طفل يرفع علم الجيش السوري الحر بإحدى أسواق حلب المدمرة

عندما بدأت طهران تغدق الأموال بلا حساب لدعم الرئيس السوري بمواجهة الثورة على نظامه، كانت تظن أن هذا سيعجل بإطفاء اللهب بأكمله. لكن الزمن أثبت خطأ حساباتها، والنتيجة هي انقسام في أروقة السلطة العليا فيها حول جدوى الاستمرار في هذا الإتجاه.


لندن: أفرزت مليارات الدولارات التي ينفقها النظام الإيراني لدعم نظام بشّار الأسد انقساما حادا في أحد أهم أركان الحكم في طهران. ويبدو أن هذا الشرخ تأتى، وفقا لتقرير نشرته laquo;تايمزraquo; البريطانية، مع تنامي اليقين إزاء لا جدوى هذه الأموال الطائلة في ما يتعلق بحسم الأمر لصالح الرئيس السوري.

ووفقا لمصادر laquo;موثوق بهاraquo; استقت منها الصحيفة معلوماتها، فإن هذا الوضع يتمثل في تصادم، صار مفتوحا الا في الإسم، بين حليفين رئيسيين هما المرشد الأعلى علي خامنئي وقاسم سليماني، قائد laquo;فرقة القدسraquo;، وهي جناح الحرس الثوري المسؤول عن العمليات الخارجية. وعلى هذا الأساس فإن هذا الأخير يعتبر الرأس المدبر للاستخبارات الإيرانية الخارجية. وبلغ شأوه حد أن الولايات المتحدة تضعه في موضع عال على لائحة الإرهابيين الدوليين وتحظر كل أشكال التعامل معه.

الدولار بالمليارات

التقديرات السائدة في أوساط الاستخبارات الغربية هي أن إجمالي ما أنفقته الحكومة الإيرانية لدعم نظام الأسد منذ مولد الثورة وحتى الآن يفوق 10 مليارات دولار. ونُقل أن منشقين عن دمشق أطلعوا عناصر laquo;الجيش السوري الحرraquo; في الخليج أن طهران ظلت تتولى صرف رواتب الجيش السوري النظامي لعدة أشهر الآن. وهذا بالإضافة الى توفير السلاح والمعدات وسائر أنواع الدعم والتموين التي تستنزف الخزينة الإيرانية يوما بعد آخر.

ملصق لـlaquo;قوة القدسraquo; في طهران

على أن هذا الأمر قاد الى احتكاكات وتصادمات عنيفة داخل النظام الإيراني بسبب تكلفته الهائلة على اقتصاد البلاد. وبالطبع فإن هذا الوضع يبدو خاليا من الاستقامة المنطقية في ظل الصعوبات الاقتصادية التي تعاني منها طهران نفسها من جراء العقوبات الدولية عليها بسبب إصرارها على المضي قدما في برنامجها النووي.

اسم معروف في المنطقة

تبعا للاستخبارات الغربية فإن قاسم سليماني اسم معروف في المنطقة خاصة لدى من تسميهم هذه الاستخبارات laquo;وكلاء إيرانraquo;. وتورد مثالين لهؤلاء الوكلاء في laquo;حزب اللهraquo; اللبناني وlaquo;حماسraquo; الفلسطينية.

والعام الماضي قدم سليماني وعدا لخامنئي بأنه سيقلب الموائد على ثوار سوريا في وقت قصير. لكن الزمن أثبت بالطبع أن هذه كانت أمنية أكثر منها مشروعا مدروسا بدقة. والواقع أن تيار الأموال الإيرانية اصطدم بآخر معاكس - يدعم الجيش السوري الحر - من بعض الدول العربية الثرية إضافة الى تركيا وبإشراف أميركي.

على أن الطريق الذي قررت إيران (سليماني) السير عليه لا تزال مسدودة. وظل هذا الوضع قائما حتى عندما قرر نظام الأسد تسخير سلاحه الجوي لقمع الثوار. ورغم أن هؤلاء الأخيرين يفتقرون الى نوع العتاد الحربي المتاح للنظام، فقد أخفق هذا الأخير في حسم laquo;الحربraquo; لصالحه. وما يعنيه هذا هو أن الصنبور الإيراني يظل مفتوحا حتى الآن ويصب مزيدا من الأموال التي تأتي من خزينة تعاني هي نفسها تبدّل الحال بسبب العقوبات.

الى متى؟


الحكومة الإيرانية تعلم أن هذا الوضع لا يمكن، بالنظر الى حالة البلاد الاقتصاد الحالية، ان يستمر الى ما لا نهاية. فالتضخم والعطالة يأكلان البلاد بنهم ويشيعان إحساسا عميقا بالسخط لدى رجل الشارع الإيراني الذي يرى خيرات بلاده القليلة الباقية مهدرة في دمشق.

