لم تترك إسرائيل أسلوباً إلا واتبعته، مُحاولة منع إيران من امتلاك السلاح النووي، سواء بالديبلوماسية، العقوبات وحتى بالتهديد العسكري. لكن يبدو أن كل هذه المحاولات لا تعدو كونها مجرد تصريحات جعلت إيران تتقدم في مسعاها النووي، وقوضت مصداقية إسرائيل على الصعيدين الداخلي والدولي.


يحشد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الرأي العام والمجتمع الدولي حول خط أحمر لا لبس فيه، لوقف تقدم إيران النووي. وفي خطوة ناقصة وغير موفقة في السياسة الأميركية الشهر الماضي، أصر نتنياهو على ضرورة تحرك الرئيس الأميركي باراك أوباما لوقف إيران، قائلا: quot;عليك أن تضع خطاً أحمر أمامهم (الايرانيون).
كلام نتنياهو أتى بعد رفض الإدارة الأميركية مراراً وتكراراً اتخاذ خطوات عسكرية ضد ايران، فما كان منه سوى أن تحدى هذا الرفض قائلاً: quot;هؤلاء في المجتمع الدولي الذين يرفضون وضع خطوط حمراء أمام إيران ليس لديهم الحق الأخلاقي لوضع الضوء الأحمر أمام إسرائيلquot;.

وفي خطوات لاحقة، في سياق حملته على برنامج ايران النووي، دخل رئيس الوزراء الاسرائيلي قاعة الجمعية العامة للأمم المتحدة، حاملاً معه رسما بيانيا بشكل قنبلة تشير إلى اقتراب إيران من صنع الأسلحة النووية، وقد وضع خطاً أحمر يشير إلى أن طهران قطعت مسافة 80 بالمئة للوصول إلى مرحلة حيازة السلاح النووي، ومؤكداً أنه لا يمكن السماح لإيران بإنتاج مخزون من اليورانيوم المخصب بنسبة 20٪ التي ما زالت تحتاج إليها للوصول إلى قنبلتها النووية الأولى. ووفقاً للمسار الحالي، على النحو المنصوص عليه في التقارير العلنية للوكالة الدولية للطاقة الذرية، فإن إيران ستصل إلى تلك النقطة في نحو ستة أشهر.

أثناء حديثه عن التحدي النووي الإيراني، كان الإحباط بادياً على وجه رئيس الوزراء، الذي كان يعتبر أن إسرائيل والولايات المتحدة كانتا متفقتان في عملية رسم الخطوط الحمراء التي لن يُسمح لايران بعبورها، لكنه شاهد ايران تعبر هذه الخطوط، مضطراً للتراجع عن الخط الأحمر السابق، ليصبح الطريق نحو صنع القنبلة النووية هو الخط الأحمر الحقيقي.
أثناء مخاطبته للكونغرس الأميركي في العام 1996، في ولايته الأولى كرئيس للوزراء، جادل نتنياهو بأن امتلاك إيران للقنبلة النووية سيكون له quot;عواقب وخيمة، ليس فقط لبلدي، وليس فقط لمنطقة الشرق الأوسط، بل للبشرية جمعاءquot;. وحذر من أن الموعد النهائي لمنع هذه النتيجة quot;يقترب للغايةquot;.

وأعلنت إسرائيل أن امتلاك إيران محطة للطاقة النووية المدنية أمر quot;غير مقبولquot; إلى أن أصبحت هذه المحطة قيد التشغيل، عندها أعلنت وزارة الخارجية الاسرائيلية أن ذلك quot;غير مقبول تماماًquot;.
لم تكن تلك آخر مرة يعلن فيها السياسيون الإسرائيليون عن نقطة اللاعودة، فقط لتحريك عوارض المرمى في وقت لاحق. فبالنسبة لرئيس الوزراء ارييل شارون كانت ايران في العام 2004، تضع quot;القدرة الفنيةquot; لتشغيل منشأة التخصيب. وفي حين اقتربت إيران من تلك القدرة، وصف وزير الدفاع شاؤول موفاز نقطة التحول لدى ايران، ليس بالقدرة على التخصيب، بل بـ quot;تخصيب اليورانيومquot; في حد ذاته. وبعد أن بدأت ايران بتخصيب اليورانيوم، وضع رئيس الوزراء الاسرائيلي ايهود اولمرت خطاً أحمر جديداً في عام 2006 تمثل بتخصيب quot;ما وراء عدد محدود من أجهزة الطرد المركزيquot;.
النمط في ما سبق ذكره واضح للغاية: كل مرة تعبر إيران كل الخطوط الحمراء، فتتراجع إسرائيل إلى خطوط أخرى، ثم تعاد الكرة من جديد.

ايران تتقدم في مراحل حيازة السلاح النووي، وكل ما تفعله إسرائيل هو الصراخ. من خلال تحويل اليورانيوم، لإنتاج اليورانيوم منخفض التخصيب (أقل من 5 في المائة) الذي يمكن استخدامه كوقود لمحطات الطاقة المدنية، إلى مخزون من اليورانيوم منخفض التخصيب يكفي (بعد مزيد من التخصيب) لصنع قنبلة نووية واحدة، لمخزون يكفي لنصف دزينة من القنابل، لتخصيب أكثر من 5 في المئة الى 20 في المئة من اليورانيوم المتوسط التخصيب، لتشغيل اجهزة الطرد المركزي بتخصيب 20 في المئة في منشأة تحت الارض في فوردو، ثم تحقيق quot;قدرات غير معروفة لصناعة اسلحة نوويةquot;. كل هذه التطورات وإسرائيل لا تملك شيئاً سوى التحذيرات بصوت مرتفع، إنما بلا أي تأثير يذكر.
فشل معظم المراقبين في الاعتراف بهذا الواقع، إلا رئيس الوزراء هذا. عندما عاد نتنياهو الى السلطة في العام 2009، قال مستشاره للأمن القومي، عوزي اراد، إن جميع قادة إسرائيل السابقين في العقد الماضي فشلوا، متهماً إياهم بالتقصير في اداء واجبهم بمنع ايران من عبور ما يصفه كثير من الاسرائيليين بـ quot;نقطة اللاعودةquot;.
ونقطة اللاعودة هذه توصف بأنها المرحلة التي تمتلك فيها ايران جميع العناصر لإنتاج المواد الانشطارية من دون الاعتماد على جهات خارجية. فما كان من عوزي اراد سوى أن اعتبرف بأن quot;إيران أصبحت عند هذه النقطةquot;.

قصة الصبي الذي كذب قائلاً إن الذئب يهاجمه، ثم لم يصدقه أحد عندما هاجمه فعلاً، صارت قصة إسرائيل مع الملف النووي الايراني. مما لا شك فيه، فقد أدى هذا التراجع والتمويه والتغيير في الخطوط الحمراء إلى تقويض مصداقية إسرائيل. وينبغي ألا ننسى كيف تنتهي القصة: الذئب يأتي أخيراً ويأكل الولد.
صحيفة الـ فورين بوليسيquot; اعتبرت أن على جميع الأطراف الآن أن تركز على الإجراءات المحددة التي يمكن اتخاذها لمنع ايران من امتلاك قنبلة نووية، معتبرة أن النهديد بهجوم عسكري هو جزء من المعادلة المطلوبة للنجاح، لكن المهم أيضاً هو زيادة الضغوط على إيران.