الاشتباكات في مدينة بني وليد قرعت نواقيس الخطر

توقع الرئيس الأميركي باراك أوباما في خطابه عن حالة الاتحاد، أن مصير الرئيس السوري بشار الأسد سيكون مماثلا لما حصل للقذافي، الذي ترك سقوطه فراغا في ليبيا في مختلف المجالات، فظل الوضع الأمني هشا فيما تواصل كتائب متنافسة صراعها على النفوذ.


لندن: ربط الرئيس الاميركي باراك اوباما في خطابه الأخير عن حالة الاتحاد مصير الرئيس السوري بشار الأسد، بمصير الزعيم الليبي السابق العقيد معمر القذافي.

وقال اوباما في خطابه quot;ان القذافي قبل عام كان من أطول حكام العالم الدكتاتوريين عمرا في الحكم، وها هو اليوم قد رحل. وفي سوريا ليس عندي شك في أن نظام الأسد سيكتشف عما قريب ان قوى التغيير لا مرد لها وان الكرامة الانسانية لا يمكن ان تُنكرquot;.

وفي وقت يبحث المجتمع الدولي عن طريقة للتعامل مع الأزمة السورية، فإن البعض يرى في ليبيا مثالا يُقتدى. وهم يؤكدون ان تدخلا عسكريا اجنبيا اقتصر على الغطاء الجوي ومجموعات صغيرة من القوات الخاصة، هو الذي ساعد مجموعة مشتتة من الكتائب المحلية على اسقاط نظام القذافي بأقل التضحيات البشرية والمادية الأجنبية. ولكن الصراع على السلطة في ليبيا ما زال محتدما.

وتبدت هشاشة الحكم الذي قام على أنقاض نظام القذافي في الأسابيع الأخيرة بسلسلة من الاشتباكات العنيفة بين كتائب متنازعة. وتحدثت تقارير عن تعذيب وانتهاكات واسعة يرتكبها افراد ميليشيات، لا تخضع لسيطرة الحكومة الجديدة ضد ليبيين يُشتبه بأنهم تعاونوا مع نظام القذافي، وعن احتجاجات متزايدة ضد المجلس الانتقالي الليبي.

وكان سقوط القذافي ترك فراغا في السلطة، ولم تظهر قوة متماسكة تستطيع ان تملأه فظل الوضع الأمني هشا فيما تواصل كتائب متنافسة صراعها على النفوذ السياسي وأكبر نصيب ممكن من الكعكة السياسية والاقتصادية. ويُقدر ان 200 الف شاب ما زالوا يحملون السلاح في مئات من التشكيلات العسكرية المحلية المنتشرة في انحاء البلاد، كما افادت مجلة تايم.

ولعل الاشتباكات التي شهدتها مدينة بني وليد مؤخرا، قرعت نواقيس الخطر قبل الأوان منذرة بعودة فلول النظام السابق، ولكنه انذار كاذب قد يصبح حقيقة إذا استمر الوضع الحالي بلا حل. ويبدو ان كتائب من الثوار السابقين طُردت من المدينة على ايدي قوات قبلية محلية يتهمها الثوار بموالاة القذافي، وايواء مطلوبين من اعوان النظام السابق. كما يبدو ان مقاتلين من مدن أخرى سئموا العطالة فزحفوا على بني وليد مصممين على استعادتها.

في هذه الأثناء يكافح المجلس الانتقالي الليبي من أجل ان يحقق في الداخل المستوى نفسه من الشرعية والاعتراف الذي ناله في الخارج، ولا سيما انه يواجه تحديات تضع تركيبته وسلطته نفسها موضع تساؤل. إذ تبدى الغضب على التمييز بين المناطق والدور الذي يقوم به مسؤولون من زمن القذافي داخل المجلس في اعمال عنف بينها اقتحام مقر المجلس الانتقالي في 21 كانون الثاني(يناير).

وفي غياب أي مؤسسات للحكم التمثيلي، فان الأسلحة والمناطق التي تسيطر عليها كتائب من شتى الولاءات أصبحت شكلا من اشكال العملة السياسية. ولا غرابة في مثل هذا الوضع ان تحجم كتائب المقاتلين عن نزع السلاح، والخضوع لقيادة جيش وطني ضعيف نسبيا بجذور تعود الى عهد القذافي، على حد وصف مجلة تايم، مشيرة الى ان ضعف المجلس الانتقالي على الأرض يدفعه الى التفاوض على شروط التعايش مع ميليشيات مختلفة.

وتسلط الاتهامات بممارسة التعذيب ضوءا على جسامة المهمة المتمثلة بتحقيق المصالحة في مجتمع كان آلاف من افراده يؤيدون نظام القذافي وقاتلوا الى جانبه، على اساس الولاءات القبلية والمناطقية في الغالب. وعندما تشعر جماعات ومكونات كاملة بالاستهداف من جانب كتائب الثوار، فإن استعدادا متزايدا قد ينشأ للرد والدفاع عن النفس ودعم أي تمرد يظهر. ولا ينبئ ما حدث في بني وليد بالضرورة ببداية ثورة مضادة ولكنه تحذير للسلطات الجديدة. وقد يتخذ زعماء الجماعات الأقوى موقفا متعقلا مدركين ان ما يخسرونه أكبر مما يكسبونه من الانزلاق الى نزاع مديد. ولكن الدولة الليبية ما زالت قيد التكوين في غياب احتكارها للقوة العسكرية في حدود اقليمها.

ويبدو ان الاستقرار في ليبيا ما بعد القذافي سيكون مبعث قلق دولي متزايد. فان ليبيا تصدر 1.3 مليون برميل من النفط يوميا الى بلدان جنوب اوروبا، التي تواجه ضغوطا للاستعاضة عن 400 الف برميل يوميا من النفط الايراني، بحلول تموز (يوليو). وان الحقيقة الماثلة في ان اسقاط النظام في ليبيا أوجد مشاكل جديدة قد تتطلب اهتمام قوى خارجية والتزامها يمكن ان تحمل اولئك الذين يفكرون في التدخل في سوريا على التوقف ومراجعة أنفسهم. فإن التدخل حتى على الطريقة الليبية ليس بالأمر السهل، على حد تعبير مجلة تايم.
اعداد عبد الاله مجيد