وإضافة الى هذا فإن عناصر رفيعة المستوى داخل النظام الإيراني بدأت تتساءل عن جدوى استراتيجية حكومتها في سوريا. ويخشى هؤلاء نوع العواقب الوخيمة التي سيأتي بها العجز عن فتح ذلك الطريق المسدود وردة فعل الشارع الإيراني نفسه في حال أحاط علما بحجم الأموال الحقيقية التي ينفقها نظامه لدعم الأسد.

قاسم سليماني

ومع كل ذلك فقد جددت طهران، خلال عطلة نهاية الأسبوع الماضي، ولاءها للنظام السوري. فقد أصر علي أكبر ولايتي (وزير الخارجية من 1981 إلى 1997 وأحد أهم مستشاري الشؤون الخارجية لدى خامنئي الآن) على أن المؤكد هو أن النصر سيكون من نصيب الرئيس الأسد، وأن هذا نفسه سيكون نصرا للسياسة الإيرانية الخارجية.

أمر مختلف وراء الكواليس


هذا هو المعلن... أما ما يدور خلف الكواليس فمختلف تماما. ذلك أن النظام الإيراني بدأ يبحث عن قنوات أخرى على أمل أن يكون المخرج في إحداها. وعلى سبيل المثال فقد بدأ يحاور جماعات سورية معارضة أبرزها laquo;الإخوان المسلمونraquo;.
والهدف الواضح من هذه الاستراتيجية الجديدة يقوم على تأمين طهران مستقبلها في سوريا وضمان موطئ قدم لها في حال سقوط الأسد. لكن هذا بالطبع يعني أن النظام الإيراني صار مستعدا لقبول فكرة إزاحة نظام دمشق من حيث المبدأ بعدما كانت هذه المسألة ليست مطروحة لديه مطلقا على بساط البحث.

وجود عسكري مباشر

مع أن دور إيران في سوريا معروف للجميع تقريبا منذ شهور عدة، فقد ظلت طهران تنكر وجود قوات فعلياً لقواتها على مسرح القتال. لكن هذا الإنكار أتى الى نهاية الأسبوع الماضي عندما اعترف محمد علي جعفري، قائد الحرس الثور، بأن عناصر نابعة لفرقة القدس موجودة فعلا في دمشق.

وحتى قول إيران إن وجودها في سوريا حديث العهد مجرد زعم تكذبه صورة فوتوغرافية تناقلها الناس على موقع laquo;فيس بوكraquo; الإلكتروني قبل اسبوعين. وهي صورة التقطت في مقبرة الزهراء بطهران، ويشير شاهد القبر موضوعها الى أنه لجندي من الحرس الثوري يدعى محمد تُرك (33 عاما)، ويقول إنه laquo;اسشتهدraquo; بدمشق في 19 من كانون الأول (يناير) الماضي. وتناقل الناس ايضا أنه كان يدرّب عناصر موالية للأسد وقتل بانفجار قنبلة نووية كان يحملها.

سليماني مجددا

الواقع أن laquo;هزيمة إيران في سورياraquo; تمثل ضربة موجعة لطموحات قاسم سليماني الذي ظل يقود laquo;فرقة القدسraquo; منذ 2002. وهذا بعدما أشرف، وفقا لأجهزة المخابرات الغربية، على تمرد الشيعة على قوات الغزو بقيادة الولايات المتحدة في العراق، وصار قادرا على دخول بغداد والخروج منها كما شاء تحت بصر وسمع القوات الأميركية.

وهذا أمر حوّله، كما هو متوقع، الى laquo;معبودraquo; الصفوة اليمينية المتطرفة في طهران. وتوّج سليماني هذا الوضع شبه الفريد بكونه مقرّب من المرشد الأعلى خامئني بحيث صار شيئا طبيعيا أن يُعتبر خليفة محمود أحمدي نجاد بعد انقضاء ولايته العام المقبل.

المرشد الأعلى خامنئي

على ان المراقبين الغربيين يستبعدون أن يرشح هذا الرجل نفسه لمنصب الرئيس في ذلك الوقت. فبالرغم من أن الأشياء تسير ظاهريا لصالح مستقبله الواعد بالمنصب السياسي الأعلى، فإن اولئك المراقبين يقولون إنه ليس بحاجة الى الرئاسة لإكمال مشروع طموحاته الشخصية.

ومن جهة خامنئي نفسه فهو بحاجة الى سليماني في موقعه الحالي مسؤولا عن الاستخبارات الخارجية. ذلك أنه أكثر فعالية بالنظر الى الظروف الحالية التي تمر بها إيران وأبرزها المعضلة السورية والتهديد الآتي من إسرائيل بشأن مشروع طهران النووي.