء إلى الوحدة الترابية للمغرب بدعم تجديد اتفاقية الصيد البحري مع الإتحاد الأوروبي، يعتبر في جزء منه قرارا سياسيا وموقفا ايجابيا يخدم قضية الصحراء على اعتبار أنه يخاطب بلدا لديه سيادته على المنطقة.

وأشار الكريني في حديثه لـquot; إيلافquot; إلى أنه لا يمكن توقع تدهور في العلاقات المغربية ndash; الإسبانية بعد صعود الحزب الشعبي في إسبانيا، وترؤس حزب العدالة والتنمية للحكومة المغربية، فعلى الأقل يمكن أن تظل العلاقات على وضعها الحالي كما يمكنها أن تتطور بالنظر إلى المصالح المشتركة بين البلدين رغم وجود بعض الملفات التي تعكّر صفو العلاقات الثنائية، أبرزها ملف المدينتين المغربيتين المحتلتين سبتة ومليلية والجزر المحتلة من طرف اسبانيا.

وتوقع المحلل السياسي بنيونس المرزوقي، أن يتركز جوهر المباحثات بين البلدين اللذين تجمعهما علاقات تقليدية حول بعض الملفات المعروفة، مثل قضايا الهجرة السرية وتهريب المخدرات بالإضافة إلى تناول ملف القطاع الفلاحي وضمنه الصيد البحري، مؤكدا أن هذه الزيارة تستهدف وضع أجندة محددة تضمن إعادة النظر في قرار البرلمان الأوروبي عدم تجديد اتفاقية الصيد البحري، وفي سؤال طرحته quot;إيلافquot; بخصوص تصريح راخوي قبيل زيارته إلى المغرب، قال المرزوقي إن موضوع مدينتي سبتة ومليلية غير قابل للنقاش.

وأضاف أن موضوع الوحدة الترابية المغربية، من المواضيع الإستراتيجية في اسبانيا ولا خلاف بشأنه بين الحزبين الرئيسين، مشيرا إلى أن دعوة المغرب لتشكيل لجنة مشتركة لبحث ملف سبتة ومليلية في عهد الملك الراحل الحسن الثاني، لا تزال قائمة رغم عدم تجاوب الحزب الإشتراكي والحزب الشعبي اللذين تعاقبا على السلطة في اسبانيا، مؤكدا أن العلاقات الثنائية ستبقى ضمن المجال القابل للتطور والذي لا يشكل موضوع خلاف.

أما نقاط الخلاف بين البلدين فستظل ضمن حدودها نفسها، فلا المغرب لديه استراتيجية للتصعيد في هذا الجانب ولا اسبانيا مستعدة لتقديم تنازلات في ما يخص هذا الموضوع الإستراتيجي للوحدة الترابية للمغرب.

ويتفق المحلل السياسي عادل بنحمزة مع المرزوقي في كون المباحثات بين البلدين ستتركز على بعض الملفات المعروفة إلى جانب عدم تجديد اتفاقية الصيد البحري مع المغرب والتي يدفع ثمنها الإسبان بشكل أكبر، باعتبار أن الأسطول الإسباني يشكل حوالى 70 إلى 80 في المائة من أسطول الإتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى تداعيات الأزمة الاقتصادية في أوروبا والتي كانت لها انعكاسات سلبية على اسبانيا حيث يصل معدل البطالة إلى 23 في المائة، وهو الموضوع الذي يحيل على ملف الجالية المغربية المقيمة في اسبانيا التي تعيش وضعا وصفه بنحمزة بالكارثي أمام مغادرة أفواج من المهاجرين المغاربة لإسبانيا.

وحول تلويح الدبلوماسية المغربية بإعادة النظر في علاقاته مع الإتحاد الأوروبي بعد إلغاء اتفاقية الصيد البحري من طرف البرلمان الأوروبي، قال بنحمزة إن هذا quot;التهديد الدبلوماسي اللبقquot; أعطى ثماره بعد تصريح برلمانيين فرنسيين بأنهم صوتوا خطأ، ورفض اسبانيا وبريطانيا قرار البرلمان الأوروبي.

وقال المحلل السياسي بنحمزة لـquot;إيلافquot; إن تخوف المغرب بخصوص عدم تجديد اتفاقية الصيد البحري لم يكن مرتبطا بتبعاته الاقتصادية بل تركز حول تبعاته السياسية في ما يتعلق بموضوع السيادة على الصحراء، وتغير موقف الإتحاد الأوروبي بهذا الخصوص ولمّا تبيّن العكس عادت الأمور إلى مجراها الطبيعي.

