يكشف تسجيل صوتي مسرّب بثّ في تونس الخميس، عن علاقة ودية كانت قائمة بين الباجي قائد السبسي والوزير الأول الحالي حمادي الجبالي خلال تسليم السلطة إلى حركة النهضة الفائزة في الانتخابات... كيف تحوّل ذلك الانسجام والودّ الى اتهامات بالخيانة وقيادة الثورة المضادة؟ قد نحتاج أكثر من تسريب صوتي لفهم ذلك التحوّل في مواقف السياسيين.


تونس: تسجيل صوتيّ مسرّب في تونس، مدته قرابة الإحدى وأربعين دقيقة، يكشف بجلاء أن تصريحات حركة النهضة الاسلامية حول الوزير الاول السابق ومؤسس حركة quot;نداء تونسquot; الباجي قائد السبسي، واتهامه بالوقوف وراء الثورة المضادة ومحاولة إحياء حزب التجمع المنحلّ، ليست سوى كلامٍ على عواهنه، تم الاصداع بها فقط للاستهلاك الاعلاميّ وتجييش الأنصار، وفي قراءة أخرى، التغطية على التعثّر والفشل الذي ميّز أشهر حكم الاسلاميين الثمانية، بل إنّ عشاق المؤامرة، يرون في استعداء الباجي قائد السبسي من طرف النهضة، لا يعدو أن يكون خلقا لعدوّ وهمي يجعل التونسيين يفضلون فشل النهضة وعشوائيتها في الحكم، على عودة النظام السابق.

اعتراف بخبرة الباجي

بثّ موقع نواة الالكتروني المعروف في تونس، تسجيلا صوتيا حصل عليه من دون تحديد المصدر، quot;لحوار مغلق دار بين رئيس الحكومة الحالي حمادي الجبالي وسَلَفه الباجي قائد السّبسي على هامش الّلقاء الذي جمعهما لنقل الصلاحيات وتسليم السلطات يوم الاثنين 26 ديسمبر 2011 في قصر الحكومة في القصبةquot;، بحسب توضيحات الموقع الذي كان محجوبا في عهد بن علي، وعرف بتتبعه أخبار الحريات والمعارضة، ويديره الصحافي والحقوقي المعروف سامي بن غربية.
يضع الموقع سياق بث التسجيل قبل أقلّ من أسبوع على تاريخ 23 تشرين الأول (أكتوبر)، اي ذكرى انتخابات المجلس الوطني التأسيسي التي أفرزت حكومة الترويكا، وفي ظلّ التجاذبات السياسية الواقعة بين حزب النهضة من جهة وحزب نداء تونس، من جهة أخرى مع بروز الجبهة الشعبية ككتلة تقترح نفسها طريقا ثالثا في المعترك السياسي، حيث لا يزال الوضع في تونس يتّسم بالضبابية اقتصاديا وإجتماعيّا وسياسيّا فضلا عن بقاء شبح الانفلات الأمني جاثما على توقّعات جزء كبير من الرّأي العامquot;.
يعترف الوزير الأول وأمين عام حركة النهضة الاسلامية الحاكمة، حمادي الجبالي بأنّ للباجي قائد السبسي quot;تجربة يصعب وجودهاquot;، وهي تصريحات تتناقض واتهامات الحكومة للسبسي سابقا بوضع ألغام لعمل الترويكا الحاكمة، ومحاولة إعاقة عملها بإجراءات أعلن عنها السبسي قبل تسليمه الحكم لحركة النهضة التي فازت في انتخابات المجلس التأسيسي.
يكشف التسجيل كذلك عن خفايا انتقال quot;سلسquot; للسلطة في الوزارة الأكثر اثارة للجدل، وزارة الداخلية، إذ تحدّث الجبالي عن ابتهاج وزير الداخلية الحالي علي العريّض لتعاون وتفاعل وزير الداخلية في عهد السبسي الحبيب الصيد، فيما يردّ السبسي بأن quot;الدولة مستمرةquot;، وهي عبارة كررها كثيرا خلال فترة توليه الحكم عقب الاطاحة ببن علي وحكومتي الوزير الأول السابق محمد الغنوشي بعد 14 جانفي / يناير 2011.