وحول إمكانية تغير السياسة الخارجية لإسبانيا بعد وصول الحزب الشعبي للسلطة، قال بنحمزة quot;لا أعتقد أنه سيحصل تغيير على مستوى السياسة الخارجية لإسبانيا وهي التي يلعب فيها عنصر المخابرات الإسبانية الدور الأساسي، مشيرا إلى أن المخابرات الإسبانية لديها نظرة تقليدية للعلاقات بين البلدين وفيها عداء كبير جدا للمغرب، ومشكل الساسة الإسبان، ويضيف أنهم يسقطون دائما في فخ هذه الرؤية الإستخباراتية التقليدية الجافة التي تنظر للمغرب بنظرةquot;الخلافة في الأندلسquot;.

أما على مستوى السياسة الخارجية في المغرب فصعود حزب العدالة والتنمية لن يغير كثيرا في السياسة الخارجية المضمنة في البرنامج الحكومي الذي صاغته أطراف حزبية متعددة بالإضافة إلى كون السياسة الخارجية للمغرب مرتبطة بقضية الصحراء بشكل أساسي الى جانب التعاون الإقتصادي،
وتوقع بنحمزة دينامية مرتفعة للدبلوماسية المغربية في ظل الحكومة الجديدة مع الأنظمة الجديدة في إطار الربيع العربي ( تونس ، مصر ، ليبيا ).


زيارة راخوي لتعزيز العلاقات مع المغرب

بالمقابل أشار القيادي في حزب العدالة والتنمية إلى أن زيارة راخوي للمغرب بمثابة رسالة لرغبة الجارة الإسبانية في تعزيز العلاقات مع المغرب، وقال في حديثه لـquot;إيلافquot;: quot;رغم تخوفات الغرب في السابق من التيار الإسلامي، اليوم فهم الجميع بأن التعايش والتعاون بين الضفتين أمر ضروري في ظل صعود حركة النهضة في تونس، وحزب الحرية والعدالة في مصرquot;.

وأضاف أن الضفة الشمالية للمتوسط استوعبت هذا المعطى الذي استجد بعد الربيع العربي، وفي ما يتعلق بملف الصيد البحري، قال بنخلدون إن اسبانيا ستحاول من خلال هذه الزيارة تجديد الإتفاقية بما يكفل مصلحة الطرف الإسباني، مؤكدا في الوقت ذاته أن الأمر لن يكون سهلا أمام رفض غرف الصيد البحري في المغرب وكذا احتجاجات البحارة المغاربة في أكادير، المطالبة برفض تجديد اتفاقية الصيد البحري مع الإتحاد الأوروبي، داعيا إلى سن سياسة للإستغلال العلمي للثروات الطبيعية المغربية التي استنزفت منذ سنين من طرف الأسطول الأوروبي بصفة عامة، والأسطول الإسباني بصفة خاصة، وتابع حديثه لـquot;إيلافquot;، قائلاً إن الإشكال لا يكمن في المنحة التي كان يقدمها الإتحاد الأوروبي كمنحة عن استغلال الثروات البحرية المغربية والتي لا تعتبر كبيرة جدا، فالإشكال يكمن في كون المغرب يستفيد من الوضع المتقدم مع الإتحاد الأوروبي، ومن المفروض أن يستفيد من هذه الوضعية، حيث يلاحظ أنه لا استفادة في ما يخص تحديث قطاع الصيد البحري والذي من المفروض أن يكون من طرف الجهات الأوروبية المانحة، عبر تحديث الموانئ وتكوين البحارة وغيرها من الأمور، وهذا لم يتم، مؤكدا أن الموضوع يحتاج إلى مزيد من النقاش.

وقال القيادي الإسلامي في حديثه لـquot;إيلافquot;: quot;لا أظن أن هذه الزيارة سيتمخض عنها الحسم في هذا الموضوع بصفة نهائية باعتبار أن الموضوعما زال في مراحله الأولى، مؤكدا أن زيارة رئيس الحكومة الإسباني ستتركز حول سبل تمتين العلاقات بين البلدين، أما في ما يخص موضوع الثغور المغربية المحتلة من طرف اسبانيا، فأشار القيادي في حزب العدالة والتنمية إلى أنه لا بد من تصفية ملف الإستعمار في مدينتي سبتة ومليلية وقال في حديثه: quot;اذا كانت الجارة الإسبانية تقول إن هذا ليس موضوعاً للنقاش، فنحن نقول إنه موضوع شائك يحتاج إلى وقت طويل والحكومة المغربيةما زالت في بدايتها وتحتاج إلى مزيد من الوقت وسيظهر من خلال البرنامج الحكومي الذي يناقش الآن على مستوى مجلس الحكومة، تشبث المغرب بمغربية المدينتين وبالثغور مشيرا إلى أن تنزيل البرنامج الحكومي يحتاج إلى عمل دبلوماسي دؤوب و خلق أجواء الثقة بين الطرفين حتى نجد حلا نتفاوض بشأنه في هذا الموضوعquot;.