حساب جارٍ.. وانقطاع للصوت

يكشف السبسي في التسجيل ذاته المسرّب بطريقة ما زالت مجهولة، رغم صفاء الصوت وقرب الميكروفون من المتكلّمين، بأنّ هنالك حسابا جاريا للوزير الأوّل وأنّه لم يمسّه، قبل أن ينقطع الصوت عند الحديث عن الملبغ الموجود في الحساب.
ويؤكد الجبالي للسّبسي أنّه حريص على quot;ضمان الوضعيّة المادية لهذا الأخيرquot; وأنّ ذلك من quot;حقّهquot;، مبديا رغبته في أن يساند السّبسي فريق عمل الجبالي، ومؤكّدا أنّه quot;لن يُحدث تغييرات كبيرةquot;، وهي عبارة تتعارض وتعهدات الجبالي سابقا بإجراء تغييرات وتطهير الادارة والحكومة ومنع عودة التجمعيين (كوادر بن علي) من النافذة بعد أن تم طردهم من الباب، والكلام للجبالي.
تهكم المتحدثان على وزير الدّاخلية الأسبق فرحات الرّاجحي، وقال الباجي قائد السّبسي عنه بنبرة ساخرة: سرقوا له معطفه، واعتدوا عليه ضربا، مشيرا الى أن ذلك الوزير الذي كان على خلاف مع السبسي، مُحاط بمن وصفهم quot;جماعة البوكتquot; في اشارة الى كوادر حزب العمال الشيوعي الذي يتزعمه حمة الهمامي أحد اشدّ معارضي الرئيس المخلوع بن علي.

بن سدرين تتدخّل والنصراوي خرجت من مكتبه باكية

الصحافية سهام بن سدرين والناشطة الحقوقية المعروفة راضية النصراوي كان لهنّ حضور في التسجيل المسرّب على لسان السبسي، فبن سدرين قال عنها quot;إنها تتدخّل في شؤون الدولةquot;، أما النصراوي فيفتخر السبسي بأنه quot; شتمها في مكتبه وأنّها خرجت تبكي من قصر الحكومةquot;، الأمر الذي أثار ضحك الجبالي.

صراع في العلن ... تنسيق في الخفاء

سأل حمّادي الجبالي الباجي قائد السّبسي عن تصوّره لأولويات الحكم في تلك المرحلة، وبدت نبرته تشي بمحاولة فهم سلوك الباجي قائد السبسي في ادارة المرحلة الانتقالية الاولى بـquot;دهاءquot; كما يقول ملاحظون.
يردّ الباجي فورا متحدثا عن معضلة السلفيين ويقول: السلفيون محسوبون عليكمquot;، ناصحا الجبالي بتجنب توتير الأجواء مع رجل الاعمال الشهير نبيل القروي مالك قناة نسمة التي كانت تحاكم يومئذ على خلفية بثها فيلمًا إيرانيا قيل انه يتضمن تجسيدا للذات الالهية.
وأوصى السبسي بتسوية وضعية نبيل القروي بعد الاعتداء عليه وعلى قناته، ملمحا الى وجود دعم خارجي وداخلي كبير له.

العلاقة بحكام الخليج

يمضي المتحدثان الى موضوع قطر والكويت والامارات والسعودية، وذلك بعد أحاديث مقتضبة عن بعض الوزراء في حكومة الجبالي بدوا للسبسي مثيرين للجدل وغير أكفاء.
تحدّث السّبسي عن طلب قطر لفوائد قيمتها 2،5% بخصوص الإعانات المقدّمة لتونس، وقال إنهم قاموا بعد ذلك بطلب 4،5% كفوائد، ما دفعه للتلميح بالتخلّي عن عرضهم فتراجعوا عن طلبهم الأخير.
ويكشف السبسي عن تلقي بن علي لأموال من صدّام حسين، مؤكدا أنّ ذلك تسبّب بتوتير العلاقات مع الكُويت.
كما دار حديث بين الجبالي والسّبسي حول السعودية، إذ أكّد السبسي أنّه ليس هنالك نيّة فعليّة لطلب تسليم بن علي، ملقيا باللوم على الحكام السعوديين لعدم الإجابة quot;ولو شكليّاquot; على طلب تسليم الرئيس الهارب.

سخرية من المنصف المرزوقي

في سياق الحديث عن البغدادي المحمودي آخر رئيس وزراء في عهد القذافي والذي كان معتقلا في تونس ثم سلم الى السلطات الليبية الجديدة، إستنكر السّبسي تصريحات رئيس الدولة المنصف المرزوقي حول ذلك، فأجاب الجبالي بان لا دخل للمرزوقي في الموضوع، وأن لا تصرف له في هكذا قضية quot;لا قولا ولا فعلاquot;.
وبدا ذلك الحديث وكأنه ايذان بانطلاق سجال الصلاحيات المحدودة التي يشكو منها الرئيس الموقف المنصف المرزوقي، والتي جعلته يفكر في الاستقالة قبل أشهر، كما قال في حوار صحافي له نشر مؤخرا.

رابط الحوار المُغلق بين حمّادي الجبالي و الباجي قايد السبسي: